كتبت صحيفة الجمهورية تقول: المناخ السائد يشي بمزيد من الانفلات المالي والاقتصادي مع تحكّم الغرف السوداء بلعبة الدولار الذي تجاوز سعره الـ 30 الف ليرة، في موازاة الاستقالة الكاملة للطبقة القابضة على الدولة، من أي مسؤولية يوجبها هذا الإعدام المتعمّد للعملة الوطنية وإفقار اللبنانيين وتجويعهم وإحراقهم بنار الاسعار التي اشتعلت بشكل خطير في الساعات الاخيرة، وتحوّلت معها محلات السوبرماركت الى نقاط تشليح حقيقي للمواطنين. اما المناخ السياسي، فملبّد بالغيوم الداكنة، في موازاة محاولات برزت في الساعات الماضية لتبديدها، وتنفيس الاحتقانات السياسية التي تورّمت في الأيام الاخيرة، ودفعت بالبلد الى مدار مفتوح على شتى الاحتمالات. على انّ ما هو أخطر من كلّ ذلك، هو الوضع الوبائي الذي بلغ مرحلة قياسية في عدد الإصابات في فيروس كورونا، حيث لامس العدد امس عتبة الـ 6 آلاف (5818 اصابة) بحسب ارقام وزارة الصحة، فيما اكّدت مصادر صحيّة لـ»الجمهورية»، انّ «العدد اكبر من ذلك بكثير، وهو امر بات يستوجب اكثر من اعلان حالة طوارئ صحية، تُلزم المواطنين ولو بالإكراه على اتباع الإجراءات الوقائية، وتردع حالة التراخي الشاملة كل القطاعات».
محاولات احتواء
على ما تشير الوقائع التي تسارعت في السّاعات الأخيرة، فإنّ حركة اتّصالات مكثّفة جرت خلال اليومين الماضيين، وتوزّعت بين المقرات الرئاسية، وكذلك في اتجاه بعض المستويات السياسية والحزبية، سعياً الى اطفاء، او تبريد صواعق التوتير السياسي التي اشعلتها السجالات الأخيرة على أكثر من خط، وخصوصاً بين الرئاستين الأولى والثانية. وبحسب المعلومات، فإنّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، كان له الدور الأساس في هذه الاتصالات، في ظل خشية جديّة من ان يبرز التوتير السياسي وقائع سياسية وغير سياسية غير قابلة للاحتواء.
وبحسب مصادر المعلومات، فإنّ «الأجواء الإيجابية» التي سادت لقاء الأمس بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، والذي أُعلن خلاله عن تواصل بين الرئيسين عون وميقاتي برئيس المجلس النيابي نبيه بري، جاءت نتيجة مشاورات رئاسية وسياسية سبقتها. وركّزت بالدرجة الأولى على نزع فتيل الاشتباك بين الرئاستين الاولى والثانية، الذي بدأ التمهيد له مع بداية السنة الحالية، وعلى حلبة الدورة الاستثنائية لمجلس النواب،
بعد المعلومات التي سرت مع نهاية السنة الماضية، وأفادت برفض رئيس الجمهورية فتح دورة استثنائية لمجلس النواب، تشكّل غطاء حامياً من الملاحقة للمدّعى عليهم من قِبل المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار وتحديداً النائب علي حسن خليل. وتشير المصادر، الى انّ «الإتصالات رمت الى بلورة مخرج يحفظ كرامة الرئاسات والمؤسسات، ويقوم على مبادرة رئيس الجمهورية الى فتح دورة استثنائية لمجلس النواب بالتوافق مع رئيس الحكومة، بجدول اعمال يتضمن بنوداً اساسية وملحّة، على شاكلة الموازنة العامة، التي تشكّل ضرورة إقرارها من قِبل الحكومة وإحالتها الى مجلس النواب، باباً لعودة مجلس الوزراء الى الانعقاد، ومبادرته الى إقرار مجموعة من البنود البالغة الأهمية وفي مقدّمها إقرار «خطة التعافي» التي سيدخل لبنان في مفاوضات على اساسها في النصف الثاني من الشهر الجاري مع صندوق النقد الدولي».
