بعد إستفحال الإزمة الإقتصادية والمالية والنقدية والمعيشية والإنهيار شبه الكامل للقطاع الطبي والإستشفائي والصيدلاني بسبب الإرتدادات الخطيرة التي خلّفتها كل تلك الأزمات على هذا القطاع لأسباب معروفة سبق وكتبنا عنها عشرات المقالات، والتي كان من اهمها إرتفاع تكلفة الطبابة في المستشفيات بشكٍ مهول، انقطاع معظم ادوية الأمراض المزمنة او ارتفاع اسعارها بشكلٍ جنوني مما إضطر معظم او عدد كبير من المرضى لإيقافها كلياً او مؤقّتاً وهجرة الأطقم الطبية والتمريضية ذات الكفاءة والخبرة العالية والمتميّزة، وجدت انه من واجبي كطبيب ناشط يحمل قليلاً همّ ابناء شعبه المنكوبين والمحرومين والمقهورين ان اكتب هذه المقالة التوعية الإرشادية، مُتمنياً ان تحتوي هذه الأسطر القليلة بعض المعلومات والنصائح التي قد تُساعد ولو بقدرٍ قليل من معاناة اهلنا في لبنان وفي بعض الدول العربية التي تُعاني من ازمات مُماثلة آملاً ان يستفيدوا قليلاً عبر تعميم هذه النصائح والإرشادات التي ستحتويها حول اعراض امراض القلب والشرايين، التي تبقى رغم كل ما حدث من تداعيات ازمة جائحة كوورنا وما الحقته هذه الأخيرة من خسائر فادحة في الأرواح وفي الإقتصاد العالمي والوطني منذ حوالي ثلاث سنوات، السبب الأول للوفيات في لبنان وفي مختلف الدول المتقدمة. ومن هنا خطورة هذا الموضوع لأن البعض إنشغل بتداعيات كورونا ونسي كلياً او تناسى او اهمل للأسف ان هناك امراض مُميتة اخرى يجب الإستمرار بالإهتمام بها رغم كل ما حصل وحصل حتى اليوم، خاصة وان بعض العوامل المُسببة لهذه الأمراض مثل التدخين وإرتفاع الضغط الشرياني والدهنيات والبدانة والسكري قد ازدادت نسبتها في هذه الظروف نتيجة اسباب من السهل جداً التكهن بها، خاصة ايضاً إذا ما اضفنا اليها التوتر والقلق والإكتئاب والبطالة وإنتشار الفقر المدقع وعدم الإستقرار والخوف الدائم على المسقبل والتي نعرف جميعاً انها عوامل خطيرة تزيد وتُفاقم من مخاطر واعراض امراض القلب وتزيد من مخاطر الأسباب الأخرى لهذه الأمراض بشكلٍ كبير.
لذلك نرجو ان تخفّف هذه النصائح والإرشادات بمكانٍ ما من الفاتورة الصحية للكثير من المرضى الذين اصبحوا بين ليلة وضحاها من الطبقات الفقيرة في المجتمع واصبحوا غير قادرين على الذهاب لمعاينة طبيب مُتخصّص بسبب القلّة والفقر وبسبب سعيهم لتوفير ما يملكونه من اموال وتخصيصه للإحتياجات الأكثر إلحاحاً مثل المأكل والملبس والتعليم وفاتورة الكهرباء والمولّدات، او لأن اموالهم القليلة التي كانوا قد ادخّروها محجوزة في المصارف على يد عصابات ومافيات اصحاب هذه الأخيرة.
ولكل ما تقدّم وجدت انه لا بدّ من تعميم هذه الإرشادات على اكبر عدد من المواطنين اللبنانيين والمقيمين في هذا الوطن، بهدف التعرّف ألى اهم الأعراض التي قد تُشير إلى إمكانية وجود امراض في القلب والشرايين، خاصة وان هذه العلامات قد تُساعد الى حدٍ ما في إنقاذ حياة أناس أعزّاء عن طريق نشر الثقافة والمعرفة وتُساهم في الوقاية من هذه الأمراض وفي منعها من الفتك بأبناء مجتمعاتنا وشبابنا.
