Les actualités les plus importantes et les plus récentes du monde en français

النهار: سعد الحريري… ما لم يفعله زعيم

كتبت صحيفة “النهار” تقول: اذا كان قرار الرئيس سعد الحريري بـ”تعليق” العمل السياسي وامتناعه و”تيار المستقبل” عن الترشح للانتخابات لم يفاجئ اللبنانيين، فان ذلك لم يحجب الوقع المدوّي لصدمة كبيرة أحدثها القرار وامتزج فيها العاطفي بالسياسي والخصوصي بالعام، كيف لا وصانع هذا التطور هو سعد رفيق الحريري وارث الحريرية السياسية منذ 2005 عقب اغتيال مؤسسها، وحامل لواء الاعتدال الوطني والسنّي والعابر للطوائف والمناطق. والحال ان الرئيس سعد الحريري صنع البارحة سابقة لم يقم بها زعيم لبناني في مختلف الظروف وخصوصا وهو في عزّ قوته الشعبية وثقل تمثيله النيابي والسياسي الكاسح لطائفته أولا وامتداداته لدى طوائف أخرى. فحتى الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي شكل بسيرته بوصلة نجله طوال مراسه وتجاربه السياسية بعد اختياره أميناً على مسيرته، والذي استشهد الرئيس سعد الحريري بكلامه المؤثر في ختام كلمته أمس بما كان والده قد أعلنه قبل 17 عاما “أستودع الله سبحانه وتعالى هذا البلد الحبيب لبنان وشعبه الطيب”، حتى الرئيس رفيق الحريري نفسه لم يذهب إلى حيث بلغه نجله أمس معلنا “تعليق” العمل السياسي السلطوي والنيابي، وكأنه يعلق زعامته طوعاً ويعود إلى صفوف الناس. هذا التطور وان اكتسب في معظم ابعاده الطابع الصادم المؤثر، فان دلالاته الأخطر تبقى في طيات أبعاد بالغة الأهمية والخطورة أيضا تضمنتها كلمة الحريري في تعداده دوافع قراره. شدد الحريري مرات على ان مهمته الأساسية في استمكال مشروع رفيق الحريري تمثلت في منع الحرب الاهلية ومن اجل ذلك قام بتسويات عدة ومختلفة داخلياً وخارجياً أتت على حسابه. وهذا الامر يدفع إلى التساؤل المثير للقلق: هل بعد تعليق الحريري عمله السياسي وامتناع تياره عن الانخراط في الانتخابات، كما في العمل السياسي التقليدي والسلطوي، سيبقى ضمان الحريرية للسلم الأهلي كما كان سابقاً، ام ان الخوف على هذا الضمان يجب ان يشغل بال الجميع؟ ثم ماذا عن النفوذ الإيراني الذي ردّ اليه الحريري العقدة الام في لبنان وكيف سيكون موقف القيادات اللبنانية من خطوة الحريري التي رفعت التحدي الأقصى في وجه “حزب الله” خصوصا لهذه الجهة؟

 

الكلمة الصادمة للحريري لم تقف هنا أيضا، اذ على رغم اقتضابها بدت بمثابة حدث مهيب اطلقت في طول البلاد وعرضها التساؤلات المقلقة عما ستكون عليه الساحة السنية خصوصا، والوطنية عموما، في ظل قرار “تعليق” العمل السياسي لتيار يختصر اكثر من خمسة وسبعين في المئة من تمثيل السنة ناهيك عن عبوره لطوائف أخرى بنِسَب مختلفة. ثم ماذا لو تحول القرار الحريري، كما يرجح، قاطرة تستتبع قرارات مماثلة بدأت مؤشراتها ترتسم في ظل اتجاه رئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي ورؤساء الحكومات السابقين، أي الهيكل القيادي السياسي الأساسي للسنة نحو العزوف عن الترشح بالإضافة إلى سائر نواب “المستقبل” الحاليين؟ وماذا عن السياق الميثاقي للبلد في ظل “تنحي” الركيزة الأساسية الأم للطائف منذ ثلاثة عقود؟

 

