كتبت صحيفة “النهار” تقول: بمعايير وظروف الأزمات الخانقة التي تطبق بتداعياتها المخيفة على اللبنانيين، لن يقدم أي طرف على الأرجح على انتقاد الحكومة، أو رئيسها نجيب ميقاتي وأعضاء اللجنة الوزارية لمعالجة تداعيات الازمة المالية والاقتصادية على سير عمل المرفق العام لاتخاذها مساء أمس رزمة إجراءات استثنائية تتصل بتقديمات مالية للقطاع العام برمته، كما بإعادة الدعم إلى أدوية الأمراض المستعصية، كما لو ان هذه الإجراءات صادرة عن جلسة “كاملة المواصفات” لمجلس الوزراء. ذلك أن القرارات والإجراءات الاحتوائية والموقتة التي قررتها اللجنة برئاسة ميقاتي، اتخذت واقعياً طابعاً استثنائياً، واكتسبت دلالات يجدر التوقف عندها لجهتين: الأولى انها تعتمد مدّ يد العون العاجل من الدولة إلى الموظفين والعاملين والمتقاعدين في القطاع العام على مشارف الشتاء والأعياد بما يشكل جرعة لا بدّ منها ولو أنها لن تكفي بطبيعة الحال، قبل انفجار الاحتقان الاجتماعي بشكل شنيع للغاية. والثانية ان هذه الاجراءات تشكل البديل المتاح للحلول مكان مجلس الوزراء ما دام الأخير ممنوعاً من الانعقاد وما دامت البلاد معلقة على إرادة فريق سياسي لا يلتفت إلى خطورة التداعيات التي قد تغدو متفجرة للأزمات الخانقة التي يعاني منها اللبنانيون ويمضي هذا الفريق في استباحة حقيقية لمجلس الوزراء تحت وطأة الابتزاز السياسي لتحقيق شرطه المعروف في “قبع” المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار.
وتضمنت الإجراءات التي أعلنها الرئيس ميقاتي:
اولا: إقرار بدل نقل يومي حضوري قدره 64 ألف ليرة ابتداء من أول شهر تشرين الثاني الحالي.
ثانيا: دفع مساعدة اجتماعية قدرها نصف راتب يُعطى عن شهري تشرين الثاني وكانون الاول قبل الاعياد، على الا تقل عن مليون ونصف مليون ليرة والا تزيد عن 3 ملايين ليرة، وتشمل المنحة الاجتماعية كل من يخدم المرفق العام في القطاع العام، من موظفين واجراء ومستخدمين ومتعاقدين ومتقاعدين وعمال الفاتورة وسواهم.
ثالثا: زيادة المساهمات المالية لتعاونية موظفي الدولة والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
رابعا: التذكير بالحضور في الادارات العامة بنسبة 66 في المئة، استناداً إلى مرسوم التعبئة العامة، ضماناً لتسيير شؤون المواطنين من جهة والالتزام الصحي من جهة أخرى.
خامسا: بناء على تأكيد وزير الصحة العامة، الاعلان عن استمرار الدعم الكامل لأدوية السرطان والأمراض المستعصية ومستلزمات غسيل الكلى وغيرها، والدعم الجزئي لأدوية الامراض المزمنة، وتوفيرها مجاناً للمرضى عبر مراكز الرعاية الصحية الأولية، بالإضافة إلى دعم التعرفة الاستشفائية لمرضى وزارة الصحة، والعمل على تأمين الموارد المالية لدعم الجهات الضامنة. كما أن اللجنة تثمن مبادرة اصحاب الصناعة الدوائية الوطنية في لبنان إلى تخفيض اسعار الادوية المصنّعة محلياً.
وأوضح ميقاتي أن “هذه المقررات هي ذات طابع استثنائي مؤقت ريثما تتم اعادة النظر ايجاباً وتطويراً وتحسيناً في مشروع قانون موازنة العام 2022 الذي سيتم انجازه في أقرب وقت متضمناً بنوداً اصلاحية تؤمن واردات ثابتة وواضحة لخزينة الدولة، تلافياً لأي حالة شعبوية من جهة، ودرءاً لأي عملية تضخّم تفوق القدرة على التحمّل والمواجهة، بحيث لا نعطي بيد ونأخذ بالأخرى. وتتوجه اللجنة إلى جميع الموظفين وسواهم بضرورة أن نتآزر معاً في تحمل المسؤولية الوطنية لنعبر هذه المرحلة الصعبة من تاريخ وطننا الحبيب لبنان، مع لفت النظر إلى أن كل ما تقدّم سيكون المادة الأساسية على جدول أعمال مجلس الوزراء للمناقشة والإقرار في جلسته المقبلة وقريباً بإذن الله”.