وعكست المعلومات التي سرت أمس، ليونة مبدئية من قِبل الرئاسات حول هذا المخرج، الذي يتأكّد أنّه دخل حيّز النفاذ الفعلي، حينما يصدر المرسوم الرئاسي بفتح الدورة الاستثنائية. على انّ صدور المرسوم الرئاسي بفتح الدورة الاستثنائية، من شأنه ان يعطّل مفعول العريضة النيابية التي يجري توقيعها في المجلس النيابي، طلباً لفتح دورة استثنائية وفق المادة 33 من الدستور التي تعطي للنواب حق طلب فتح دورة استثنائية بالأكثرية المطلقة من عدد النواب الذين يتألف منهم المجلس النيابي، وتلزم رئيس الجمهورية بفتحها. علماً انّ التوقيعات النيابية على العريضة استمرت امس، وتجاوز عدد الموقّعين الـ 60 نائباً، وباتت على مقربة من تحقيق تواقيع الاكثرية المطلقة من النواب.
وبحسب مصادر مجلسية، انّ هذه العريضة باتت شبه مجمّدة، علماً انّ مفعولها ينتهي حتماً مع تبلّغ مجلس النواب لمرسوم فتح الدورة الاستثنائية. مرجحة ان تتبلّغ الأمانة العامة لمجلس النواب المرسوم في وقت قريب جداً، وذلك ربطاً بالتأكيدات الرئاسية حول هذا الأمر. لا صفقات ولفتت مصادر سياسية لـ«الجمهورية»، الى انّ «الليونة التي تبدّت أمس، لا تعني انّ الاحتقانات القائمة بين الرئاسات والجهات السياسية المحسوبة عليها، قد نفّست، فالخلافات السياسية في ما بينهم باتت من العمق غير القابل للردم، الّا أنّ ليونة الأمس، لا تعدو اكثر من «هدنة رئاسية – سياسية» فرضتها مخاوف كبرى من فلتان كامل في ظل الانهيار المريع الذي يشهده سوق الصرف واجتياح الدولار الذي بات ينذر بسقوف مخيفة، وبتداعيات شديدة الخطورة قد تأخذ اشكالاً مختلفة على مستوى البلد بشكل عام».
وفي السياق، نفت مصادر حكومية ما أشيع عن تسويات او صفقات مخفية خلف الأجواء الإيجابية التي سادت في اعقاب لقاء الرئيسين عون وميقاتي، وقالت لـ«الجمهورية»: «كل الأمور واضحة ولا شيء في الخفاء، ونحن لا نتعامل بمنطق الصفقات، هناك مصلحة للبنان بعودة الحكومة الى الانعقاد وانتظام عمل المؤسسات، وكل كلام عن صفقات وما الى ذلك مردود لقائله».
وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية»، انّ «الضرورة القصوى باتت تتطلب انعقاد الحكومة لمواكبة المفاوضات التي باتت قريبة جداً مع صندوق النقد الدولي، حيث يفترض ان يذهب الوفد اللبناني المفاوض الى المفاوضات مدعماً بـ«خطة التعافي» التي يُفترض أن يفاوض عليها مع صندوق النقد، والتي تفترض قبل ذلك إقرارها في مجلس الوزراء». لقاء عون وميقاتي وكان عُقد اجتماع امس في القصر الجمهوري في بعبدا بين الرئيسين عون وميقاتي، أُعلن خلاله عن تواصل بين الرئيسين والرئيس بري.
وأشاع الرئيس ميقاتي في نهاية الاجتماع اجواء ايجابية حيث قال: «أعتبر انّ لقائي مع فخامة الرئيس كان مثمراً جداً، واتفقنا اولاً على توقيع مرسوم فتح دورة استثنائية لمجلس النواب تبدأ بشكل فوري الى حين حلول موعد الدورة العادية. اما الموضوع الثاني فيتعلّق بالموازنة العامة لعام 2022، وقد أبلغت فخامة الرئيس انّها باتت جاهزة وسوف أتسلّمها خلال اليومين المقبلين، وفور حصول هذا الامر يصبح من الضروري التئام مجلس الوزراء لإقرارها، وهو شرط أساسي بالنسبة الى صندوق النقد الدولي، ولكل المواضيع الإصلاحية التي نعمل عليها.
