كتبت صحيفة النهار تقول: أي جديد سيعلنه رئيس الجمهورية ميشال عون غداً الإثنين في كلمة متلفزة مباشرة من قصر بعبدا على ما تبيّن بعد مشاركته أمس في قداس الميلاد في بكركي؟
لم تتوافر معلومات دقيقة بعد عما دفع بالرئيس عون إلى الاستنكاف عن الكلام من بكركي، على ما جرت عليه العادة لدى مشاركة رئيس الجمهورية في قداس الميلاد وبعد الخلوة التقليدية مع البطريرك الماروني. ولكن ثمة انطباعات مفادها أنّ عون ما كان ليلمّح إلى أنه سيكون له كلام الاثنين لولا أنّ لديه موقفاً بارزاً يفترض إعلانه ضمن المناخ الذي نشأ عن التصعيد الواسع “الظاهري” على الأقل الذي بادر إليه رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل عقب سقوط الطعن الذي قدمه التكتل النيابي العوني لدى المجلس الدستوري. ومن المرجّح أن يكون موقف عون، الذي سيتركز على أزمة تعطيل مجلس الوزراء، متناسقاً ضمناً مع موقف باسيل، أي أن معالم التوتر السياسي الذي نشأ بين التيار والثنائي الشيعي قد تكون في طريقها إلى إطار أوسع، إذا صحّت التقديرات بأن عون سيُحدّد موقفاً علنياً من تعطيل مجلس الوزراء يطاول حليفه “حزب الله”. ولن يكون ممكناً الجزم بحدود الجدية من حدود المناورات في هذا التطوّر، إلا بعد أن يعلن عون موقفه، علماً أنّ الشكوك حيال التمايز البادئ بين طرفي تفاهم مار مخايل تبدو أكبر من التعامل الجدي معه .
وكان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي استقبل أمس في الصالون الكبير في بكركي، الرئيس عون الذي قدّم له التهاني بعيد الميلاد. وبعد ذلك، انتقلا إلى المكتب الخاص للراعي، حيث عقدا خلوة. وبعد الخلوة أمل عون أن “نعيّد بظروف أحسن”.
واكتفى بعد خروجه من الخلوة متوجهاً إلى الكنيسة للمشاركة في القداس بالقول: “أعتذر عن عدم الحكي. لاقوني نهار الاثنين”.
وأفادت معلومات أن البطريرك الرّاعي انتقد خلال الخلوة مع عون مقاطعة مجلس الوزراء قائلًا: “لم نصدّق أنّ الحكومة تألّفت، فكيف نتركها اليوم عاجزة عن الاجتماع؟”. من جهته أوحى عون للرّاعي أنّ هناك ما هو أكبر من قرارات الدّولة يقيّد مسار الأمور.
وفي عظة قداس الميلاد، أطلق البطريرك الراعي مواقف حادة من تعطيل مجلس الوزراء، كما من الأوضاع المأسوية للبنانيين، وقال: “يذهب فكرنا إلى أعزائنا أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت الذين يُحرمون فرحة العيد، ويُجرحون كل يوم بسبب عرقلة مسار القضاء والخوف على مصير التحقيق. لكننا نؤمن أن بميلاد ابن الله إنسانًا على أرضنا، يولدون هم في السماء أولادًا لله وشفعاء لأهلهم وللوطن. كما يذهب فكرنا إلى إخواننا اللبنانيّين الذين يعانون الفقر والجوع والحرمان من أبسط وسائل الحياة كالغذاء والدواء والتدفئة من البرد القارس، فنطالب المسؤولين في الدولة الكفّ عن جريمة تعذيبهم وقهرهم، فيما العمل السياسيّ يهدف إلى تأمين الخير العام، الذي منه خير الجميع، وإنماء البلاد. فأيّ بشرى سارّة يحمل هؤلاء الذين يعطّلون مسيرة البلاد لشعبنا في زمن بشرى الفرح العظيم الميلاديّ. ولكن بكلّ أسف لقد امتهنوا قهر الشعب ولفّه بثوب الحزن والوجع بدل فرحة العيد. ولسنا ندري أهدافهم. فنأمل أن تتمكنوا فخامة الرئيس، مع ذوي الإرادة الطيبة والنوايا الحسنة والمخلصين للبنان وشعبه، من إيجاد السبل لتحرير الدولة من مرتهنيها، والشعب من ظالميه.”
وأضاف: “نُهيبُ بالحكومةِ ألاّ تخضعَ للاستبدادِ السياسيِّ على حساب المشيئةِ الدستورية. فمن واجبها استئناف جلساتِ مجلسِها لئلّا يتحوّلَ الأمرُ سابقةً وعُرفًا ويقيّدَ عملَ الحكومات. إنَّ رهنَ مصيرِ مجلس الوزراء بموقفٍ فئويٍّ يُشكّل خرقًا للدستورِ ونقضًا لاتفاقِ الطائف وتشويهًا للميثاقِ الوطني ولمفهومِ التوافق. هناك فارقٌ كبيرٌ بين التوافقِ على القضايا الوطنيّةِ وبين فرضِ إرادةٍ أحَديّةٍ عمدًا على المؤسّساتِ الدستوريّةِ وعلى جميعِ اللبنانيّين في كل شاردةٍ وواردةٍ. إن المسؤوليّةَ الوطنيّةَ تَفرِضُ الفصلَ بين التجاذباتِ السياسيّةِ وعملِ مجلس الوزراء وعملِ القضاء والإدارات العامة. إنَّ وجودَ حكومة من دون مجلسِ وزراء ظاهرةٌ غريبةٌ تُبيحُ التفرّدَ بالقراراتِ الإداريّةِ من دون رعايةِ الحكومةِ مجتمعةً وموافقتِها. إنَّ هناك مَن يريد أنْ يجعلَ الناسَ تَعتادُ على غيابِ السلطاتِ الدستوريّةِ وسائرِ مؤسّساتِ النظام بغيةَ اختلاقِ لبنانَ آخَر لا يُشبِه نفسَه ولا بَنيه ولا بيئتَه ولا تاريخَه ولا حضارتَه. لقد قَضيتم يا فخامة الرئيس الجُزء الأوْفرَ من حياتِكم في الدفاعِ عن لبنان السيادة والاستقلال، ولا بدّ من إنقاذِه بمبادراتٍ جديدة من بينها اعتمادُ مشروع حيادِ لبنان.
