كتبت صحيفة “النهار” تقول: لا العرض العسكري الرمزي الذي نظمته قيادة الجيش في اليرزة، وتقدم حضوره الرؤساء الثلاثة، حجب التحديات الثقيلة الأسطورية التي يتحملها الجيش والمؤسسات الأمنية كافة وسط الانهيار المتدحرج، ولا العرض المدني لمختلف قطاعات المجتمع المنبثق من رحم ثورة 17 تشرين الأول 2019 حجب عمق التراكمات الهائلة التي يتعرض لها الشعب اللبناني وأتعبته وأنهكته عن إكمال انتفاضته. في عيد الاستقلال الـ 78 أمس، انكشفت أكثر من أي وقت سابق معالم عجز العهد والحكومة والمجلس عن وقف الزحف المتسارع نحو قعر القعر لمجرد ان صارت صورة اجتماع رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة “الإنجاز” الذي يخرق رتابة العيد، ورتابة ازمة التعثر في عقد مجلس الوزراء في بلد تقدَّم صدارة البلدان الغارقة في الانهيارات والفقر والافلاس والجوع والمرض والهجرة. وما زاد صورة عيد الاستقلال قتامة وغرابة في آن واحد والتي تحولت إلى مراسم اثبات العجز، هو انه إلى فشل اركان السلطة في تقديم “هدية العيد” عبر توافق عاجل ملحّ وسريع على اسقاط كل “الممنوعات” والاشتراطات التي شلّت حكومة حين كانت ابنة ثلاثة أسابيع من عمرها، والانصراف فوراً إلى استلحاق ما يمكن استدراكه لوقف الغرق المتسارع للبلاد في شتى أنواع الازمات الكارثية، فان ذلك لم يوفّر على اللبنانيين التوظيفات السياسية لأسوأ الظروف بحيث عاد سيّد العهد إلى اطلاق مواقف في اليومين الأخيرين ترمي كرة الانهيارات في مرامي الجميع الا العهد ورأسه. وعلى قاعدة “ما خلونا” إياها اختبأت وراء عجز العهد عن الاضطلاع بدور انقاذي حقيقي وجريء يرغم معطلي الحكومة ومجلس الوزراء عن مسار تعطيلهم وراح بدلا من ذلك يصوب على “الطبقة الفاسدة” بلغة المعارضة ونبرة الانتفاضة. واما محاولات التوافق على إيجاد تسوية تعيد احياء جلسات مجلس الوزراء، فلم يكتب لها النجاح الجدي رغم انتقال الرؤساء عون وبري وميقاتي من اليرزة إلى بعبدا في السيارة الرئاسية والخلوة التي جمعتهم في ما وصف بانه كسر للجليد بين عون وبري تحديداً.
بعد الاجتماع، وردًا على سؤال عمّا إذا كانت الأوضاع قد “تحلحلت” قال الرئيس برّي وهو يغادر قصر بعبدا: إن شاء الله خير. أمّا الرئيس ميقاتي، فأشار إلى أنّنا “لا نستطيع المحافظة على الاستقلال إن لم نكُن يدًا واحدة، والتفاهم هو الأساس” مضيفًا: “بالأمس قرأت الكثير عن الاستقلال، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولفتني ما قاله احدهم من ان احتفالكم بالاستقلال كإمرأة مطلقة تحتفل بعيد زواجها. صحيح، ولكن دعونا لا ننسى انه قبل ان تطلق لو بقيت على التفاهم الذي كان اثناء الزواج، لما كانت تطلقت. إن التفاهم والحوار هما الأساس، والبعد جفاء، والجفاء يؤدي إلى الشر. واللقاء كالذي حصل اليوم كان فيه الحوار جدياً، وبإذن الله سيؤدي إلى الخير.”.
ولعل المفارقة ان استعارة ميقاتي لكلام عن مواقع التواصل شبه الاحتفال بعيد الاستقلال كاحتفال مطلقة بعيد زواجها اثار موجة سلبية عبر هذه المواقع واعتبرته كلاماً ذكورياً.