وبالتالي، سندعو مجلس الوزراء الى الانعقاد عند استلام الموازنة، للنظر بها، كونها المسألة الأهم في الوقت الراهن، ومن ثم إرسالها الى مجلس النواب». اضاف: «أما الامر الثالث الذي اتفقت عليه مع فخامة الرئيس، فهو الإفراج عن الاستحقاقات المالية، وخصوصاً للموظفين في القطاع العام والادارات العامة والتي كنا وعدنا بإعطائها، أي نصف شهر عن تشرين الثاني ونصف شهر عن كانون الأول، وسيتمّ ذلك اليوم إن شاء الله.
وأجدّد دعوتي ان تكون سنة خير على الجميع». ورداً على سؤال حول وجود معطيات جديدة في ما خصّ الدورة الاستثنائية لمجلس النواب والدعوة لانعقاد مجلس الوزراء، أجاب الرئيس ميقاتي: «انّ جدول الاعمال ووجود الموازنة اصبح اكثر من ضروري لاجتماع مجلس الوزراء، ولا أعتقد انّ أحداً سيتقاعس عن هذا الواجب الوطني». وعمّا اذا كان قد تمّ تحديد جدول الاعمال، قال: «الأولوية هي للموازنة».
مخاوف خارجية على انّ حركة الاتصالات الداخلية التي أفضت الى «الليونة» على خط الرئاسات، لم تكن معزولة عن حركة خارجية موازية لها، حيث أفادت بعض المصادر لـ«الجمهورية»، بأنّ إشارات خارجية، فرنسيّة وغير فرنسية، وردت في الساعات الاخيرة، وتنطوي «على مخاوف كبيرة من تطورات دراماتيكية في الداخل اللبناني»، وتشدّد في الوقت عينه على «خطوات عاجلة للحؤول دونها، وتجنيب لبنان أي منزلقات وتداعيات تزيد من مآسي ومصاعب الشعب اللبناني». ووصفت مصادر ديبلوماسية من باريس الوضع في لبنان «بالشديد الخطورة في هذه الفترة»، وقالت لـ«الجمهورية»: «لبنان اصبح في سباق مع عامل الوقت، وقد اكّدنا للمسؤولين في لبنان انّ هذا الوقت يوشك على ان ينفد، ولذلك نتائج وخيمة على اللبنانيين، والمجتمع الدولي يشعر بأنّ لبنان بات في المراحل الاخيرة من الغرق الكامل، ولا بدّ للمسؤولين اللبنانيين من تحمّل مسؤولياتهم والمبادرة الى علاجات سريعة، وفتح الباب امام إجراء الإصلاحات».
وشدّدت المصادر عينها على «أنّ أولى الخطوات الملحّة، هي عودة الحكومة اللبنانية الى الإجتماع، وتسهيل المهمّة المنتظرة منها» وقالت: «إنّ انزلاق الوضع في لبنان الى ما وصل اليه كان نتيجة طبيعية لتهرّب المسؤولين في لبنان من التزاماتهم ومسؤولياتهم تجاه بلدهم، وتغليب بعضهم مصالحه وحساباته السياسية والحزبية على مصلحة اللبنانيين، ومع الأسف حتى الآن لم نلمس ما يعاكس هذا المنحى».
ورداً على سؤال قالت المصادر، انّ تحديد موعد الانتخابات النيابية في 15 ايار المقبل يبعث على الارتياح، الّا انّها مرتابة من بعض الاطراف في لبنان التي تشكّك في إمكان إجرائها في مواعيدها وقالت: «الانتخابات محطة مهمّة يريدها الشعب اللبناني بكلّ فئاته، والمجتمع الدولي ينتظر إجراء هذا الاستحقاق الذي يأمل فيه اللبنانيون أن يحققوا التغيير المنشود منها. وتبعاً لذلك، فإنّ أي تعطيل لهذه الانتخابات ستكون له تبعاته الدولية حتماً، وسيلحق الأذى الفادح بالوضع اللبناني، بالتأكيد لن يكون المعطّلون بمنأى عن الاجراءات العقابية الشديدة». المطارنة الموارنة الى ذلك، أبدى المطارنة الموارنة في اجتماعهم الشهري، ارتياحهم إلى «التقدُّم النوعي الجدّي للمفاوضات التي تُجريها الحكومة اللبنانية مع صندوق النقد الدولي».