وفي البداية لا بد من التذكير ان امراض القلب والشرايين تنقسم الى عدة اصناف وانواع: امراض شرايين القلب او ما يُعرف بتصلّب او انسداد الشرايين التاجية للقلب او “النشاف” باللغة العامّية. وهي تمثّل حوالي ٧٠ بالمئة من امراض القلب والشرايين الرائجة في لبنان، امراض عضلة وصمامات القلب وقصور القلب وهي تُمثّل حوالي ٢٠ بالمئة من امراض القلب، امراض شبكة واضطرابات كهرباء القلب وامراض غشاء القلب والضغط الشرياني والبدانة والكوليسترول وهي تمثل النسبة الباقية من هذه الامراض.
اما الاعراض المُهمّة التي نتكلم عنها فهي:
١- الألم الصدري او “الخُناق الصدري المستقرّ” الذي يُصيب المريض عند القيام بجهد مُعين مثل المشي او الركض او صعود المصعد او حمل اي ثقل مُعيّن او حتى اثناء العمل الخفيف في عمله او في المنزل عند المرأة، او خلال العلاقة الزوجية او غيرها من انواع الجهد. وهذا الألم يكون في اعلى القفص الصدري وقد يمتد الى العنق والبلعوم والكتف الأيسر والذراع الايسر. وقد يكون في الخلف بين الكتفين او في اعلى الظهر او اعلى المعدة. وهو الم يستمرّ عادةً لمدة دقيقة او اثنتين او لخمس دقائق في بعض الأحيان. وعندما تطول مدّته لفترة ٢٠ دقيقة او اكثر نتكلم عن “ذبحة قلبية” او “إحتشاء في عصلة القلب” او “نوبة قلبية حادة” قد تكون ناتجة عن “خُناق صدري غير مستقر”. وقد اشرت سابقاً الى اعراضها وذكرت الى ان النوبة القلبية غالباً ما تتصاحب مع تعرّق بارد وحالة غثيان وتعب شديد او وهن وتقيؤ او استفراغ وشحوب وخفقان قلب وهبوط في الضغط الشرياني.
ومن المهم جداً نقل المريض الى اقرب مستشفى موجود في المنطقة خلال اقلّ من ساعة على بروز هكذا أعراض تجلعنا نشكّ بوجود “ذبحة قلبية” او حالك “خُناق صدري غير مستقرّ ” لأن حياة المريض تكون في حالة خطر شديد في هذه الحالة. وهي اعراض تكون ناتجة عادةً عن “إنسداد كامل” او “جزئي” في احد الشرايين التاجية للقلب والذي يجب فتحه في اقرب وقت مُمكن قبل ان يُحدث تلف او ضرر في عضلة القلب ويؤدي بالتالي لاحقاً الى حصول قصور في عضلة القلب. ولذلك لا يجب ابداً إضاعة الوقت والإنتظار كثيراً. ولكل دقيقة نضيعها هنا في الإهمال او في عدم نقل المريض الى المستشفى حسابتها ومخاطرها على حياة المريض لأنه يجب وضع العلاج المناسب لهذه الحالات في اسرع وقت ممكن ولا يحتمل الوضع اي تأجيل. اما في الحالة الأولى وحيث تظهر الأعراض لفترة دقيقة او اكثر ثم تختفي كلياً، فمن الممكن تأجيل إستشارة الطبيب المتخصّص الى اليوم التالي او لبضعة ايام بشرط ان تكون الأعراض قد اختفت كلياً. وفي هذه الحالة قد يحتاج الطبيب لطلب فحوصات مُتعددة قد يكون من ضمنها فحوصات مخبرية مختلفة وتخطيط القلب العادي وتخطيط القلب الإجهادي والصورة الصوتية للقلب مع دوبلر وغيرها. وقد يلجئ في النهاية الى إجراء قسطرة او تمييل لشرايين القلب لفتح احد الشرايين المسدودة جزئياً وليس كلياً كما في الحالة السابقة.
