كتبت صحيفة “النهار” تقول : منذ السبت الماضي ولبنان يحترق مجدداً. يحترق بالمعنى الحقيقي والمجازي سواء بسواء. و”على جاري العادة” الموسمية خصوصاً في التشرينين، اشتعلت المناطق اللبنانية من عكار إلى الجنوب وما بينهما خصوصا بيت مري عروس الصنوبر، بعشرات “المذابح” الحارقة التي لم تترك وراءها بقعة خضراء واحدة في اجتياح ناري خلف مساحات هائلة متفحمة. أعتى الحرائق اجتاحتأ بلدات عدة في قضاء صور ومن ثم بلدة بيت مري التي اجتاحها مع ألسنة اللهب كارثة الافتقار إلى سيارات الإطفاء إلى ان تأمنت نحو 19 سيارة بعد دق نفير الإنذارات بتهديد النيران الزاحفة من الاحراج إلى المنازل. وانتقلت ألسنة الاجتياح بعد ظهر أمس إلى المقلب الاخر من البقاع، فضرب حريق مخيف الاحراج المترامية بين باب مارع وعيتنيت في البقاع الغربي، فيما كانت عشرات الحرائق الأخرى تتسع في نطاق عكار منذ السبت.
الاستنفار الواسع للجيش والدفاع المدني وفرق الإطفاء والبلديات، بدا كأنه باللحم الحي كما دائما نظراً إلى ان ”الدولة الفاشلة”، والممعنة كل يوم في إثبات فشلها، لا تقوى حتى على لملمة أزمة انعقاد مجلس الوزراء للتفرغ لإنقاذ ما تبقى من أشلاء البلاد، فكيف باستدراك إرث مزمن من الإهمال والفساد اللذين جعلا لبنان يواجه كل فترة اجتياحات نارية مخيفة كهذه باللحم الحي للجيش وفرق المتطوعين المفتقرين إلى أدنى الأدوات الحديثة والمتطورة كما إلى الطائرات المختصة بإخماد الحرائق؟
وفي أي حال فإن المشهد السياسي لم يكن أقل تفحّماً مما خلفته وراءها حرائق الغابات، اذ بدت كل من الازمة الحكومية والازمة الديبلوماسية المتدحرجة مع دول الخليج تتجهان نحو سقوف جديدة من التعقيد والمراوحة وسط جمود لافت ومستغرب للغاية لأي وساطات وتحركات حتى بين أهل السلطة أنفسهم بحثاً عن مخارج للازمة الحكومية على الأقل. وستتسم الأيام القليلة المقبلة بأهمية مفصلية بالنسبة إلى ملف المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار اذ ينتظر ان تبت هيئة محكمة التمييز بمسألة المرجع المؤهل للنظر في دعاوى مقاضاة الدولة وسط مخاوف وتوقعات بأن تنزع ملاحقة السياسيين من البيطار، كما تذهب بعض السيناريوات إلى الحديث عن مقايضة مدبّرة قد تطيح بالبيطار ثمناً لإحياء جلسات مجلس الوزراء.
بري: الدستور
وإذ بدا لافتاً خروج رئيس مجلس النواب #نبيه بري عن “صوم” كلامي منذ فترة اذ تناول موضوع الحرائق العابرة للطوائف والمناطق والمذاهب، برز في تعليقه قوله “إن أخطر الحرائق التي لا يمكن إخمادها هي الحرائق المذهبية والطائفية المندلعة في النفوس”.
وسارعت “النهار” إلى سؤاله أين رئيس المجلس من كل ما يحدث وما يؤخر التئام جلسات مجلس الوزراء حيث تتكدس الملفات على طاولته؟ فأجاب: “انا مع تطبيق القانون والدستور لا زيادة ولا نقصان. وأدعو الجميع إلى القراءة في كتاب واحد ومن دون السير على هذا المنوال فان البلد ومؤسساته تصبح مهددة”. واضاف “لو طبقنا الدستور وقام القضاء بواجباته ضمن القواعد الموضوعة لسارت امور المواطنين في الشكل المطلوب وانعكس هذا الأمر ايجاباً على الحكومة ومعاودة جلساتها وانطلقت عجلة المؤسسات”.
