كتبت صحيفة ” النهار ” تقول : إذا صح ان افراج الثنائي “حركة امل” و”حزب الله” عن الحكومة الرهينة رهن شرطهما “قبع” المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار جاء بقرار ذاتي غير مرتبط لا بصفقة سلطوية داخلية ولا بايحاء او باشارة خضراء إقليمية إيرانية، فان ذلك يعكس اول ما يعكس اضطرار هذا الثنائي الى اسقاط مقاطعته لمجلس الوزراء تحت ضغط تعاظم تداعيات الانهيار وتحمله من خلال شل الحكومة تبعات هذه التداعيات. ولكن بدا من غير المستغرب الا يقابل هذا التطور بتصفيق او اشادات او شهادات حسن تصرف الا من رئيس الحكومة #نجيب ميقاتي وحده، لان “إيجابية” العودة عن الخطأ اقترنت أولا بعدم استعداد احد لتقبل تمنين فريق عطل مجلس الوزراء ثلاثة اشهر في أسوأ مرحلة تجتازها البلاد، ومن ثم لان العودة الميمونة الى كنف الحكومة ومجلس الوزراء جاءت بدورها مشروطة بحصر المشاركة بجلسات إقرار الموازنة ومناقشة خطة التعافي الاقتصادي وما يحسن الأحوال المعيشية. اما في ما يتعلق بشؤون البلاد الأخرى فان ذلك يعني ان ثمة بدعة جديدة ستفرض بتقنين نوعية الجلسات الحكومية من جهة وإبقاء نزاع الثنائي الشيعي مع المحقق العدلي طارق البيطار شماعة تعلق عليها تطورات غير محسوبة في أي لحظة. والاغرب في هذه البدعة المستجدة اننا سنكون امام “مجلس وزراء نصفي” بمعنى تحديد مهماته سلفاً وحصرها بالموازنة ودرس خطة التعافي ومنع أي جلسات أخرى تتصل بجداول اعمال عادية او استثنائية عاجلة وسواها بما يعد اعتداء قسريا موصوفا على الدستور. والسؤال الذي ينتظر الساعات المقبلة لجلائه هو هل يمكن ان يقبل رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة شرطا سياسيا جديدا يتجاوز الدستور ويخالفه ويفرض بدعة بل هرطقة تجزئ صلاحيات مجلس الوزراء ؟ ثم ان مكمل هذه البدعة، وهو مكمل غير علني يثير الريبة في امكان ان يكون شيئا ما مرر تحت الطاولة ، يتصل باقتناص الثنائي لحظة الفراغ القضائي في نصاب الهيئة العامة لمحكمة التمييز مع خلو احد مناصبها بتقاعد القاضي روكز رزق الامر الذي سيجعل “القضاء المبتور” في ظل عدم توقع اجراء تشكيلات قضائية جزئية تملأ الفراغات الأساسية الوجه الاخر لمجلس الوزراء الذي سيقبل املاء الشروط عليه . ولعل الثمن الخطير لهذه المرحلة المتزئبقة سيتمثل في ان القاضي البيطار بات مقيدا بحيث لن يتمكن من استكمال التحقيق وتاليا سيتأخر في اصدار القرار الظني الى مدة يصعب تحديدها.
بذلك لم يعد مهما للغاية الغوص في الدوافع والأسباب التي دفعت الثنائي الى اعلان قراره المفاجئ، ولو ان مجمل المعطيات تؤكد ان الثنائي ما كان ممكنا له المضي في تحمل تبعات شل مجلس الوزراء عند مشارف استحقاقات مالية واقتصادية بالغة الخطورة بدءا بإنجاز الموازنة وإقرارها مروراً بالشروع الحتمي في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ووصولا الى اخطار تفجر اجتماعي واسع عشية استحقاق الانتخابات النيابية . هذه العوامل ”القاتلة” وحدها كانت كفيلة بدفع الثنائي الى التخفف من عبء استرهانه لمجلس الوزراء خصوصا ان التداعيات العميقة لتصرفه باتت تضرب في عمق جمهور الحركة والحزب وتثير نقمة واسعة بلغت أصداؤها بقوة قيادات الفريقين.
حتى ان رئيس مجلس النواب نبيه بري رد بصراحة على سؤال “النهار” عما دفع الثنائي الى اتخاذ قرار العودة الى مجلس الوزراء بقوله “جاءت العودة بعد تحميلنا مسؤولية ارتفاع سعر الدولار وتدهور الاوضاع واتهامنا من أكثر من جهة بأن الحق يقع علينا جراء ما وصلت اليه الأمور”.
ولدى سؤاله عن موضوع القاضي البيطار أجاب بري :”ركزنا في مقدمة بياننا على هذه المسألة. ولا يزال موقفنا ثابتا وعلى حاله منه ولم يتغير حرف واحد”. وشدد على “ان المخرج جاء محليا من عنديات الثنائي”.