عون والنأي بالعهد
في غضون ذلك مضى الرئيس عون في النأي عن تبعات الازمات التي تعتصر البلاد وقال في لقاءات له أمس مع وفود من قيادات الجيش والقوى الأمنية: “العراقيل مستمرة امام العمليات الإصلاحية التي كان من المفترض ان تنجز خلال الأعوام الماضية، والعمل يجري على تذليلها الواحدة تلو الأخرى”. وأضاف: “سأعمل خلال السنة الأخيرة من ولايتي على ملاحقة القضايا العالقة وفي مقدمها وضع مسار الإصلاحات على سكة صحيحة ودائمة وصولاً إلى معالجة الملف الاقتصادي”. وفي رسالته إلى اللبنانيين عشية عيد الاستقلال والتي أكد انها “الأخيرة” في مناسبة الاستقلال خلال السنة الأخيرة من عهده بما فسر ضمنا رداً على التعليقات والتفسيرات التي أثيرت حول مقابلته الصحافية الأخيرة التي ذكر فيها انه في نهاية ولايته لا يسلم رئاسة الجمهورية إلى الفراغ، جدد هجومه على “المنظومة الفاسدة” واعتبر “ان أربعين بالمئة من عمر هذا العهد مرّت من دون حكومة، بعد تعثر عمليات التشكيل، جراء عقبات مصطنعة وصدامات سياسية، ما أدى إلى تأخير المعالجات وتفاقم الأزمات”. كما انتقد عون القضاء بشكل لافت وقال “أنتم تريدون المحاسبة، تريدون أن تروا من عاث في البلاد فساداً، ومن سرق أو هدر أموالكم، يدفع ثمن ارتكاباته، ودوماً تطرحون السؤال البديهي لماذا لم يوضع أحد وراء القضبان بعد، لأن المحاسبة هي للقضاء، الاتهامات كثيرة وكذلك المتهمون، الجميع نصّب نفسه قاضياً ومدعياً ومحامياً، الجميع يتهم والجميع متهم، هذه المعمعة الاتهامية التي باتت تهدّد في بعض مفاصلها الاستقرار وحتى السلم الأهلي، ما كانت لتحصل لو لم يتقاعس قضاؤنا وقام بواجباته، ولو رُفعت يد السياسيين وغير السياسيين عنه “. ودعا اللبنانيين إلى “جعل صندوق الاقتراع سلاحكم ضد الفساد والفاسدين ومن تربّوا على نهجهم، بعد أن ثبت، وعلى مرّ السنوات الثلاثين الماضية، أنهم متجذّرون عميقاً، ومحصنون بشتى الخطوط الحمر”.
اما العرض المدني الذي جرى إحياؤه بعد ظهر أمس فانطلق من منطقة الكرنتينا، في اتجاه مرفأ بيروت تحت شعار “شعب، جيش، قضاء”، بمشاركة كثيفة لجماعات المجتمع المدني و”ثوار 17 تشرين”. وامتدت صفوف المشاركين حتى منطقة الدورة. ورفع المشاركون لافتات تدعو إلى “تحقيق الاستقلال الحقيقي ومحاربة الفساد وسرقة المال العام، والوصول إلى الدولة المدنية ومحاسبة المسؤولين عن انفجار 4 آب”.
وضم العرض عددا من الأفواج المتنوعة كالاستشفاء والطبابة والمعلمين والمهندسين والعمال والبيئة والفنانين والإعلاميين وتقدمهم فوج الدفاع المدني وجمعية “الهلال الوطني اللبناني”، ثم فوج “شهداء 17 تشرين” رافعا صور من سقط خلال الحراك المدني، ففوج أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت باللباس الأسود وفوج جرحى الانفجار.
واشنطن وباريس
ولمناسبة عيد الاستقلال تقّدم وزير الخارجية الاميركي أنتوني بلينكن، بالنيابة عن الولايات المتحدة الأميركية، بـ”أطيب” تمنياته للشعب اللبناني بعيد استقلاله. وأكد أن “الولايات المتحدة ستستمر في الوقوف إلى جانب شعب لبنان خلال هذه الايام الصعبة ودعم آماله في مستقبل أفضل”، لافتا في بيان إلى أن بلاده “تعترف بالثقافة الثرية والمثابرة للشعب اللبناني، الذي واجه وتغلب على العديد من التحديات على مدار الـ 78 عام الماضية”.
وغردت سفيرة فرنسا لدى لبنان آن غريو، عبر حسابها على “تويتر” مؤكدة أن “فرنسا تقف إلى جانب اللبنانيات واللبنانيين الملتزمين بعزم وموهبة وشجاعة لبناء لبنان يطمحون إليه ويستحقونه، وهو أمر ممكن.”وأشارت إلى أن “الوضع المأساوي في البلاد يتطلب أن تتحمل السلطات والطبقة السياسية مسؤولياتها بدون الإنتظار أكثر.”
الصور الروسية
إلى ذلك أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن روسيا سلمت لبنان صورا التقطتها أقمارها الاصطناعية تتعلق بتفجير مرفأ بيروت في 4 آب 2020.
وقال لافروف خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره اللبناني عبد الله بوحبيب بعد محادثاتهما في موسكو أمس: “بناء على طلب الحكومة اللبنانية، قمنا اليوم بتسليم صور فضائية وصور للأقمار الصناعية أعدتها وكالة روس كوسموس. نأمل بأن تساعد هذه المواد في التحقيق في أسباب الانفجار”. وأضاف: “بحثنا الآفاق المحتملة لمشاركة جهات اقتصادية روسية في إصلاح البنية التحتية التي دمرت نتيجة الانفجار في مرفأ بيروت”. كما تحدث عن مشروع تنجزه شركة روسية للنفط لإيصال المحروقات إلى ميناء بيروت، كما قال إن هناك شركات روسية تريد اعادة اعمار البنية التحتية وأن هذا القرار لبناني. وشدد لافروف على “ثقته بقدرة” رئيس الوزراء على بسط الاستقرار في لبنان، مشيرا إلى أن “لا بدّ من حلّ المسائل الداخلية بالحوار وتعزيز التعاون”. أضاف: “لبنان يريد حوارًا مع دول الخليج لحلّ المشاكل العالقة”، وقال: “قضية وزير الإعلام جورج قرداحي ليست بالمشكلة المستعصية ولكنها ليست المشكلة الوحيدة”.