كتبت صحيفة “الأخبار” تقول: هل يعود النائب العام التمييزي غسان عويدات عن قراره منع القاضي جان طنوس من استئناف تحقيقاته مع مصارف لبنانية للوصول الى حسابات رجا سلامة، شقيق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة؟
السؤال مردّه معطيات برزت في اليومين الماضيين، في لبنان وأوروبا، عن عودة الحديث عن قرار وشيك بإطاحة حاكم مصرف لبنان وبدء البحث في أسماء بديلة، علماً بأن الغطاء السياسي الداخلي لسلامة لا يزال قوياً، فيما لم يعطِ الجانب الأميركي بعد إشارة بتغييره، رغم معلومات تشير الى أن جهات لبنانية عليا فاتحت الأميركيين حول هوية البديل، انطلاقاً من أن تعيين الحاكم يحتاج ضمناً الى موافقة أميركية مسبقة.
مصادر مطلعة أكّدت أن امتناع لبنان عن المشاركة في اجتماع قضائي أوروبي عُقد في باريس الشهر الماضي للبحث في ملف الحاكم، أثار «غضب» جهات أوروبية. وجرى حديث عن رسالة «تأنيب» وصلت الى بيروت لعدم حضور الاجتماع مع معطيات تتعلّق بحسابات الحاكم وشقيقه ومساعدته ماريان الحويك، علماً بأن طنوس أبلغ من يعنيهم الأمر عدم قدرته على الحصول على المعلومات بعدما منعه عويدات من إكمال مهمته.
وكان طنوس قد «دهم»، في 11 كانون الثاني الماضي، مع عناصر من جهاز أمن الدولة، خمسة مصارف وحاول إلزام موظفي أقسام المحاسبة بتنفيذ قرار قضائي بتسليمه كامل الكشوفات الخاصة بحركة حسابات رجا سلامة، قبل أن يطلب منه عويدات إنهاء مهمته بضغط مباشر من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.
وبحسب المصادر، فإن الجانب الأوروبي الذي يرى أنه بدأ تقديم الأدلة والمعطيات المتوافرة لديه الى الجانب اللبناني، كان ينتظر الحصول في المقابل على ما يساعد في اتخاذ خطوات إضافية في سياق الادعاء على سلامة، في أكثر من بلد أوروبي، بشبهة الاختلاس وتبييض الأموال. ويريد الأوروبيون المعطيات الخاصة بحسابات رجا سلامة للتثبت من أن الأموال التي دخلت هذه الحسابات وحُوّلت منها الى حسابات أخرى في لبنان أو خارجه، استخدمت لتملّك شركات اشترت عقارات تبيّن أنها تعود الى سلامة وأفراد من عائلته. ويتيح التثبّت من هذا الأمر إصدار قرار بالحجز على هذه الأملاك.
وفيما نفت مصادر قضائية أن يكون عويدات قد تلقّى أو سمع عن «رسالة التأنيب»، أشارت الى تحذيرات تلقاها المدعي العام التمييزي من احتمال أن يواجه اتهاماً بعرقلة التحقيقات إذا واصل منع طنوس من إكمال مهمته. وهو «موقف يبدو جدياً»، بحسب معطيات الجهات المتابعة التي أشارت إلى أن عويدات «راجع الأمر، وقرّر عرض ملف الادعاء على الحاكم على جهات عاملة معه في النيابتين العامتين التمييزية والمالية، وأنه لا يمانع الادعاء على سلامة، لكنه يرفض ربط القرار بالحصول مسبقاً على داتا الكشوفات». وهو ما ترفضه الجهات التي قد تقوم بالادعاء، باعتبار أن عدم وجود الداتا سيضعف الملف من جهة، ولأنه لا مسوغ قانونياً يمنع القضاء من الحصول على الداتا بالقوة، بعدما تمنّعت المصارف عن الاستجابة لطلبات طنوس ورفضها تسليم الداتا بحجة السرية المصرفية».