الكلمة الصادمة

اطلق الرئيس سعد الحريري امس العنان لكل المقاربات الشديدة الخطورة حيال المستقبل القريب جدا والأبعد أيضا عبر سابقة لم يسبقه اليها زعيم في ظروفها الداخلية والخارجية. وامام حشد من نواب كتلته والصحافيين والمراسلين في بيت الوسط، وبتقاسيم مؤثرة علت وجهه ولم تلبث ان دفعت الغصة إلى صوته لدى استشهاده بفقرة الوداع الأخيرة، أعلن الحريري قراره بعدما شرح ان مهمته كانت المضي في مشروع رفيق الحريري الذي “يمكن اختصاره بفكرتين: أولا، منع الحرب الاهلية في لبنان، وثانيا: حياة أفضل للبنانيين. نجحت في الاولى، ولم يكتب لي النجاح الكافي في الثانية، ولا شك ان منع الحرب الاهلية فرض على تسويات، من احتواء تداعيات 7 ايار إلى اتفاق الدوحة إلى زيارة دمشق إلى انتخاب ميشال عون إلى قانون الانتخابات، وغيرها. هذه التسويات، التي اتت على حسابي، قد تكون السبب في عدم اكتمال النجاح للوصول لحياة افضل للبنانيين. والتاريخ سيحكم.

 

لكن الاساس، ان الهدف كان وسيبقى دائما تخطي العقبات للوصول إلى لبنان منيع في وجه الحرب الاهلية، ويوفر حياة أفضل لكل اللبنانيين”. ثم أعلن انه “من باب تحمل المسؤولية أيضا، ولأنني مقتنع ان لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الايراني والتخبط الدولي، والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة، أعلن التالي:

 

أولا، تعليق عملي بالحياة السياسية ودعوة عائلتي في تيار المستقبل لاتخاذ الخطوة نفسها.

 

ثانيا: عدم الترشح للانتخابات النيابية وعدم التقدم بأي ترشيحات من تيار المستقبل أو باسم التيار. واكد “اننا باقون بخدمة اهلنا وشعبنا ووطننا، لكن قرارنا هو تعليق اي دور أو مسؤولية مباشرة في السلطة والنيابة والسياسة بمعناها التقليدي، وسنبقى من موقعنا كمواطنين متمسكين بمشروع رفيق الحريري لمنع الحرب الأهلية والعمل من اجل حياة افضل لجميع اللبنانيين . نحن باقون بخدمة لبنان واللبنانيين، وبيوتنا ستبقى مفتوحة للارادات الطيبة ولأهلنا وأحبتنا من كل لبنان “. وختم “قد يكون أفضل الكلام في هذه اللحظة ما قاله رفيق الحريري في بيان عزوفه قبل 17 عاما: “خواعبر من كل جوارحي عن شكري وامتناني لكل الذين تعاونوا معي خلال الفترة الماضية”.

 

الردود

على الأثر بدأت تتصاعد ردود الفعل الداخلية بدءا بنزول مجموعات من أنصار “المستقبل” إلى العديد من شوارع العاصمة والشروع في قطعها. وفي الردود السياسية كتب رئيس الوزراء نجيب ميقاتي على حسابه عبر تويتر: “كلام الرئيس سعد الحريري اليوم صفحة حزينة للوطن ولي شخصيا، ولكنني أتفهم الظروف المؤلمة التي يعيشها والمرارة التي يشعر بها.

 

سيبقى الوطن يجمعنا والاعتدال مسارنا ولو تغيرت الظروف والاحوال، مستلهمين قوله تعالى “لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم “.

 

واعتبر الرئيس ميشال سليمان “إنّ احجام أي طائفة عن المشاركة في الانتخابات النيابية، ترشيحاً او اقتراعًا، او تدني نسبة مشاركتها بشكل ملحوظ، ليس فشلًا للديمقراطية فحسب بل وأيضًا هو تشويهٌ لصيغة العيش الواحِد المشترك. فلا يظنن احدٌ أنّ الخسارة تلحق بالطائفة المعنية فقط بل بالتأكيد بكل الطوائف والمكوّنات، شأن الخسارة التي تكبدها لبنان عام 92 حين قاطع المسيحيّون بمعظمهم الانتخابات النيابية. فالمصلحة الوطنية تصبح في خطر عندما تهيمن طائفة معيّنة، دون غيرها، على المشهد السياسي كذلك إذا عزفت طائفة أو أحجمت عن المشاركة ولعب دورها الوطني الذي تستحقه أو إذا انحسر هذا الدور لأيّ سبب كان”.

 

ورأى الرئيس تمام سلام ان موقف الرئيس الحريري “لا يعبّر فقط عما توصل اليه من اقتناع في هذه المرحلة التي يمر بها لبنان واللبنانيون ، بل يعكس ايضاً الخلل العميق في التوازنات السياسية والوطنية المفقودة للحفاظ على وحدة الوطن وابنائه. ولعل في مشاركته وتياره السياسي المسؤولية، يكون عبرة لمن يعتبرون أنفسهم اليوم منتصرين على اشلاء الوطن المنهار”.

