جلسة مناقشة البيان الوزاري و التصويت على الثقة
“حكومة معاً للإنقاذ”
كلمة كتلة التنمية والتحرير
بيروت في ٢٠ أيلول ٢٠٢١
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
دولة رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري
اسمح لي ان ابدأ كلامي بصرخة الامام الصدر غداة اندلاع الحرب المشؤومة في لبنان حيث خاطب القوى السياسية مجتمعة قائلاً “تعالوا نؤجل الحسابات الخاصة والمنافع الذاتية والآراء الشخصية نؤجل كل شيء ونهب لإنقاذ الوطن ساعة النهاية”
لقد كفانا منذ خريف 2019 فرصاً ضائعة وزمنا مهدوراً بدءاً باستقالة الحكومة مرورا بمتاهة البحث عن رئيس الحكومة وحكومة قصيرة العمر وصولاً الى ثلاثة عشر شهرا من عبث عدم التشكيل. كل ذلك ووطننا يغرق وينهار والشعب متروك لأزماته وآلامه، حبيس طوابير الذل، رهين المحتكرين وكارتيلات التسلط فيما غيبوبة السلطة كادت تودي بما تبقى من استقرار وامن اجتماعي.
دولة الرئيس
للأسف إن بعضنا لا يزال أسير الاوهام بأن مكاسب من الممكن أن تجنى فوق حطام الوطن وشعب مكسور ودولة مشرذمة، ولا تزيده معاناة الناس إلا عنادا وطمعا وتقوقعا ومذهبية وطائفية فينكأ الجراح ويستدعي الخلافات ويؤجج المواجهات وكأننا نملك ترف الصراع وترف تسجيل النقاط وترف المكاسب.
دولة الرئيس
ايها السادة الزملاء
لبنان مهدد بوجوده ووحدته وبمؤسساته وبأمنه واستقراره وبمستقبل أبنائه والزمن الآن لليقظة والعمل والأداء المختلف والمتميز وللتعاون والمبادرة سعيا للإنقاذ او في الحد الادنى لاحتواء الانهيار بما يخفف معاناة الناس ويعيد الأمل لهم ولنا بإمكانية النهوض مجددا.
دولة الرئيس
قلت بعيد تشكيل الحكومة حان وقت ” حي على خير العمل “, واختارت الحكومة شعار “معا للإنقاذ” ولأن الناس تنتظر الأفعال لا الأقوال ولأن هذه الحكومة قد تكون آخر الفرص الممكنة بل هي نافذة الأمل الوحيدة لتجنب الكارثة الكبيرة، نقف بحيرة كبيرة في نقاش بيانها الوزاري وجلسة إعطاء الثقة لأن هذا البيان وهذه الثقة لن تعني شيئا بدون ثقة الناس وثقة المواطنين التي اهتزت لا بل انعدمت بالدولة ومؤسساتها وبات ترميم هذه الثقة واستعادتها يحتاج إلى إنجازات كبيرة وصعبة في ظل هذه الظروف. إلا أننا وعلى الرغم من ذلك “محكومون بالأمل”،
فقد شهدنا خلال السنوات الماضية متغيرات كبرى لم يكن يتوقعها اشد المتفائلين، فيما كان البعض يراهن بمستقبله السياسي على عدم حدوثها، وهذا تحرير العام 2000 شاهد امامنا وعبور الأزمات الكيانية من الحرب الأهلية والعدوان الاسرائيلي المتكرر والتهديد التكفيري والإرهابي. كل هذه الأحداث تدعونا لعدم اليأس ولاستعادة العزيمة لعلنا مجددا نعبر بهذا الوطن العزيز الى شاطئ الأمان.
دولة الرئيس
لقد جاء في مقدمة البيان الوزاري إشارة الى نية الحكومة إطلاق شعلة الأمل بعزم. وللحفاظ على هذه الشعلة اسمحوا لي أن أورد عددا من الملاحظات والمنطلق هو الناس.
الناس الذين أدعو ليكونوا هم الأولوية الأولى والهم الأكبر والمسؤولية العظمى ولتكن مصلحتهم فوق السياسة والأحزاب والتيارات والمكاسب والنفوذ. ولتكن كل الجهات هي الناس وكل المصالح هي الناس.
وابدأ من العنوان الأبرز للبنانيين وهو الازمة الاقتصادية:
هذه الأزمة كما بات معروفا هي كارثة وليست انهيارا عاديا. ونحن في كتلة التنمية والتحرير نعتبر أن هذا الوضع الاقتصادي يقتضي أن نذهب باتجاه خطوات جذرية بعيدا عن التجميل.