العودة وميقاتي
وقد تناول البيان الذي أصدرته حركة “امل” و”حزب الله” مساء السبت بكثير من الإسهاب تبرير موقفهما من القاضي البيطار وتاليا تبرير مقاطعتهما لمجلس الوزراء فاعتبرا انه “بازاء الخطوات غير الدستورية التي اعتمدها المحقق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت والمخالفات القانونية الفادحة والاستنسابية، والتسييس المفضوح وغياب العدالة وعدم احترام وحدة المعايير وبعد اعاقة كل المحاولات القانونية والسياسية والشعبية لدفع المحقق العدلي ومن يقف خلفه إلى العودة إلى الأصول القانونية المتبعة وجدنا ان تعليق مشاركتنا في مجلس الوزراء هو خطوة سياسية ودستورية تهدف الى دفع السلطات التنفيذية المعنية إلى إيلاء هذا الموضوع عناية قصوى إنصافا للمظلومين ودفعا للشبهات وإحقاقاً للحق”. ثم أعلنا انه مع “تسارع الاحداث وتطور الأزمة الداخلية سياسيا واقتصاديا إلى مستوى غير مسبوق مع الانهيار الكبير في سعر صرف الليرة اللبنانية وتراجع القطاع العام وانهيار المداخيل والقوة الشرائية للمواطنين و لذا فأننا استجابة لحاجات المواطنين الشرفاء وتلبية لنداء القطاعات الاقتصادية والمهنية والنقابية ومنعا لاتهامنا الباطل بالتعطيل ونحن الأكثر حرصا على لبنان وشعبه وأمنه الاجتماعي نعلن الموافقة على العودة إلى المشاركة في أعمال مجلس الوزراء من أجل إقرار الموازنة العامة للدولة ومناقشة خطة التعافي الاقتصادي”.
وعلى الأثر أصدر مكتب الرئيس ميقاتي بيانا “رحب” فيه بالبيان الصادر عن #حركة أمل وحزب الله بشأن العودة الى المشاركة في جلسات مجلس الوزراء “ما يتلاقى مع الدعوات المتكررة التي أطلقها دولته لمشاركة الجميع في تحمل المسؤولية الوطنية خصوصا في هذا الظرف الدقيق الذي يمر به الوطن، وبما يحفظ الميثاقية الوطنية التي يشدد عليها دولته”. وكرر انه سيدعو مجلس الوزراء الى الانعقاد فور تسلّم مشروع قانون الموازنة من وزارة المال.
وقد أجرى ميقاتي اتصالين برئيس الجمهورية ميشال عون وبرئيس مجلس النواب نبيه بري وتشاور معهما في التطورات. وعلم ان ميقاتي سيتسلم مشروع الموازنة بعد إنجازه هذا الأسبوع على ان يدعو مجلس الوزراء للانعقاد الأسبوع المقبل والشروع في درس المشروع وإقراره.
تحذير
حيال هذه التطورات لوحظ ان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ركز موقفه الأساسي في عظة الاحد امس على التحذير من تعطيل الانتخابات النيابية والرئاسية . وحض في هذا السياق “جميع القوى السياسيّة، الحزبيّة والمنتفضة، على تغليب مصلحة لبنان العليا، وعلى أن تخوض من مواقعها المتمايزة الانتخابات النيابيّة المقبلة بنيّة التغيير لا الإلغاء”. وقال “لا أحد يستطيع ادّعاء اختصار إرادة المواطنين وتمثيلهم. لكن لا بدّ للانتخابات، بالمقابل، مِن أن تكونَ مناسبةً ديمقراطيّةً لمحاسبة كلّ من ورّط البلاد في الفساد الماليّ، والانحراف الوطنيّ، والانهيار الاقتصاديِّ، والتدهورِ الأخلاقيِّ، والانحطاطِ الحضاريِّ، والجنوحِ القضائي، وتسَبَّب بتعطيلِ المؤسّساتِ وبِهجرِة الشبابِ والعائلات، وبتحطيمِ الدولة. فحذار من اللجوء إلى تعطيل هذه الإنتخابات النيابيّة والرئاسيّة لأهداف خاصّة مشبوهة. فتعطيل الحكومةِ، والتصعيدُ السياسيُّ والإعلاميُّ المتزايِد، والاستفزازُ المتواصِلُ، واختلاقُ المشاكلِ الديبلوماسيّة، وتسخيرُ القضاء للنيلِ كيديًّا من الأخصام، وقلبُ الأولويّات لا تُطمْئنُ لا الشعبَ اللبنانيَّ ولا أشقّاءَ لبنان وأصدقاءَه. ولا يمكن إتخاذها ذريعة لتأجيل الإنتخابات أو إلغائها. فهذا انتهاك واضح للدستور” . اما في الموضوع الحكومي فقال “لا أولويةَ اليوم غيرُ انعقادِ مجلس الوزراء، ولا ذريعةَ أمام المعطِّلين، ولا عُذرَ كان أمامَ التخلّف عن دعوتِه. أما وقد تَقرّرت دعوتُه إلى الانعقادِ في جلسةٍ مشروطةٍ، مع الأسف، ببندَي الموازنةِ والتعافي الاقتصاديّ، فنأمل أن يكونَ ذلك مدخلًا إلى الانعقاد الدائم ومن دون شروط. ففي النظام الديموقراطيّ، السلطة الإجرائيّة تعمل وفقًا لصلاحيّاتها في الدستور، من دون أيّ ضغط أو شرط مخالف ومفروض عليها