} د علي سيّد
تصعّد باريس ردّها على ما تصفها بطعنة الحلفاء. قرار استثنائي اتخذته بسحب سفيريها من واشنطن وكامبرا، يسعى الرئيس الأميركي جو بايدن لتهدئة الغضب الفرنسي المحتدم منذ أعلنت الولايات المتحدة تشكيل تحالف أوكوس مع بريطانيا وأستراليا والذي بموجبه تخلت استراليا عن «صفقة القرن» بالنسبة للصناعات العسكرية الفرنسية ب 32 مليار يورو، وكانت أبرمته عام 2016 مع مجموعة «نفال غروب» الفرنسية لتوريد 12 غواصة تعمل بالكهرباء والديزل لتستبدلها ببناء 8 غواصات بمساعدة الولايات المتحدة وبريطانيا تعمل بالدفع النووي.
تقول صحيفة «واشنطن بوست» إنّ الرئيس بايدن يضغط للحديث هاتفياً مع نظيره الفرنسي ماكرون الذي يبدو متمنّعاً إلى الآن. تقول الحكومة الفرنسية إنّ الأزمة تتجاوز حدود الخلاف التجاري إلى رهانات استراتيجبة ووجودية بالنسبة لفرنسا ونفوذها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، إذ ترى باريس أن تدبير الصفقة في غرف مغلقة وكتمان شديد والإعلان عنها بشكلٍ مفاجئ ودون استشارة الحلفاء هما امتداد لنهج أميركا أولاً وسياسات الرئيس السابق ترامب، وبحسب «واشنطن بوست» فإنّ المسؤولين في واشنطن تتملكهم الدهشة من إقدام فرنسا على سحب سفيرها، ويرون أنه ردّ مبالغ فيه مردّه إلى حسابات انتخابية للرئيس ماكرون الساعي لولاية ثانية، وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن حاول الاتصال بنظيره الفرنسي لإبلاغه بالصفقة بين الولايات المتحدة وبريطانيا واستراليا قبل الإعلان عنها، كذلك التقى مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفن وجهاً لوجه مع السفير الفرنسي في واشنطن يومي الخميس والجمعة الماضيين أيّ عشية الإعلان عن الصفقة، أما استراليا فترى أنّ الشدة في ردّ فرنسا على الصفقة فعلٌ متوقع.
يقول رئيس الوزراء الاسترالي إنه يتفهّم خيبة أمل فرنسا من إلغاء الصفقة لكن باريس عليها أيضاً أن تتفهّم في المقابل حاجة استراليا لقرارات تخدم مصالحها الدفاعية، كذلك تطمئن بريطانيا خصمها ومنافسها التاريخي بأنّ اتفاق أوكوس لا ينطوي على أيّ خصومة بين البلدين، يقول رئيس وزراء بريطانيا جونسون في هذا الشأن: اتفاق أوكوس الذي وقعناه مع أصدقائنا الأستراليين والأميركيين ليس إقصائياً ولا يحمل خصومة اتجاه أيّ صديق أو شريك في العالم، إنما يعكس المصالح المشتركة بيننا.
إلى جانب سحب سفيريها من واشنطن وكامبرا ألغت فرنسا محادثات عسكرية مع بريطانيا كانت مجدولةً مسبقاً، وإنْ رأت باريس في الاتفاق الأميركي البريطاني الأسترالي طعنة في الظهر، فإنه بلا شك دفعة لمشروع فرنسا التي تتأهّب لتسلّم رئاسة الاتحاد الأوروبي لبناء استراتيجية دفاعية أوروبية مستقلة عن الولايات المتحدة الأميركية والحلف الأطلسي.
هل هي بداية لخلاف أعمق بين الحلفاء، وهل ستنفتح فرنسا وتزيد من علاقاتها وانفتاحها على الشرق وبخاصة الصين وروسيا؟ الأيام والأشهر المقبلة كفيلة بالردّ.