 

اما ابرز التعليقات اللافتة فكانت لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي غرد “أن الوطن تيتم اليوم. المختارة حزينة وحيدةاليوم “. ثم صرح ل”رويترز”: “قرار الحريري يعني إطلاق يد حزب الله والإيرانيين في لبنان وقراره محزن ونفقد به ركيزة للاستقرار والاعتدال”.

 

كما ان رئيس تيار المردة سليمان فرنجية غرد مساء قائلا:” بمعزل عمن يتفق او يختلف معه فان الرئيس سعد الحريري وجه من وجوه الاعتدال في لبنان وغيابه عن الساحة السياسية سيخلق فرصة للضعفاء الذين سيعمدون إلى المزايدات التي تعزز التطرف والتطرف هو أكبر خطر على مستقبل لبنان “.

 

مجلس الوزراء

في سياق اخر عقدت أمس اولى جلسات مجلس الوزراء في قصر بعبدا بعدما فكّ الثنائي الشيعي اسره وتركّزت على الشؤون المعيشية واليومية فيما أرجئ انطلاق البحث في الموازنة إلى اليوم. واقر مجلس الوزراء مشروع مرسوم يرمي إلى اعطاء مساعدة اجتماعية موقتة للعاملين في القطاع العام بما فيها المستشفيات الحكومية والجامعة اللبنانية، البلديات، كما اقر مشروع مرسوم يرمي إلى تعديل قيمة تعويض النقل الموقت للعاملين في القطاع العام ليصبح 64 ألف ليرة لبنانية عن كل يوم حضور فعلي، وبدل النقل اليومي للقطاع الخاص بمبلغ 65 ألف ليرة لبنانية عن كل يوم حضور فعلي زائد منحة تعليم. ووافقت الحكومة على مشروع مرسوم يرمي إلى إعطاء تعويض نقل شهري مقطوع، بقيمة مليون و200 ألف ليرة للعسكريين. وتقرر عقد جلسات متتالية للحكومة في السرايا الحكومية، بدءا من صباح اليوم إلى حين الانتهاء من الموازنة.

 

بالتزامن مع ذلك بدأت بعد ظهر أمس المفاوضات الرسمية بين الحكومة وصندوق النقد الدولي في شأن برنامج التعافي الاقتصادي الذي ترغب الحكومة إبرامه مع الصندوق.

 

ويرأس هذه المفاوضات عن الجانب اللبناني نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي وهي تعقد في مرحلتها الاولى عبر التقنيات الالكترونية لتعذر مجيئ الوفد إلى لبنان.

وقد تم خلال الجلسة الاولى عرض جدول الأعمال والنقاط التي سيتم بحثها وفق جدولة زمنية تمتد لحوالي أسبوعين.

 

وتعقيباً على الجلسة، أفادت المتحدثة باسم الصندوق بأن فريقاً من الصندوق بقيادة رئيس البعثة في لبنان إرنستو راميريز ريغو عقد اجتماعاً مع السلطات لوضع جدول أعمال البعثة بهدف مساعدة السلطات على صياغة استراتيجية إصلاح شاملة تعالج التحديات الاقتصادية العميقة التي يواجهها لبنان. وقالت انه “على مدى الأشهر الماضية، انخرطنا في شكل مكثف مع السلطات اللبنانية والمعنيين، بمن فيهم المجتمع المدني والمجتمع الدولي، بشأن حزمة إصلاحات تهدف إلى معالجة الأزمة المتفاقمة، والحد من الفساد وتعزيز المساءلة، واستعادة الثقة في الاقتصاد.

 

يجب أن تعيد الإصلاحات المطلوبة استقرار الاقتصاد الكلي، والقدرة على تحمل الديون، وملاءة القطاع المالي، والعودة إلى نمو مرتفع وأكثر شمولاً على المدى المتوسط ، مع تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي لدعم الفئات الضعيفة”.

 

وأكدت المتحدثة انه “من المهم أن يكون هناك دعم مجتمعي واسع لتنفيذ الاستراتيجية بحيث يمكن أن تدعمها أي حكومة مستقبلية. نتوقع أن نبقى على اتصال وثيق مع السلطات في الأسابيع المقبلة. إن تحديات لبنان عميقة ومعقدة وستتطلب الوقت والالتزام “.