إن أساس اي حل هو تحديد حجم الخسائر في القطاع المالي والتوزيع العادل لهذه الخسائر بما يضمن عدم تحمل الأكثر تضررا اي الفقراء والمودعين العبء الأكبر. لقد خسر المودعون اللبنانيون مليارات الدولارات لأنهم يسحبون ودائعهم بأقل من قيمتها الحقيقية في حين أن المصارف لا تتحمل اي كلفة وتراكم المزيد من الأرباح لأن الفوائد استمرت مرتفعة على القروض وتوقفت تقريبا على الودائع.
لذلك فإن الصيغة التي وردت في البيان حول إعادة هيكلة المصارف توحي بحرص لدى الحكومة او إرادة في الدفاع عن مصالح المصارف على حساب مصالح المودعين وهذا امر غير مقبول. إن إعادة أموال المودعين هو المعيار الذي سيحكم الناس من خلاله على هذه الحكومة. لقد احتجزت المصارف جنى أعمارهم ومؤونة مستقبلهم ومستقبل أولادهم وعلى هذه الحكومة ان تضع هذه المسألة كأولوية مطلقة ونحن في كتلة التنمية والتحرير لا نساوم على هذه القضية التي تعني كل بيت وكل اسرة في لبنان. ونشدد أيضا على أن إعادة هيكلة المصارف يجب أن تترافق مع إعادة هيكلة ميزانية مصرف لبنان ومع هيكلة الدين العام.
البيان لم يتطرق الى ضرورة وضع حد فوري لتعدد أسعار الصرف. إن هذه المسألة لا تحتمل التأجيل. إن سعر الدولار تحرك في ربيع 2019 ولا نزال حتى اليوم نعيش في حالة غير طبيعية من تعدد الأسعار ومن يدفع الثمن هم الناس الفقراء وأصحاب المداخيل بالليرة اللبنانية.
أما حول الكابيتال كونترول فكنا ننتظر اشارة أكثر قوة وحسما حول نية الحكومة بالتعاون مع مجلس النواب لإقراره بأسرع وقت.
بالنسبة لحقوق السحب الخاصة التي ذكرها البيان، كان من الأفضل أن ترد تفاصيل حول ضوابط وقيود استعمال هذه السيولة وأن يتم صرفها وفق توافق مسبق داخل الحكومة وبإشراف من مجلس النواب.
أما فيما خص التفاوض مع صندوق النقد الدولي حسناً فعلت الحكومة بربطه “بما يحقق المصلحة العامة” ولكن لا يجب أن يكون هذا الخيار هو المسار الوحيد والحصري لتمويل مرحلة التعافي بل يجب أن يترافق مع مصادر تمويل أخرى كقوانين ضرائب عادلة، وما ورد حول الضرائب في البيان غير كاف. كنا ننتظر ان تتعهد الحكومة بإعداد قانون ضرائب موحد وتصاعدي حول ضريبة الدخل.
في الحديث عن الشراكة بين القطاعين العام والخاص نحن نرى ان شرط نجاح هذه العملية هو أن يكون القطاع العام قويا وكفوءا. وبالتالي فان المطلوب تطوير القطاع العام واصلاحه ليكون قادرا على الشراكة مع القطاع الخاص. كما أن الانهيار الاقتصادي الحاصل يتطلب تأجيل النظر في الخصخصة. فليس الوقت مناسبا للحديث عن الخصخصة أو التخلص من موظفين في القطاع العام أو إعادة النظر في التقديمات التقاعدية قبل الشروع في وضع خطة شاملة لعملية الإصلاح الإداري وتطويرها.
باختصار إن المطلوب على المستوى الاقتصادي السير بشكل متزامن على ثلاثة مسارات:
اولا مسار الإنقاذ من خلال تأمين الحاجات الاساسية وخاصة تمكين الأكثر فقرا وتأمين الغذاء والمحروقات والدواء ووسائل النقل التي تحتاج بأسرع وقت لخطة متكاملة للنقل العام.