ونشير هنا ايضاً الى ان العديد من الأطباء -ونحن منهم بكل تأكيد-يتلقّون منذ إشتداد الأزمة تدهور الأوضاع المعيشية والإقتصادية إتصالات من مرضى يشكون من اعراض مختلفة ومتنوعة لا علاقة لها بالقلب والشرايين بشكلٍ عام. وهي تُصيب عادة شباب وصبايا في اعمار مُبكرة (اقل من ٤٥ سنة عادةً) وقد تكون ناتجة عن تشنّج عضلي او الم في القفص الصدري في مقابل القلب او عن مشاكل في البلعوم والمعدة او عن قلق وتوتر عصبي او الم عضلي او في العظم وغيره. وقد ازدادت هذه الحالات في الآونة الأخيرة نتيجة الأزمات الإقتصادية المعيشية والإجتماعية التي ذكرناها وبسبب لجوء معظم هؤلاء الشباب للتدخين او لإستهلاك الكحول او حتى المخدرات احياناً. وفي كل الأحوال فالطبيب المتمرّس يعرف بسرعة تشخيص هذه الحالات ومن الممكن له بسرعة ان يُعطي النصائح المناسبة لعلاجها. ولذلك نقول ان ظهور هكذا اعراض لا يستوجب القلق ولا دفع الأموال من اجل إستشارات وفحوصات غير مُبررة خاصة اذا كان الشخص يعرف انه يمرّ في ازمات مالية وإقتصادية ومعيشية ولديه الكثير من القلق والتوتر بسبب كل تلك العوامل.
٢- الشعور بضيق التنفس والتعب والإرهاق وبعدم القدرة على القيام بالجهد من دون اسباب واضحة اخرى كالمشاكل الرئوية مثل مرض الربو والإنسداد الرئوي المزمن والبدانة وغيرها. وهذا ما قد يكون اهم مؤشّر على وجود مشكلة في “عضلة القلب” ووجود قصور او ضعف في وظيفة هذه العضلة. وهو مؤشر له خطورة اكبر لأن علاجات قصور عضلة القلب اصعب بكثير من علاجات مشاكل الشرايين خاصة وان معظم المرضى الذين يعانون من هكذا مشاكل يقضون معظم ايامهم الأخيرة في المستشفيات وتتدهور حالتهم بسرعة ويتوفون للأسف خلال بضعة اشهر او بضعة سنوات على الأكثر نتيجة الإختلاطات الجانبية التي يتسبب بها قصور القلب، وذلك بالرغم من كل التطورات الهائلة التي حصلت في هذا المجال في السنوات الأخيرة ومع ظهور ادوية وتقنيات متطورة خفّفت كثيراً من نسبة الوفيات عند هؤلاء المرضى. وفي هذا السياق يجب الإلتفات ايضاً كثيراً الى ظاهرة زيادة الوزرن بشكل كبير او تورم الساقين وإنتفاخ البطن كأعراض من المُمكن ان تكون اساسية لضعف عضلة القلب عند بعض المرضى.
وعادة ما يتم تشخيص قصور عضلة القلب عبر طلب صورة صوتية للقلب مع دوبلر وهي صورة غير مكلفة نسبياً ومتوفرة في معظم المستشفيات ومراكز التصوير الشعاعي. وقد يطلب الطبيب احياناً ايضاً بعض الفحوصات المخبرية وصورة شعاعية للقلب والصدر واحياناً نضطر لإجراء القسطرة القلبية لمعرفة وتحديد اسباب قصور عضلة القلب وعلاج إنسدادات سرايين القلب في حال وجودها.
