هكذا كما كل مرة، يخرج علينا سعد الحريري متقمصاً ثوب الحكيم الذي لا ينطق إلا بالإرشاد والنصيحة ومتقمصاً ثوب الرئيس الخارق الذي لم يجلب مثله الزمن، والذي يملك أسرار الحكم والألمعية في الإدارة، والكفاءة العالية في معالجة شؤون الناس. والأنكى من ذلك أنه يوجد الكثير من شعب الزهايمر وقطعان “طال عمرك” ممن يصدقون ادعاءاته تلك ويصفقون له.
فها هو السوبرمان سعد يتحدث عن النموذج الصارخ للفشل في إدارة الشأن العام ونسي حكم ثلاثين سنة بإدارته الفاشلة وإدارة عصابة رؤساء الحكومات السابقين المتصفين بالخبث والكيدية، تلك الإدارة التي نهبت وسرقت وأغرقت البلاد في ما نحن فيه اليوم.
ويتحدث سعد عن المعرقلين ليبيض صفحته عند السعودية، وينسى عرقلاته منذ سنة، التي تجلت بإرسال زعرانه ليقطعوا الطرقات ويعتدوا على المارة، فقط ليعود إلى رئاسة الحكومة بالتشبيح والأونطة.
ويتأسف سعد الحريري على مبادرة ماكرون الذي يصفه بأنه “من أنبل الأصدقاء” ، ولا أدري وفق أي معايير هو يصفه بالنبل، وهل يحتسب الحريري أن توقف توتال عن استخراج نفطنا والتستر على ثروتنا، دليل على نبل ماكرون.. ولا أدري إن كان السيد سعد قد قرأ هو شخصياً تلك المبادرة وفهم منها شيئاً…
ويشكر الحريري الدول التي هبت لنجدة بيروت بعد كارثة المرفأ، ولكن ذكاءه الحاد وذاكرته اللامعة لم تنتبه إلى أن انفجار المرفأ لم يحصل إلا بفضل حكوماته وحكومة السنيورة وحكومة ميقاتي التي كانت تجمع نيترات الأمونيوم لإرساله إلى الإرهابيين في سوريا، وخزنوه في المرفأ وتستروا عليه إلى أن انفجر ودمر بيروت(وبعض الأخبار تقول أنهدتم قصفه)، فسارع الحريري إلى اتهام حكومة عمرها ستة أشهر بالجريمة التي ارتكبها هو وأصدقاؤه، مع أن هذه الحكومة قد أنجزت خلال هذه المدة القصيرة ما لم ينجزه سعد ورهطه وأترابه وأبوه خلال ثلاثين سنة لمحاربة الفساد.
أما تباهيه بالتنازل عن وزارة المالية، فيصور الموضوع وكأنه تنازل عن أحد أملاك أبيه لأناسٍ غير ذوي حق. وهو يتناسى أيضاً أن الذين يطالبون بوزارة المالية هم من الأكثرية في مجلس النواب، وأن تنازل هذه الأكثرية عن رئاسة الحكومة له كان بمثابة كرم أخلاق منهم. أما هو فليس سوى “جغل” في الشوارع الباريسية، قد حظي برئاسة الحكومة بالوراثة وبعقلية القطعان الموجودة في لبنان وبالفساد، وقد هدر ثروات لبنان كما هدر ثروة أبيه التي “لهفها” من هنا وهناك ومن الأملاك العامة التي سيطر عليها بالأساليب الملتوية وبتزوير القوانين وبالرشاوى والخداع والتشبيح.
وكعادته أيضاً، يجيد سعد توجيه الشكر والتحيات وكيل المديح لكل من هو خارج حدود لبنان، ما أسخاه بذلك، ويُظهر نفسه كالحمل الوديع، والمضحي السخي في سبيل لبنان والشعب اللبناني، ونحن لم ننسَ هروبه من لبنان إلى علب أوروبا الليلية في كل مرة كان يقع فيه البلد في أزمة. ونحن لم ننسَ المرة الأخيرة التي هرب فيها فور تقديم استقالته، ولم يحترم الدستور في تصريف أعمال الحكومة لغاية إيجاد البديل، بل ترك الأمور على غاربها والأزمات المعيشية متفاقمة والناس لا تعرف ماذا تفعل. وأكثر من ذلك، هرب وأوعز إلى زعرانه ليقطعوا الطرقات ويعتدوا على المارة ويعطلوا أشغال الناس.
وأخيراً، يظن سعد الحريري أن مجرد توليه رئاسة الحكومة يكفي ليعيش لبنان برغد العيش، دون أي عمل بل دون ضرورة لأن يفهم أسس العمل، ودون أن يبذل جهد لذلك، بل يكفي أن يمضي وقته في الأسفار والمناكفات وفي التقاط صور السلفي وأخذ “البوزات” الفوتوجينيك أمام نساء بيروت المتجمهرات حوله وهن يرددن “يقبرني ما أجملو”.