إن القوانين تسن في الدول من أجل وضع ضوابط وأحكام لمختلف نواحي الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية وكذلك لسيادة الأمن والنظام وتوفير حياة آمنة وهادئة للمواطنين وحفظ سلامتهم وممتلكاتهم من العابثين والمجرمين ووضع حدود وأطر للمستغلين في المجتمع، أما إخراج القانون إلى حيز التطبيق فهذا يتوقف على مدى توفر الأجواء الديمقراطية في المجتمع والثقافة التي تسود ذلك المجتمع ومدى وقوف السلطة لدعم القضاء والأجهزة المكلفة بتطبيق القانون .إن الوعي الحقيقي بالمسائل القانونية لن يكون من أثر النصوص القانونية التي تقرأ أو النصائح التي تلقى، إنما يأتي من خلال تطبيق الحقيقي لنصوص القانون ، فمن طبق عليه القانون مرة واحدة ، لن يعود -على الأرجح – إلى إرتكاب الخطأ مرة ثانية هذا جانب، أما الجانب الآخر فهو في القدوة ، فرجل القانون سواء كان من الشرطة ، أو من أي جهة لموظفيها صفة الضابطة العدلية ، فعندما يطبق أي من هؤلاء القانون على حالة ما ويأتي المسؤول الأعلى ويتجاوز هذا التطبيق لمآرب مختلفه فإنه لن يتوقع بعد ذلك أن يتبنى هؤلاء جميعهم تطبيق القانون ، بل سيغضون أنظارهم عندما يرون هناك من ينتهك حرمات هذا القانون أو ذاك، وهذه مسألة مهمة وخطيرة في نفس الوقت، كذلك عندما يطبق اي من هؤلاء القانون على أنفسهم الأمر الذي يشجع عامة الناس على عدم مخالفة القوانين وتطبيقها بشكل جيد. وما من شك أن القانون يمثل أكبر محور يحظى بالإهتمام المطلق في هذه الحياة، وينظر إليه بشيء من التقدير والتبجيل ولا ينفك الإنسان في كل مناخاته الإنسانية وحتى في علاقته مع الجماد والحيوان ، يستحضر هذا القانون مع كل خطوة يخطوها ، ذلك لأن القانون هو المعول عليه تصويب الأخطاء وتعديل الإتجاهات ، وتحييد النزاعات والمآرب، وبالتالي متى عطل القانون عن حيادته وموضوعيته ومتى استنكفت السلطة عن تطبيق القانون أو طبقته على أفراد ولم تطبقه على آخرين في أي دولة ، حكم على هذه الدولة بالهلاك السريع ويطغى الظلم وتنتشر الفوضى في المجتمع .فمتى حضر القانون سارت الحياة سيرا حسنا ،لا ظالم فيها ولا مظلوم ومتى غاب القانون كان ذلك سيئا على الجميع حتى الظالم من الناس ،لأنه سيأتي يوما يسعى بنفسه إلى القانون لينصفه من نفسه وليس فقط لينصف الآخر منه لأن النفس أمارة بالسوء إلا من رحم الله. قيل “الحياة قانون مشاع” .فالحياة مهما إستطعنا التصرف في بعض من زواياها على أنها مشاعة في لحظة الاستغلال هذه إلا أنها- في تصوري الشخصي-لن تقبل المهادنة بدون القانون ، فالقانون هو المنظم الأكبر وهو المحدد الأسمى لكي تسير جميع مفاصل هذه الحياة سواء على مستوى الفرد أو على مستوى الجماعة ، صحيح أن هناك إنفلاتات تحدث هنا أو هناك في مسألة “الحياة قانون مشاع ” ولكن حتى هذا الأمر لن يخرج كثيرا عن الدائرة الضيقة لكل فرد على حدة ، فعلى سبيل المثال : إنك لو ذهبت إلى صحراء ممتدة بعيدة عن العمران ستحظى بكثير من المساحات الممتدة لكي تقيم فيها كوخا صغيرا بحجم حركتك فيه ، ولن ينازعك عليه أحد في لحظة ما ولكن لن تأمن على إقامتك فيه مدة طويلة إن لم يكن هناك قانون تستند إليه لبقاء أزلي، ومن هنا يأتي تقويض هذا المفهوم وعدم مشروعية أزليته وقس على ذلك أمثلة كثيرة . فالاشكالية