ودعوا إلى «الإسراع في إنجاز الإتفاق المالي-الإصلاحي الذي يترقّبه لبنان والدول الصديقة، وأن يُبادِر مجلس الوزراء إلى إبرامه بعيدًا عن التعقيدات الطارئة التي حالت دون انعقاده، وإلى استئناف تحمُّله مسؤولياته كاملة. وطالب المطارنة «بإدراج السلطتَين الإشتراعية والإجرائية المُوجِبات الوطنية الراهنة المُلِحّة تبعًا لسُلَّمِ أولويات، أوّلها إعداد الأجواء الملائمة لإجراء الإنتخابات النيابيّة ومن بعدها الرئاسيّة، بجديّة وروح ديمقراطيّة؛ ومحور هذه الأولويّات الإصلاح ومحاربة الفساد، لئلا يُؤدّي التوسُّع في الاهتمامات إلى تشتيت فعالية الإنتاج وتبديدها، لاسيما بعد اعتراف مسؤولين كبار بشبه تفكُّك الدولة وتبعثر القرار فيها».
وقدّر المطارنة «جهود الجيش والأجهزة الأمنية المعنية التي يبذلونها في إتّخاذ الإجراءات للحؤول دون تفشّي التهريب على أنواعه والسرقات في العاصمة والمناطق. واعتبروا القوة الشرعية العمود الفقري الذي يُبنى عليه الأمن وترتكز إليه العدالة ويتأمّن بواسطته التكافؤ في الخدمات». واعلنوا أنّهم يراقبون «بقلقٍ التطورات الإقليمية التي قلما تُبشِّر بتغليب الحوار بين دول المنطقة على أُسسٍ سليمة. ويُطالِبون المجتمع الدولي بالعمل على تدارك تفاقم الأوضاع، ويُناشِدون القيادات اللبنانية توقيع مواقفها وأنشطتها بما يخدم نأي لبنان عن أيِّ اضطراباتٍ قد تحصل من حوله وحواليه».
اعتداء على «اليونيفيل»
في تطوّر جنوبي لافت، اعلنت قوات «اليونيفيل» العاملة في جنوب لبنان عن تعرّضها لهجوم من قِبل مجهولين الليلة ما قبل الماضية. وأعلنت نائبة مدير المكتب الإعلامي لـ«اليونيفيل» كانديس آرديل عن «تعرّض جنود حفظ السلام الذين يعملون على حفظ الأمن والاستقرار في جنوب لبنان لهجوم الليلة الماضية من قِبل مجهولين، حيث تعرّضت آلياتهم التابعة للأمم المتحدة للتخريب وسرقت منهم أشياء رسمية». وقالت آرديل في بيان: «على عكس المعلومات المضلّلة التي يتمّ نشرها، لم يكن جنود حفظ السلام يلتقطون الصور ولم يكونوا في ملكية خاصة، بل كانوا في طريقهم للقاء زملائهم في القوات المسلحة اللبنانية للقيام بدورية روتينية». وأضافت: «تدين «اليونيفيل» الاعتداءات على الرجال والنساء الذين يخدمون قضية السلام، والتي تُعتبر انتهاكات للقانون اللبناني والقانون الدولي. كما تدين «اليونيفيل» الجهات الفاعلة التي تتلاعب بسكان المنطقة لخدمة أغراضها».
وتابعت آرديل: «وكما أشار الأمين العام للأمم المتحدة خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان، يجب أن تتمتع «اليونيفيل» بحرية الحركة الكاملة في جميع أنحاء منطقة عملياتها، وبالشكل الذي وافقت عليه الحكومة اللبنانية. وكما قال وزير الخارجية اللبناني، فإنّ الحكومة «لا تقبل أي شكل من أشكال التعدّي على جنود حفظ السلام التابعين لليونيفيل». وختمت حديثها بالقول: «ندعو السلطات اللبنانية إلى إجراء تحقيق سريع وشامل ومحاكمة جميع المسؤولين عن هذه الجرائم».