٣- إضطربات ضربات القلب او عدم إنتظام هذه الضربات في حالة الراحة او عند القيام بأي إجهاد اعتيادي او عنيف. وهي اعراض قد تكون بسيطة في معظم الأحيان او خطيرة في بعض الأحيان خاصة عندما تطال إنقباضات او عدم إنتظام ضربات البطين الأيسر او الأيمن. وهي قد تؤدي احياناً للغياب عن الوعي او قد تكون مُميتة احياناً خاصة اذا ما حصلت عند مرضى يعانون من قصور خطير في عضلة القلب او من امراض متقدمة في عضلة او شرايين القلب. لكن هنا ايضاً لا داعي للقلق في الكثير من الحالات الخفيفة ويحب إجراء بعض الفحوصات ومنها تخطيط القلب العادي وتخطيط الإحهاد والصورة الصوتية للقلب وتخطيط القلب على ٢٤ ساعة لكشف ماهية هذه الأعراض وما هو نوعها وخطورتها. وقد ازدادات ايضاً مُؤخراً الشكاوى من هكذا اعراض عند الكثير من الشباب والصبايا الذين ليس عندهم عوامل خطورة كبيرة للإصابة بأمراض القلب والشرايين مثل التدخين والضغط والسكري وغيرها. ولذلك ليس على هؤلاء الشباب اي خوف لأن الإحساس بهكذا اعراض قد يكون فقط ناتج عن الضغوط النفسية والتوتر والقلق والإكتئاب وعدم الشعور بالأمان. ولذلك ننصههم بعدم الخوف وتخفيف تناول المنبهات مثل القهوة والشاي والكافيبن والنوم الصحي والسليم لمدة تتراوح بين ٧ الى ٩ ساعات دون إنقطاع على الأقل في الليل والقيام بأي نوع من التمارين الرياضية الهوائية كالمشي والركض والسباحة والتزلج وغيرها من اجل السعي لتخفيف التوتر والإسترخاء. وستختفي حتماً كلياً او جزئياً هكذا اعراض مع تطبيق كل هذه الإرشادات. وعليهم فقط اللجوء الى الطبيب في حال إستمرار هكذا اعراض رغم تطبيق كل ما ذكرناه.
٤- حالات الغياب عن الوعي او هبوط الضغط الشرياني المُفاجئ خلال العمل او عند القيام بجهد معين او خلال اي تمرين رياضي او حتى في حالة الراحة. وهذه الأعراض تُعتبر مؤشر على إصابات متقدمة في صمامات القلب وخاصة على مرض إنسداد الصمام التاجي للقلب الذي يتسبب بهكذا اعراض. ولكنها قد تكون ناتجة ايضاً عن مشاكل واضطربات في كهرباء القلب او في عضلة القلب ايضاً. وهنا يجب بسرعة إجراء مروحة واسعة من الفحوصات المخبرية والشعاعية والقلبية التي قد تصل الى تمييل القلب او فحوصات مُتخصّصة لكهرباء القلب وذلك لكشف اسباب هكذا اضطرابات وإعطاء العلاج المناسب لها في اسرع وقت مُمكن.
لكل ما ذكرناه سابقاً على كل شخص عنده واحدة او اكثر من العلامات التي عدّدناها ان يستشير طبيبه المُتخصّص وان يبادر الى إجراء الفحوصات القلبية المناسبة من فحص سريري وتخطيط قلب وصورة صوتية للقلب وغيرها من فحوصات مُتخصصة بحسب الحالة . وقد تصل الامور الى إجراء القسطرة او تمييل شرايين القلب من اجل وضع العلاجات المناسبة لكل حالة بحالتها.
وفي كل الأحوال طبعاً لا بد من الإلتفات جيداً الى ان امراض القلب والشرايين ومخاطرها تزداد كثيراً عند المُتقدّمين بالسنّ اي الشباب بعد سن ال ٤٥ سنة والنساء بعد سنّ ال ٥٥ سنة وعند من لديهم عوامل الخطورة التي ذكرناها في مقالات سابقة ( تدخين، إرتفاع ضغط شرياني، ارتفاع دهنيات، مرض سكري مزمن وقديم وغير مُراقب جيداً، بدانة، كسل وخمول مع قلة حركة، مشاكل قلبية في العائلة…) والى ان القلق والتوتر والإكتئاب الذي يصيب معظم شرائح الشعب اللبناني لا يجب ان يمنعنا من نبقى حذرين من بعض الأعراض المشبوهة و/او المُتكررة خاصة اذا كانت حسب الوصف الذي شرحناه سابقاً.
د طلال حمود-طبيب قلب تدخّلي-مُنسّق ملتقى حوار وعطاء بلا حدود