هنا تتمحور حول فهم العمق الدلالي للقانون ما بين النص والتطبيق ، احيانا نهرع إلى القانون في حالات ونهرب منه في حالات أخرى ونستجديه في حالة ثالثة ، هنا تكمن أهميته وعلى الرغم من فهمنا لذلك ترانا نغض الطرف أحيانا ونقترب إلى العرف الإجتماعي، وعلى الرغم من العلاقة الوطيدة بين القانون وبين العرف الإجتماعي إلا أنه في بعض الأحيان يشكل العرف الإجتماعي أكبر معوق لتطبيق القانون ، ويمثل القانون أكبر عقبة في طريق تسلل العرف الإجتماعي ، فالمسألة شديدة الحساسية ما بين النص والتطبيق فهل لا يوجد قانون في حالة ما ؟ لا أبدا؛ يوجد القانون في كل الحالات التي نستحضرها في لحظة ما، وهنا وجود النص، أما عندما نصل إلى التطبيق هناك تتسع المساحة الفاصلة بينهما (النص والتطبيق )، ولذلك فيما يروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله” تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب” . فنحن نحب القانون وننادي به وفي الوقت نفسه نخافه عندما يقترب أكثر إلى عرقلة مصالحنا ، وهناك القلة القليلة من يرى في القانون أنه مخرج من مأزق ما من مزالق الحياة وما أكثرها ، ومن هنا تأتي مقولة ” الاعتراف بالخطأ فضيلة”. من هؤلاء الذين ينتصرون للقانون؟ سؤال مهم جدا ، ذلك أنه بما أن القانون يمس الجميع فيفترض أن ينتصر له الجميع ،وليس من الحكمة في شيء أن نكون في صف القانون عندما نطالب بحقوقنا وأن نضمر له العداء عندما يطالبنا الآخرون بهذا الحق ، وهنا إشكالية موضوعية في هذا الجانب بالذات وهذه الإشكالية تتجه نحو الصورة التالية: عندما نسير بمركباتنا في الطرق وغالبا هذه الطرق محددة فيها السرعة ، فماذا يحدث ؟ طبعا معظمنا نمارس هذا السلوك ، وهو عدم التقيد بالسرعة المحددة وفق اللوائح في طريق ما فنتجاوز من خلال ذلك قانون السير ولا ننصاع إليه ، ولا نعطي هذا السلوك أية أهمية حتى نصطدم بصورة مباشرة برجل الأمن ، أو بآلة ضبط السرعة “الرادار” ، هنا لا نملك تعليقا مبررا لما قمنا به، فهذان العنصران “بشري وجماد” هما الموكل إليهما تطبيق القانون في هذه الحالة ، وهنا لا خيار أمامنا سوى التسليم لتطبيق القانون وفق إجراء كل حالة على حدة، فبعض الحالات تصل بصاحبها إلى السجن وهكذا يكون عليه الحال. تأتي المفارقة هنا حول إمتلاكنا لرؤية موضوعية للقانون أم لا ، فهذه الرؤية هي التي تحدد مختلف العلاقات والتجاذبات المتجهة مع القانون أو ضده ، وهذه الرؤية أيضا هي التي لا تقبل المساس بنصوصه، وتنزلها المنزلة المطلقة في التطبيق وتذهب بها بعيدا عن تأثيرات العرف الإجتماعي، وهذه الرؤية أيضا هي التي تنزع نصوص القانون من إستحوذات الذات حتى لو أوصلتها إلى حبل المشنقة وهي ليست حالات إستثنائية وإن عدت كذلك، وإنما إيمان مطلق لهذه الرؤية الموضوعية مع الإيمان أن الوصول إلى هذا المستوى من الإدراك بأهمية القانون ليس يسيرا ولا سهلا، وهناك من فضل أن ينهي حياته بيده قبل أن يصل إلى تطبيق القانون، والتاريخ يسجل الكثير من هذه الحالات التي شهدتها أحداثه ، كحالة عامة فهي تتراوح بين اﻹستسلام لنصوص القانون وبين المماطلة بهدف تخفيف الإجراء .
أخيرا أدعو الجميع إلى المساعدة في تطبيق القوانين وإلى تطبيق القانون على أنفسهم كي ينعم مجتمعنا بالأمن والإستقرار .