يضيع الافرقاء السياسيون الوقت في التأليف المتعثر لحكومة الرئيس مصطفى اديب وخسارة اندفاعة المبادرة الفرنسية وسط وضع جملة من العقبات والفيتوات المتبادلة والانقسامات المفتوحة بين الفريقين السني والشيعي،القضية التي حملها الرئيسان نبيه بري وسعد الحريري من أجل عدم تفاقم الامور بين المكونين. وكان تدخلهما واضحاً للعيان في اكثر من محطة كان أخرها ما حصل في حادثة خلدة. ويبدو انه كلما اشتد خناق الحصار على ثنائي “أمل” و” “حزب الله” يصبح اكثر تمسكاً بمطلب الحصول على حقيبة المال في الحكومة المنتظرة والتي يترنح تأليفها على رزمة من الالغام الداخلية فضلاً عن جهات في الخارج يتبين انها لا تريد لباريس ان تشق طريق التأليف من خلال مبادرتها التي باتت مادة يومية على أجندة الرئيس مانويل ماكرون.
ولم تسجل عطلة نهاية الاسبوع اي خروق سوى التأكيد الفرنسي من ماكرون في اتصاله مع الرئيس ميشال عون على ضرورة التوصل الى مخارج. ولا يظهر “الثنائي الشيعي” انه محرج امام الفرنسيين حيث يعمل على تفنيد الشروط التي يضعها نادي رؤساء الحكومات الذي يحمل أديب اكثر من طاقته مع اضافة نقاط اخرى على تلك المبادرة لم تكن في صلبها في الاصل. وفي ظل الاتصالات القنوات المفتوحة بين باريس و”حزب الله” كان المسؤول عن العلاقات الدولية في الحزب عمار المسوي قد زار قصر الصنوبر والتقى السفير برونو فوشيه. وسأله من باب الاستفسار والتأكيد على ما فهمه “الثنائي” من المبادرة. وطرح الموسوي ثلاثة اسئلة:
– هل تم الإتيان في المبادرة على عدم تسلم شيعي حقيبة المال؟
– هل جرى حصر عدد اعضاء الحكومة بـ 14 وزيراً؟
– هل تم التسليم بان يتولى رئيس الحكومة وفريق رؤساء الحكومات تسمية الوزارء من المسلمين والمسيحيين؟
وتلقى الحزب من الجانب الفرنسي بأن هذه الشروط لا تحتويها المبادرة.
وعندما تلقي الموسوي هذا الجواب كان رده: “نشكركم ونحيي جهودكم وفي كل ما تقومون به. وفي الخلاصة وصلنا حقنا”. واذا كان ” الثنائي” تحسس اخيراً وبدرجة اكبر من العقوبات، فإن لسان حال الحريري يقول بأنه ليس هو من جاء بالعقوبات الاميركية.
من جهته لا يزال بري على موقفه مهما اشتدت الضغوط من اي جهة وسيبقى متمسكاً بحقيبة المال مهما طالت مدة التأليف وان هذه القضية باتت لديه ابعد من مسألة حقيبة او توقيع. وانه مستمر على رأيه لأنه من غير المنطق والروح الوطنية الصادقة ابقاء مكون “خارج دائرة الشراكة في صنع القرار”. ويرد على من يتناول معه هذه الموضوع بقوله: “مش معقول ما يحصل”.
ولا يتراجع عن قوله هنا بأنه بالفعل مع مبدأ المداورة المفتوحة في ظل الدولة المدنية. ويدعو الى تطبيق اتفاق الطائف. ويتمنى اليوم ان تقدم المكونات السياسية والطائفية في البلد على اختيار “أفضل ما عندها من طاقات وكفاءات”. وان يحصل هذا الامر عند كل المذاهب. ولا يشترط ان يتم الاتيان بهم في حكومة أديب من الحزبيين. ويأتي تمسكه بالمال اليوم من زاوية انها تشكل لفريقه – الطائفي والحزبي- “التعبير الوحيد عن الشراكة في الحكم اليوم”. ولذلك هو مع المداورة باستثناء المال اليوم. وعند الانتهاء من النظام القائم والتوجه نحو نظام ارقى وافضل لا داعي عنده لتمسك فريقه بالمال او بأي حقيبة عند الاخرين ايضاً. ويأسف بري هنا لدى سؤاله من طرف مراجعيه عن الفائدة التي يعمل عليها البعض على ادخال الفرنسيين في الزواريب والمتاهات “ومن الحرام اتباع هذه الاساليب القاتلة التي تضر بالبلد ومواطنيه” في وقت كان فيه المطلوب الاستفادة من جهود باريس في هذا الخصوص.
في المقابل ثمة من ينصح “الثنائي” وتحديدا “حزب الله” بالاستفادة من علاقته مع الفرنسيين ليحصل على”بطاقة تأمين” منهم لأنه في حال انتخاب الرئيس الاميركي دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية سيزداد شراسة ضد الحزب ومن خلفه طهران الحريصة على ابقاء قنواتها المفتوحة مع باريس.
وفي زحمة سخونة علاقة رئيس المجلس مع الحريري يرد على سائليه انه على موقفه من الرجل ويكن له كل المودة لأن المصلحة الوطنية هي التي يجب ان تسود وتترسخ بين الافرقاء. وان بناء الاوطان والخروج من الازمات لا يقوم على التقوقع وسياسة العناد. وانه لم ينطلق في مسيرته السياسية كلها الا من قاعدة وطنية وليست مذهبية.وعلى المستوى المسلم يذكر بمسلمته بأنه شيعي الهوية وسني الهوى. ويبدو وكأنه يدعو كل من يستهدفه اليوم الى فشل استعمال السلاح المذهبي في وجهه وسيبقى خارج قاموسه.