عظة نارية
وفيما تردد على نطاق واسع ان مشاورات جديدة قد تبدأ على خط بكركي – عين التينة استكمالاً للتفاهم الذي تحقق بينهما خلال زيارة البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي للرئيس بري قبل أسابيع قليلة، أطلق الراعي أمس مواقف نارية جديدة من الواقع المأزوم ولا سيما من ازمة العلاقات مع دول الخليج، اذ شدد على أن ”حل هذه الأزمة بشجاعة وطنية، لا يمس كرامة لبنان، بل إن تعريض اللبنانيين للطرد والبطالة والفقر والعوز والعزلة العربية هو ما يمس الكرامة والسيادة والعنفوان. إن تحليق سعر الدولار إلى حد يعجز فيه المواطنون من شراء الحاجيات الأساسية، لاسيما عشية الأعياد المقبلة، هو ما يمس بالكرامة ويذلّ الناس. الكرامة ليست مرتبطة بالعناد إنما بالحكمة، وبطيب العلاقات مع كل الدول وبخاصة مع دول الخليج الشقيقة، ذلك أن دورها تجاه لبنان كان إيجابيا وموحدا وسلميا، لا سلبيا وتقسيميا وعسكريا”. واعتبر انه “لا يحق لأي طرف أن يفرض إرادته على سائر اللبنانيين ويضرب علاقات لبنان مع العالم، ويعطل عمل الحكومة، ويشل دور القضاء، ويخلق أجواء تهديد ووعيد في المجتمع اللبناني. ولا يحق بالمقابل للمسؤولين، كل المسؤولين، أن يتفرجوا على كل ذلك، ويرجوا موافقة هذا الفريق وذاك. هذا هو فقدان الكرامة وهذا هو الذل بعينه”. وسأل: “أي منطق يسمح بتجميد عمل الحكومة والإصلاحات والمفاوضات الدولية في هذه الظروف؟ كل ما يجري اليوم يتعارض تماما مع النظام اللبناني بوجهه الدستوري والميثاقي والديمقراطي. إن الغالبية الساحقة من الشعب اللبناني تريد الخروج من أجواء الحرب والفتنة والصراع، والدخول في عالم السلام الشامل والدائم والتلاقي الحضاري. ما لنا بحروب المنطقة وبمحاورها؟ ما لنا بصراعاتها وبلعبة أنظمتها؟ ما شأننا لنقرر مصير الشعوب الأخرى فيما نحن عاجزون عن تقرير مصيرنا، بل عن اتخاذ قرار إداري؟”.
انتشار الحزب!
في غضون ذلك ظل الغموض والتستر الأمني الرسمي يحجب حقيقة إقامة حواجز مسلحة على طريق حدث بعلبك - كفردبيان، افيد انها لمسلحين من “#حزب الله” بلباس اسود وبكامل أسلحتهم كانوا نفذوا انتشاراً كثيفاً في جرود عيون السيمان ونصبوا حاجزاً على بعد كيلومتر واحد من حاجز الجيش اللبناني في الطريق القديم المفرق المؤدي إلى زحلة القادومية. وفي حين ذكر مختار كفردبيان وسيم مهنّا أنّ الصور هي لحفل افتتاح بئر مياه ارتوازية في خراج بلدة حدث- بعلبك. الا ان “وكالة الانباء المركزية” نقلت عن مصادر عليمة ان لا علاقة لافتتاح البئر، وهو تحديداً في منطقة طاريا وحضر الحفل رئيس المجلس التنفيذي في الحزب هاشم صفي الدين، بالانتشار العسكري ذلك ان مسؤولي “حزب الله” حينما يتنقلون يفعلون ذلك خفية من دون انتشار عسكري، وعزت ما جرى إلى مناورة صامتة اجراها الحزب على مدى ثلاثة ايام تُحاكي التطورات اللبنانية الاخيرة، لا سيما الامنية منها، حيث اقام معسكر تدريب لعناصره فككه صباح السبت. وكانت “إذاعَة لبنان الحرّ” اشارت إلى ان الحزب كثف انتشاره بالاليات العسكرية ليلا في جرود عيون السيمان والعاقورة، ونقلت عن مواطنين قولهم بِأَنَّ عناصر الحزب نصبوا كاميرات مراقبة في المكان وعمدوا إلى إيقاف بعض السيارات. ولم يصدر أي بيان عن الجيش او أي جهاز أمنى في هذا السياق.
في سياق متصل بالازمة الديبلوماسية بين لبنان والمملكة العربية السعودية اكد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في مقابلة مع “فرانس 24” أن “حزب الله” يبذل قصارى جهده لعرقلة تحقيق انفجار مرفأ بيروت. واشار إلى إنّه “لا أزمة مع لبنان إنّما هناك أزمة في لبنان” مشددا على ان “الفساد السياسي والاقتصادي مستشرٍ ومستمر في لبنان”. ورأى بن فرحان أن “على الطبقة السياسية اللبنانية اتخاذ ما يلزم لتحرير لبنان من هيمنة حزب الله وهو يستخدم القوة العسكرية لفرض إرادته على الشعب اللبناني”. ولفت إلى ان ” نصرالله اعترف سابقاً بتلقيه دعماً من إيران وهذا مقلق بالنسبة لنا.