في الإطار السياسي والديبلوماسي للأزمة وفيما تحتدم الازمة العاصفة بين لبنان والدول الخليجية، تتجه الأنظار إلى سفر رئيس الحكومة إلى الفاتيكان الأربعاء المقبل على الأرجح للقاء البابا فرنسيس الذي يبدي اهمية كبيرة لملف لبنان والذي عقد لأجله لقاء روحيا مطلع تموز الفائت، وحضر أخيراً في محادثاته مع الرئيس الاميركي جو بايدن.
وساطة فرنسية
وسط هذه الأجواء نقلت مراسلة “النهار” في باريس رندة تقي الدين عن مصادر فرنسية وخليجية رفيعة ان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون سيقوم بجولة خليجية تشمل السعودية والامارات وقطر في الثالث والرابع من كانون الأول المقبل. وتوقع مصدرفرنسي رفيع ان يثير ماكرون مع قيادات الخليج مسألة امن الخليج والملف النووي الإيراني وان يحاول اقناع قيادات الخليج بإعادة الاهتمام بلبنان ومساعدته. وقال المصدر ان ماكرون كان التقى رئيس الحكومة اللبناني نجيب ميقاتي في غلاسكو، ووعده انه سيحاول اقناع القيادة السعودية بالعودة عن القرار بمقاطعة لبنان ناصحاً بأنه من الأفضل ان يخرج بهدوء الوزير الذي سبب المشكلة. فباريس بحسب المصدر تكرر باستمرار للجانب السعودي انه ليس هناك جدوى من ترك لبنان لـ”حزب الله” وان على الخليج ان يساعد البلد. وماكرون مدرك لإصرار السعودية على موقفها المتشدد ولكنه ينوي التحدث مع القيادة السعودية مجدداً حول الموضوع. وعن تعطيل حكومة ميقاتي، قال المصدر هذا لبنان حيث هناك ازمة بعد الأخرى ينبغي حلها. وأعرب عن تشاؤمه إزاء الوضع فيه. وقال ان ماكرون يحاول مساعدة ميقاتي على تمكينه على تحسين الأوضاع في لبنان. ولكنه أشار إلى انه غير قادر على تحديد الشروط التي تعيد لبنان إلى عافيته على ضوء ما يحصل فيه. ورأى انه يجب العمل دائما في لبنان من اجل توافق على ما هو أساسي. ورأى المصدر ان ما يحدث من تعطيل للحكومة يمثل قواعد اللعبة في لبنان فالمشكلة في كل مرة ان “حزب الله” او العونيين يعطلون لفرض توازن القوى بهذا الشكل. وقال المصدر ان ميقاتي يعمل رغم كل القيود وباريس لا تستطيع ان تفعل أفضل مما تقوم به حاليا. ويحاول الرئيس الفرنسي ان يقول لقيادات الدول الخليجية انه ينبغي مساعدة لبنان وتقول باريس للبنانيين ماذا ينبغي ان يفعلوا. فاذا كان المسؤولون اللبنانيون يرفضون الاستماع إلى نصائح فرنسا والخليجيون يرفضون دفع أموال لتهدر مثلما حدث في الماضي فلا يمكن لباريس ان تفعل أكثر من ذلك. والسعودية تقول باستمرار لباريس انها لن تساعد لبنان وهو دولة “حزب الله”، وباريس تقول للسعودية انه أسلوب مدمّر لان ذلك يعني تسليم البلد لـ”حزب الله “. فان جزءاً منه الآن تحت وطأة “حزب الله” ولكن اذا استمرت دول الخليج على موقفها سيصبح كل لبنان لحزب الله. وباريس لا تفهم كيف تعمل دول الخليج لإعادة بشار الأسد إلى الجامعة العربية وفي الوقت نفسه تريد معاقبة لبنان.