ثانيا مسار التعافي من خلال اعادة الهيكلة
ثالثا مسار إعادة النظر في نموذج الاقتصاد اللبناني وطبيعته، فمن غير المقبول العودة بعد كل هذه الآلام الى نفس النمط الاقتصادي المعتمد الذي أدى الى هذا الانهيار، فجوهر المشكلة، التي نعيشها والتي تكثر عوارضها المالية والنقدية، اقتصادي بامتياز. لقد بنينا اقتصادا غير منتج أدى الى ما نحن عليه من فقدان المواطنين لحقوقهم الاساسية في الغذاء والصحة والماء والهواء النظيف وغيرها من الحقوق، وأدى الى التعاطي مع هذه الحقوق الأساسية التي على الدولة أن تؤمنها لمواطنيها بموجب العقد الاجتماعي بينها وبينهم، كسلع تخضع لموازين التجارة والاحتكار كما أدى الى خسارة لبنان لأهم ما يملكه وهو رأسماله البشري من خلال هجرة جماعية بحثا عن عيش كريم.
لقد حان الوقت لوضع نموذج اقتصادي جديد أو للبدء بحوار عميق حول نظام اقتصادي لبناني يضمن، وفق مبدأ الاقتصاد الحر والمنافسة العادلة والعدالة الاجتماعية، استدامة حصول اللبنانيين للحقوق الأساسية، وحان وقت تحديد دور اقتصادي جديد للبنان اخذين بعين الاعتبار التغيرات الداخلية والتحولات الإقليمية والدولية، دور يقوم على مبدأ التكامل والتشبيك مع العمق العربي والإقليمي بدءا من جارتنا الأولى الشقيقة سوريا التي تمثل مجالنا الحيوي الاقتصادي والسياسي من جهة ,وعلى تطوير علاقاتنا بشركائنا الدوليين في مختلف انحاء العالم من جهة أخرى. أعرف أن عمر الحكومة قصير والمهمة الإنقاذية ثقيلة ولكن هذا لا يعفيها من مهمة فتح مسارات الإصلاح ووضع عدد من القضايا الاساسية على سكة الانطلاق:
من هذه القضايا الكهرباء والنقل العام، نحن أمام قطاعين حيويين بكلفة عالية على المواطن وعلى الدولة. قطاعان يشكلان عنوانا أساسيا للأزمة الحالية وعلى الرغم من ذلك يشير البيان اليهما بصيغة عامة ومبهمة وغير واضحة. كنا ننتظر مقاربة مختلفة وتعهدا بتعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، هذه الهيئة التي أنشئت بموجب قانون صدر عن المجلس النيابي منذ حوالي ثمانية عشر عاما، اضافة الى تبني أقوى لمسألة الطاقة البديلة وخاصة الطاقة الشمسية التي تحتاج لبرنامج حكومي يتضمن الدعم والتسهيلات وعدم ترك المسألة (كما هي الحال اليوم) عند القطاع الخاص حصرا دون ضوابط ودون تخطيط.
في الشأن الاجتماعي وردت عبارة تتحدث عن دور المؤسسات الاجتماعية غير الحكومية. طبعا ان منطق الشراكة مطلوب ولكن حذاري من ان يؤدي هذا الى استقالة ضمنية للدولة من دورها الاجتماعي فوظيفة مكافحة الفقر والتخطيط لها هي وظيفة الدولة بالدرجة الاولى.
دولة الرئيس الزميلات والزملاء:
لفت نظري غياب أي إشارة عن الامن الغذائي في البيان الحكومي. هل يعقل ألا يلتفت واضعو البيان الى الارقام التي نشرتها الامم المتحدة والتي تحدثت عن 75% من اللبنانيين الذين يعانون من فقدان الامن الغذائي. ان هذه المسألة في غاية الخطورة والحساسية، ولم نشعر عند قراءة البيان أن الحكومة مدركة لخطورة هذا الوضع الذي يتطلب عملا جادا وسريعا من قبل كل الوزارات المعنية.