وفي هذا السياق، عُلم أن سلامة يصرّ على ترك الملف لهيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان (يتولّى رئاستها والإشراف على أعمالها) التي تسلّمت نسخة عن حسابات رجا سلامة في ثلاثة من خمسة مصارف على الأقل. ويرى سلامة أن هيئة التحقيق الخاصة هي الجهة المخوّلة التحقيق في الملف حتى لا تُخرَق السرية المصرفية. وقد حاول أخذ «مسافة» شكلية من الملف، كما فعل في الاجتماع الأخير لهيئة التحقيق، عندما غادر الجلسة لدى وصول البحث الى البند المتعلق بحسابات شقيقه، وطلب الى النائب الأول وسيم منصوري ترؤس الاجتماع.
التحقيقات الأوروبية
في هذه الأثناء، تواصل الجهات القضائية المعنية في أوروبا التحقيق في ملف سلامة. وقد تسلّم لبنان مزيداً من طلبات المعونة القضائية، فيما يبدو أن هناك رهاناً على «خطوات كبيرة» من فرنسا وألمانيا خصوصاً، ولا سيما أن الجانب الألماني فتح تحقيقاً حول ثروة الحاكم وممتلكاته التي يقدّرها بأكثر من مليار دولار، وهي مبالغ لا يمكنه تجميعها من استثمار طبيعي لما كان يملكه عند توليه منصبه، كما أن مخصصاته لا تسمح له بالوصول إلى مثل هذا الرقم. وعزّزت الملابسات التي كشفت عنها التحقيقات في سويسرا ولبنان شكوك الجانب الألماني الذي أبلغ لبنان بأن لديه معطيات «شديدة الخطورة» حول الملف، وأنه يحتاج الى مساعدة في بعض الجوانب، وهو ما لم يحصل بعد.
ويبدو أن في لبنان وخارجه من يراهن على التحقيقات الأوروبية لأسباب مختلفة، من بينها:
ــــ الشكوك التي تحيط بسمعة القضاء اللبناني بفعل خضوعه للضغوط السياسية، ما يجعل كل ما يصدره قابلاً للتشكيك. وبالتالي، قد يجري التعاطي مع أي خطوة قضائية في لبنان على أنها خطوة سياسية، وهو ما يروّج له سلامة مع جهات رسمية عليا في لبنان يتقدّمها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.
ــــ أن السلطات السياسية في لبنان قادرة على عرقلة صدور قرارات قضائية في حق سلامة أو منع تنفيذ أي أحكام أو قرارات قضائية في حقه أو في حق غيره.
ــــ أن صدور القرارات عن جهات أوروبية ستكون له فعالية لدى السلطات السياسية اللبنانية، خشية فرض عقوبات على أي جهة سياسية أو رسمية أو أمنية أو قضائية تمنع الوصول الى نتيجة في التحقيقات، كما أن الأوروبيين الذين يهددون السلطات اللبنانية بعدم التدخل في التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت، لا يمكنهم التغاضي عن محاولة عرقلة عمل القضاء في ملف فساد.
ــــ أن الولايات المتحدة نفسها ستكون أكثر إحراجاً في حال صدور إدانات أو لوائح اتهام بحق سلامة عن محاكم أوروبية، وستكون مضطرة إلى رفع الغطاء عنه والسماح بتعيين بديل له.
ــــ أن الإجراءات القضائية الأوروبية ستساعد لبنان على السير في دعاوى مفترضة ضد مصارف ومصرفيين يعملون في أوروبا ممن يشتبه في أنهم ساعدوا سلامة في ما ينسب إليه من اتهام بتبييض الأموال. وفي هذا السياق، تدور شبهات كبيرة حول مصرف HSBC ــــ فرع سويسرا، وخصوصاً بعد ورود اسم كيفين والتر الذي يعمل في المصرف (لم تتمكن الجهات القضائية من التعرف إليه بصورة أكيدة) في النسخة الأوروبية من العقد مع شركة «فوري» التي يملكها رجا سلامة، والتي يحقق القضاء السويسري في اتهامها باستخدامها لاختلاس أكثر من 300 مليون دولار من المصرف المركزي.