وسألت “النهار” اذا كان بالإمكان عقد مؤتمر دولي للبنان مثلما حدث لليبيا فقال المصدر ان ماكرون مستعد لبذل كل الجهود من اجل لبنان ولكن سبق له ان جمع القيادات اللبنانية في قصر الصنوبر وكان مدعوما من دول الاسرة الدولية ولكن بعض القيادات لم تف بوعودها.
لا قرار للتمييز
في غضون ذلك وعلى صعيد الملفات القضائية برز أمس موقف لافت لنادي قضاة لبنان رد فيه على ما يثار حول “إزاحة” رئيس مجلس القضاء الاعلى سهيل عبود كأحد شروط حل الأزمة الحكومية وقال النادي في رده ” كفى تهديدا وتهويلا، فرئيس مجلس القضاء الأعلى هو رئيس سلطة دستورية لا يقال حسب الرغبات. آن الاوان لتتعودوا على قضاة مستقلين لا يلبون طلباتكم مهما كانت. حلوا أزماتكم بعيدا من السلطة القضائية، واحترموا مبدأ الفصل بين السلطات. كفى تهديما وتخريبا فيما تبقى من معاقل الدولة”.
وتزامن ذلك مع انعقاد الهيئة العامة لمحكمة التمييز في قصر العدل برئاسة القاضي سهيل عبود، وبحثت في جدول أعمالها من دون اتخاذ اي قرار في الدعاوى المقدمة من الوزراء السابقين المدعى عليهم في ملف إنفجار مرفأ بيروت ضد الدولة اللبنانية، ونقل عن مصادر قضائية ان مصير المحقق العدلي لا يقرره المجلس الاعلى للقضاء، لان تعيين البيطار جاء بقرار من وزير العدل ووافق عليه مجلس القضاء وصدر مرسوم تعيينه، وتاليا يتوجب لاقالته اعتماد الآلية نفسها، اي ان يقترح وزير العدل اسم محقق آخر فيوافق عليه مجلس القضاء ويصدر مرسوم فيه.
“فضيحة” التسريب؟
وفي ملف الاستعدادات للانتخابات النيابية تصاعدت مسألة تسريب داتا المعلومات الشخصية إلى “التيار الوطني الحر” التي نفاها التيار، ويبدو انها ستشكل فضيحة كبيرة. وقد ثارت أمس المنسقية المركزية للاغتراب في “تيار المستقبل” هذه الفضيحة من دون ان تسمي “التيار الوطني الحر”. وكشفت انه وردت إليها مئات الإتصالات من مختلف دول العالم من مغتربين يشكون من كشف بياناتهم الشخصية لجهة حزبية محددة بعد أن يكونوا قد سجلوها على المنصة الخاصة للإقتراع في الخارج. واعتبرت باسم “تيار المستقبل” أن “تسريب اسماء اللبنانيين المسجلين في الخارج لجهة حزبية أمر ينطوي على مخالفات جسيمة ومحاولة للتأثير على الناخبين وأمر يرتد سلباً على عملية الاقتراع بذاتها وعلى الجهة الحزبية المتصلة، ونطالب وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب بوضع حد للتسريب الحاصل وعزل المكلفين بمتابعة هذا الملف في الادارة المركزية لتحملهم مسؤولية التسريب”.
وعلى صعيد التحركات السياسية المتصلة بآفاق التحضيرات للانتخابات، علم أمس ان رئيس كتلة اللقاء الديموقراطي النائب تيمور جنبلاط وعضو الكتلة النائب وائل أبو فاعور التقيا مطولاً اول من امس في أبو ظبي الرئيس سعد الحريري. وكانت جولة افق واسعة في مختلف التطورات الداخلية والعلاقة بين الحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل واحتمالات التحالف من عدمه بينهما في الانتخابات في مناطق الاختلاط بين الفريقين. وبدا ان مسألة التحالف لم تبت في انتظار قرار الرئيس الحريري النهائي حول العملية الانتخابية كلاً ولكن الأجواء في اللقاء كانت إيجابية للغاية لجهة إعادة تأكيد العلاقة الوثيقة بين الفريقين.