ما ننتظره أن يكون هذا العنوان على رأس سلم أولويات الحكومة وخاصة أن الامن الغذائي عابر للقطاعات (توفر الغذاء، الحصول على الغذاء، علاقة الغذاء بالصحة)، ويجب أن تتم معالجته وفق منطق الشراكة بين كافة الوزارات المعنية وأن تتخذ كل وزارة القرارات والاجراءات اللازمة لوضع حد لحالة التدهور على هذا المستوى لأنه من غير المقبول ان يبقى طفل لبناني محروم من الغذاء كما ونوعا او ان تنام عائلة لبنانية دون امكانية حصولها على الغذاء المطلوب. (سلامة الغذاء)
ان عدم التفات واضعي البيان لهذا العنوان يعكس خللا غير بسيط، فالأمر يتكرر في التعامل مع التنمية المستدامة التي وردت في المقطع المتعلق بالبيئة فقط، وهذا امر مستغرب. ان مفهوم التنمية المستدامة يجب ان يكون عابرا لكل القطاعات واساسا لكل الخطط والمسارات وجزءا من عمل كل الوزارات دون استثناء من التربية الى الصحة والزراعة والصناعة والشؤون الاجتماعية والرياضة والشباب والطاقة والاتصالات والبيئة. ويجب الالتفات الى ان لبنان ملتزم بالعمل على تنفيذ اهداف التنمية المستدامة 2030 وفي مجلس النواب هيئة لمتابعة ومواكبة هذا الالتزام تشريعيا. ولكن يبدو أن اهداف التنمية المستدامة في واد وحكومتنا الجديدة في واد آخر بدليل ركاكة وهزالة وضعف الجملة التي وردت في البيان حول دور المرأة. إن إلغاء كل اشكال التمييز وإلغاء الفوارق الجندرية هو هدف جوهري ضمن اهداف التنمية المستدامة.
وعند هذه النقطة اسمحوا لي دولة الرئيس أن أعبر عن أسفي الشديد تجاه هذا الأمر؟ هل يعقل ما قرأناه؟ سطر ونصف عن دور المرأة.
للوهلة الأولى تمنيت ان يكون الأمر ترجمة لمقولة “إن الرؤية تتسع كلما ضاقت العبارة” ولكن للأسف شكل الحكومة لا يسمح بمثل هكذا وهم، سيدة وحيدة وسط هذا الجمع الذكوري.
الم تعلموا ايها السادة ان العبء الأكبر خلال الأزمة الاقتصادية وخلال أزمة كورونا وقع على المرأة اللبنانية؟ الم يصلكم ان النساء كانوا في الخطوط الامامية في الجبهة الصحية والاجتماعية في مواجهة كورونا؟ الا تدركون ان المرأة اللبنانية تتبوأ اعلى المواقع في مختلف القطاعات والمجالات في لبنان وخارج لبنان؟ وفق اي منطق او تفكير يتم استبعادها عن القرار في حكومة تعتبر ان مهمتها هي الانقاذ. ما هكذا تورد الإبل ايها السادة. من غير المقبول الاستمرار في التعاطي مع المرأة اللبنانية على هذا المنوال والمطلوب من السادة النواب الاسراع في اقرار قانون الكوتا ليشمل مجلس النواب والحكومة ايضا والا فلن تقوم قائمة لهذا المجتمع. ان اي محاولات انقاذ او اصلاح لا تستقيم دون وضع حد لكل اشكال التمييز ضد النساء، ودون انصاف المرأة بما يسمح بان تكون حيث يجب أن تكون، في كل مواقع القرار السياسي والنيابي والحكومي والنقابي والحزبي والاجتماعي.
الاشكالية نفسها تتكرر في الفقرة الخاصة بالزراعة، عدد كلمات قليل جدا وعام جدا.
إننا في كتلة التنمية والتحرير نطالب بمقاربة استراتيجية اجتماعية للزراعة (الزراعة جزء بسيط من الدخل القومي ولكن يعمل فيها ثلث اليد العاملة) تأخذ بعين الاعتبار صغار المزارعين الذين تشكل الزراعة مصدر عيشهم ووسيلة لاكتفائهم الذاتي غذائيا. الزراعة مسألة اجتماعية بيئية تعنى بها 200 ألف عائلة لبنانية. وتساهم بتحسين الواقع الغذائي والاكتفاء الغذائي لعائلات فقيرة خاصة في الأرياف. وهنا اود التذكير بقانون زراعة القنب الهندي وضرورة إقرار مراسيمه التطبيقية لأهميته الاقتصادية والطبية والصناعية ولدوره في خلق فرص عمل وتحريك الاقتصاد وتنمية المناطق المعنية.
يتكلم البيان عن تطوير الصيد البحري: للصيادين أو لكبار التجار؟ لمن؟ كيف؟
وربطا بالزراعة طالعنا البيان بفكرة هي استبدال وزارة المهجرين بوزارة التنمية الريفية اعتقد ان الديناميات الاجتماعية في لبنان وعلاقة المدن بالريف تفرض مقاربة مختلفة. وكان الاجدى تحويل وزارة الزراعة الى وزارة الزراعة والتنمية الريفية.