لذلك نحن نساندكم، فخامة الرئيس، لكي يستعيدَ لبنان توازنه وموقِعَه في العالمِ العربيٍّ وبين الأمم. نساندكم لكي تَرفعوا غطاءَ الشرعيّةِ عن كلِّ مَن يُسيء إلى وِحدةِ الدولةِ والشراكةِ الوطنيّةِ، إلى النظامِ الديمقراطي ودورِ الجيشِ اللبنانيِّ وعملِ القضاء، ويَمنعُ تنفيذَ الدستورِ والقراراتِ الدُولية. ولقد لَمستُم مدى الضررِ الذي ألْحَقه هذا الواقعُ القائمُ بعهدِكم الذي أردُتموه، لدى انتخابِكم، عهدَ إصلاحٍ وتغييرٍ وتثبيتِ هيبةِ الدولة”.
ولاحقاً، اعتبر البطريرك الراعي، أنّ “حزب (القوات اللبنانية) معني بمسيرة قيام لبنان، وهو بالطليعة في مسيرة النضال ليستعيد لبنان هويته وجماله”. وشدد، خلال كلمة ألقاها أمام وفد من حزب “القوات اللبنانية” زاره مهنّئاً بعيد الميلاد، أنّ “هذا الليل الطويل سيعقبه فجر ونحن في زمن الميلاد حيث يسطع نور السلام والمحبة، ولذلك نحن في هذا الليل الذي نعيشه لا بد أن يسطع نور لبنان الحقيقي”.
وحيا الراعي، النائبة ستريدا جعجع ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، واصفاً إياه بـ”الناسك والمخطط والمفكر”. واستطرد، “هذا ما يجب فعله، إذ أن الكتاب المقدس يقول، الويل لشعب ليس فيه من يفكر”. وأضاف: “لبنان بحاجة إلى كل اللبنانيين وإلى كل قواه ولبنان في أعناقنا جميعاً ونحن لسنا ضعفاء وإيماننا بلبنان أقوى بكثير من كل المشاريع الهدامة التي نشهدها اليوم وسنواجه لنعيد للبنان بهاءه وجماله ويجب ان نبقى متماسكين”.
وعن الانتخابات النيابية والرئاسية المقبلتين، شدد الراعي على أن “الانتخابات محطة دستورية مهمة يعبّر من خلالها الشعب عن رأيه ومن الضروري جدًا الالتزام بالاستحقاق الدستوري المتمثل بالانتخابات النيابية ومن بعدها الرئاسية “. وأضاف: “يؤسفني سماع الأحاديث السلبية عن تأجيل الانتخابات والتي هي نتيجة خيبات الأمل”. وقال: “نعم هناك انتخابات نيابية في شهر أيار ولن نقبل بأن لا تكون، ونعم يجب ان يكون هناك انتخابات رئاسية في تشرين الأول وإلا لا نكون في دولة”.
وبدوره، اعتبر متروبوليت بيروت للروم الأورثوذكس المطران الياس عودة أن “عيدنا اليوم كئيب حزين، لأن الوضع الصعب الذي نعيشه حالَ دون شعور معظم اللبنانيين بفرحة العيد ومعناه”. ورأى في عظته خلال قداس عيد الميلاد في كاتدرائية القديس جاورجيوس أنّ “بلدنا عالق بين مجلس وزراء معلّق الأعمال، وتحقيق يحاول النافذون تعطيله للحيلولة دون كشف الحقيقة التي يطالب بها ذوو ضحايا تفجير المرفأ، وهذا حق لهم وواجب على الدولة”.
وأضاف: “الشوارع قد هجرتها الزينة والأضواء، والبيوت فرغت من الطعام والشراب. أطفال كثر ناموا على جوع ودمعة، وآباء وأمهات كثر لسعتهم الحرقة على العائلة وعلى الوطن. ولا يمكننا ألا نتذكر الضحايا والمشردين واليتامى والمقهورين والمظلومين والمهجرين رغما عنهم، والمرضى والمسجونين وغيرهم ممن قست عليهم يد الظلم وطالتهم يد الغدر، ولم يعرفوا طعم الفرح والتعييد بذكرى تجسد الإله وصيرورته إنساناً لكي يصير الإنسان إلها”. وأشار عودة إلى أن “ما نعيشه اليوم صعب جداً، قد يفوق طاقتنا على الاحتمال، لكن تعزيتنا أن الله أرسل لنا ابنه خلاصاً لنا”.
وخارج الإطار الداخلي كان للبنان حيز في الرسالة التي وجهها البابا فرنسيس في عيد الميلاد الى العالم من شرفة بازيليك القديس بطرس، إذ ذكر
بـ”الوضع الصعب الذي يعيشه لبنان”. وقال: “محنة لم يعرفها في تاريخه”. وأضاف: “لبنان يعيش أزمة غير مسبوقة وظروف مقلقة للغاية ولنفتح أنفسنا للحوار باتّجاه المصالحة والقوّة”.