تحت هذا العنوان، غرق اللبنانيون طيلة نهار أمس في فكّ أحجية رفع الدعم من عدمه على المحروقات، على وقع تضارب الأنباء والتصريحات المتصلة بهذا الملف، فاندلعت حرب “حرق أعصاب” مستعرة بين تأكيدات علنية من المعنيين بالقطاع على كون رفع الدعم دخل عملياً حيّز التطبيق وأنّ المخزون المدعوم شارف على النفاد، وبين تنصّل مصرف لبنان من أي صلة له أو دور في عملية تحديد سياسة الدعم مع تشديده على الاستمرار في بيع الدولارات للمحروقات وفق السعر المتفق عليه، ربطاً بتحديد السعر المدعوم على أساس معدل 8000 ليرة للدولار على أن تتحمل الحكومة الفارق عن سعر السوق من ميزانيتها، وهي الصيغة التي على أساسها أعطى موافقات مسبقة لفتح اعتمادات لغاية 200 مليون دولار لشراء المحروقات.
وبين تأكيد هذا ونفي ذاك، اشتدّت حدّة السجالات والتساؤلات حول مصير أزمة المحروقات فكانت النتيجة تقاطعاً في الأدلة والوقائع مفاده أنّ مسار الدعم الحالي لن يصمد لغاية نهاية أيلول، بحيث أكدت مصادر عليمة أنّ مصرف لبنان لن يفتح مزيداً من الإعتمادات بالعملة الصعبة لبواخر البنزين، بمجرد انتهاء اعتماد الـ225 مليون دولار المخصص للمحروقات، بينما المخزون الموجود في السوق المحلية راهناً لا يكفي لأكثر من منتصف الشهر… ما يشكل توطئة قسرية لرفع الدعم تحت وطأة حاجة المواطنين الملحة للوقود، حتى أن معظمهم باتوا يتضرعون وينتظرون بفارغ الصبر إعلان رفعه لوقف مسلسل الإذلال والابتزاز الذي يعايشونه على أبواب المحطات، في حين أنّ تسعيرة صفيحة البنزين في السوق السوداء باتت تناهز الـ500 ألف ليرة أي ما يفوق السعر الذي ستسجّله عند رفع الدعم نهائياً والذي يقدّر بقيمة 336 ألف ليرة للصفيحة.
وأوضح عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات جورج البراكس لـ”نداء الوطن” أن ”الإعتماد الذي خصصته الدولة لدعم المحروقات نفد مبدئياً، والمبلغ المتبقي يمكن أن يفتح اعتماداً لباخرة أو باخرتين، ومن هنا قلنا إنّ الدعم سيُرفع ولن يستمرّ لغاية نهاية أيلول”، مؤكداً أنّ “مصرف لبنان ليس من يقرر رفع الدعم لأن الفروقات تتحمّلها خزينة الدولة ووزارة المال”، وأردف تعليقاً على ما يحكى عن استمرار مسار الدعم: “المعادلة بسيطة، إذا أعطى مصرف لبنان الموافقة على فتح اعتمادات يكون الدعم مستمرّاً، واذا لم يعط الموافقة يتوقف الدعم تلقائياً ويتمّ بيع الدولار وفق سعر السوق السوداء أو يتم التوصل إلى آلية أخرى لشراء المحروقات”.
وحول نفاد مبلغ الـ225 مليون دولار المخصص ليس فقط للمحروقات بل للكهرباء أيضاً، لم تستبعد مصادر مطلعة لـ”نداء الوطن” أن يتم استخدام المتبقي من مبلغ الـ200 مليون دولار المخصص للدعم لفتح اعتمادات جديدة من مصرف لبنان للشركات الخاصة”. وفي هذا الإطار، أكّد نقيب أصحاب الشركات المستوردة للنفط جورج فياض أنه “من المفترض أن يعطي المصرف المركزي الموافقة على باخرتي بنزين تنتظران في البحر، وأن يفتح الإعتماد اللازم للمباشرة في عملية التفريغ”.
أما بالنسبة إلى المازوت، فأوضح فياض أنّ “الوضع يختلف كون وزارة الطاقة أجازت الإستيراد للأفراد، محدّدة جدولاً لتسعيرة الإستيراد والتصدير بقيمة 540 دولاراً لكل ألف ليتر وفق التسعيرة الأخيرة المعتمدة”. وأضاف: “من هنا إذا لم يفتح مصرف لبنان إعتماداً لباخرة المازوت المتوقع قدومها خلال أيام، يمكن إدخالها مع احتساب سعر صرف الدولار وفق السوق السوداء”، لافتاً الى أن “هذا الأمر لا ينطبق على باخرة البنزين المستوردة كون وزارة الطاقة لم تعط الموافقة على ذلك ولا يوجد تسعيرة رسمية محدّدة لاحتساب كلفتها على أساس سعر السوق السوداء”.
وعشية انعقاد مؤتمر الأردن اليوم لبحث الآليات التنفيذية والتقنية اللازمة لتأمين نقل الغاز المصري إلى لبنان عبر الأردن وسوريا لأغراض توليد الكهرباء، استرعى انتباه المراقبين مسارعة دمشق إلى “تقريش” عملية إمداد لبنان بالكهرباء عبر أراضيها، من خلال تحديد وزير الطاقة السوري غسان الزامل كلفة إصلاح خط الكهرباء الذي يربط بين الأردن وسوريا وصولاً إلى لبنان، بقيمة “تتجاوز 12 مليار ليرة سورية”، بالإضافة إلى الحاجة لإصلاح ما نتج من أضرار جراء “تدمير نحو 80 برجاً على هذا الخط بكلفة تفوق 6.9 مليارات ليرة سورية”، مع إشارته إلى أنّ “تنفيذ أعمال التأهيل والصيانة يحتاج ما بين شهرين إلى أربعة أشهر من لحظة بدء العمل الفعلي لأعمال إعادة التأهيل”.
توازياً، وفي إطار المساعي الأميركية لمنع انهيار المؤسسات الفاعلة في لبنان، برز الإعلان مساءً عن توقيع الرئيس الأميركي جو بايدن مذكرة رئاسية تسمح لوزير الخارجية أنتوني بلينكن بمنح الجيش اللبناني “مساعدات فورية بقيمة سبعة وأربعين مليون دولار”، موزّعة وفق ما جاء في المذكرة بين ما قيمته “25 مليون دولار من السلع والخدمات من مخزون وموارد أي وكالة تابعة لحكومة الولايات المتحدة، وتخفيض تكلفة تصل إلى 22 مليون دولار على المواد والخدمات الدفاعية من وزارة الدفاع”.