في الصحة بالإضافة الى ما ذكر في البيان لا بد من استراتيجية عامة لإصلاح القطاع الصحي ترتكز على اصلاح انظمة المستشفيات الحكومية ومجالس إداراتها من ضمن مشروع متكامل للحوكمة وترشيد الانفاق وبالتعاون مع القطاع الخاص لوضع الاسس للتغطية الصحية الشاملة، لا بد من التعاطي مع الصحة على انها حق وليس سلعة وعلى تعزيز الرعاية الصحية الأولية كممر الزامي لتمتع اللبنانيين برفاهية وصحة جيدة ولترشيد الانفاق على الاستشفاء والحد من الامراض المعدية والامراض المزمنة بغية تسريع الوصول للتغطية الصحية الشاملة. وأود أن الفت نظر الجميع الى أهمية وصول خدمات ومستلزمات الصحة الجنسية لكل النساء والفتيات في لبنان وتأمين ما يلزم للصحة الانجابية خاصة ان هناك مؤشر خطير لم نشهده منذ سنوات وهو ملاحظة ارتفاع بسيط في نسبة وفيات الامهات. ان هذا المؤشر يجب ان يحضر بقوة عند صانعي القرار لما له انعكاسات اجتماعية كبيرة وخطيرة إذا لم يتم تداركه وعلاج اسبابه.
في الإصلاح الاداري والحكومة الالكترونية كنت أفضل استعمال تعبير التحول الرقمي بدل الحكومة الإلكترونية وأن يتم التعاطي مع هذا العنوان من خلال نظرة مفاهمية عامة لعملية الاصلاح ومكافحة الفساد وتعزيز الشفافية في الدولة. إن رافعتي الاصلاح والحوكمة والشفافية هو ما تم إنجازه في وزارة التنمية الادارية في العام 2018 من استراتيجية مكافحة الفساد ومخططها التنفيذي التي أقرت في حكومة الرئيس حسان دياب وقد أقر مجلس النواب مجموعة من قوانين مكافحة الفساد التي تشكل المخرج الأول من المخطط التنفيذي (حق الوصول الى المعلومات ومكافحة الفساد وتشكيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والاثراء غير المشروع وحماية كاشفي الفساد). هذه الحكومة عليها ان تستكمل المراسيم التطبيقية لهذه القوانين وتحضير البنية اللازمة لوضعها موضع التنفيذ.
كان يجدر بالبيان الوزاري التعهد بالعمل على تطبيق الاستراتيجية ومخططها التنفيذي وليس فقط الاكتفاء بالإشارة الى قانون مكافحة الفساد. فالاستراتيجية تشكل منظومة متكاملة وقائية وعقابية وتؤمن مقاربة قطاعية لمكافحة الفساد.
الرافعة الثانية للإصلاح ولتطوير النظام الاقتصادي ولاستعادة الثقة هي:
الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي والتي تم انجازها بمواكبة ودعم من البنك الدولي الذي اطلع فريق منه على العمل ومول مراجعتها من قبل خبراء دوليين ولكن للأسف لم يتم وضعها على طاولة مجلس الوزراء.
اتمنى من هذه الحكومة وضع هذه الاستراتيجية ضمن جدول اعمالها. هذه الاستراتيجية تساهم في استعادة ثقة المواطن بالدولة من خلال تقديم الخدمات الكترونيا وبشفافية. وتحسن بيئة الاعمال والاستثمار وتستعيد ثقة المستثمرين وتمكن ادارة الدولة من تتبع الاموال والفت الانتباه الى ان الحكومة اللبنانية كانت ارفقت ملفات مؤتمر سيدر بملخص عن هذه الاستراتيجية التي كانت في طور الاعداد آنذاك كإثبات على نواياها بالإصلاح وتطوير الادارة والاقتصاد اللبنانيين. لو اننا وضعنا البنى التحتية لهذا المشروع لكنا وفرنا على أنفسنا الكثير من المشاكل.
المطلوب ايضا عندما نذكر استراتيجية الامن السايبيري ان لا نكون نتحدث عن استراتيجية منفصلة لان معايير الامن السابيري يجب ان تكون جزءا لا يتجزأ من الاستراتيجية. لان مبدأ التجزئة يعتبر نقطة سلبية لا تشجع الممولين والمستثمرين على التعاطي معنا بجدية من اجل تنفيذ هذا المشروع.
ومع ذلك سألت مؤخرا مسؤولا كبيرا في البنك الدولي خلال زيارتهم الاخيرة الى لبنان عما إذا كان البنك لا يزال مستعدا لدعم هذه الاستراتيجية فأكد على موقفهم الايجابي وعلى استعدادهم لتقديم رزمة من الحوافز عند اقرار الاستراتيجية واشير هنا ايضا الى ان عددا من الذين ساهموا بوضع الاستراتيجية وهم من خيرة اللبنانيين المختصين في هذا المجال مستعدون اليوم ايضا لتقديم اي مساعدة مطلوبة. وانا اتوجه الى معالي الوزيرة وأبدي استعدادي للتنسيق والتعاون في هذا المجال.
في التربية، ما ورد في البيان يتضمن نوايا طيبة وجيدة ولكن كان من المفيد الاشارة الى نية ادخال الابتكار الرقمي في المناهج التربوية واعتقد ان هناك استعدادا من قبل جهات دولية لدعم وتمويل هذه البرامج في ظل تطور تعليمي كبير في العالم والثورة الصناعية الرابعة والخامسة. ان تأمين فرص عمل للأجيال القادمة مرهون بإدخال الابتكار الرقمي في البرامج التربوية.
دولة الرئيس
لقد أطلقت في أكثر من مناسبة دعوتك المستمرة لبناء دولة مدنية واعتبرت أن المدخل الاساسي لذلك هو قانون انتخابي قائم على اساس لبنان دائرة انتخابية واحدة أو دوائر كبرى مع نسبية ودون قيد طائفي، الى جانب إنشاء مجلس الشيوخ الذي يحفظ حقوق الطوائف.
واليوم وقبل 8 أشهر على موعد الانتخابات النيابية التي تعهدت الحكومة في بيانها الوزاري باحترام المواعيد الدستورية لها والتزمت بإجرائها. واسمحوا لي هنا ان احذر من تحويل الحكومة الى ساحة تجاذب وشد حبال وممر نحو تحسين الاوضاع الانتخابية لان هذا يعني هدرا للفرصة وقتلا للأمل.
نجدد الدعوة في كتلة التنمية والتحرير لإنجاز هذا القانون الانتخابي الذي يستجيب لأمال كل مواطن سواء خرج الى الطرقات او التزم منزله وكل مواطن بحث عن وطن ودولة تليق بمستقبل اولاده ولكل مواطن يرغب بالعيش الكريم ويريد العدالة والمساواة والدولة القوية.
فهل تتلقف الكتل النيابية هذه الارادة الوطنية في العبور نحو الدولة المدنية وتستجيب لرغبات المواطنين عبر اقرار قانون انتخابات جديد يشكل نقطة البداية في الاصلاح الحقيقي والجدي والبنيوي ويقود نحو التغيير الفعلي نحو الدولة القوية التي نستعيد معها جميعنا قدرتنا على الحياة الكريمة والعزيزة.
قبل ان اختم لا بد ومن هذا المنبر الذي يمثل لبنان كل لبنان من الدعوة الى صدور توصية من المجلس النيابي تلزم السلطة التنفيذية اتخاذ كافة الاجراءات من اجل منع العدو الاسرائيلي من القيام بالتنقيب عن النفط في المناطق التي يعتبرها لبنان جزءا من مياهه الاقليمية وهذا اقل واجبات السلطة في حفظها للسيادة الوطنية. النفط الذي يشكل بارقة امل جدية للنهوض الاقتصادي يجب ان يكون عنوانا للوحدة الوطنية وقاسما مشتركا على مستوى القرار اللبناني لدى مختلف الجهات والقوى السياسية. وان لا يخضع للتجاذبات الداخلية ما يساهم بإضعاف موقفنا الوطني امام العدو.
والمطلوب اليوم قبل الغد الاستفادة من كافة الفرص والخيارات من اجل التنقيب عن النفط في مياهنا الاقليمية وعدم اتخاذ خيار احادي على مستوى الشركات. اي شركة توفر الشروط المطلوبة وتبدي استعدادها للتنقيب وفق الارادة الوطنية اللبنانية لا بد من فتح المجال لها من اجل تحقيق هذا الانجاز الوطني.
دولة الرئيس
انطلاقا من قناعتنا بضرورة اعطاء الحكومة الفرصة الكاملة للعمل نؤكد اننا من موقعنا النيابي نمد اليد لها للعمل سويا ولنواكب ادائها التنفيذي بما تحتاجه من قوانين.
ان الثقة التي ستنالها الحكومة اليوم هي مسؤولية علينا جميعا لأننا في مركب واحد وعلينا السعي جميعا وبشتى الوسائل لإنقاذه وغير ذلك يعني غرقنا جميعا لا سمح الله
فليكن الله بعوننا والله ولي التوفيق.