أحيت مؤسسات العلامة السيد محمد حسين فضل الله الذكرى ال11 لرحيله، باحتفال أقامته في قاعة الزهراء في مجمع الحسنين في حارة حريك، بدأ بتلاوة آيات من القرآن، ثم قصيدة للشاعر الدكتور محمد علي شمس الدين، فنشيد من وحي المناسبة قدمه اطفال المبرات.
فضل الله
ثم تحدث العلامة السيد علي فضل الله وقال:”لم نرد في هذه الذكرى تجديد الحزن، هذا الحزن الذي لم يخب ولم ينطفئ، ما زلنا نعيشه حارا منذ أن غاب السيد، فهو كان بالنسبة إلينا الأب والموجه والمربي والباعث فينا الحياة، وراعي طموحاتنا وآمالنا وأحلامنا”.
أضاف:” لقد كان السيد استشرافيا ورؤيويا، هذا لأن السيد لم يكن في فكره صدى للسائد أو المشهور وحتى الإجماع، ولم يخضع في قراراته ومواقفه للأمر الواقع، ولم يحصر فكره بالزمن الذي عاش فيه، كان مستقبليا يرى في المستقبل سعة ورحابة ومحط طموحاته ومنهل أفكاره التي قد لا يستطيع الواقع المتخلف هضمها أو تحملها”.
وأشار إلى “دعوة السيد فضل الله لعدم الجمود في فهم النص وتطوير آليات الاجتهاد، لأنه أراد للدين أن يلبي احتياجات الإنسان ومتطلباته في هذا العصر، فلا يكون خارجه ولا يراه الملتزمون عبئا عليهم ومشكلة، فرحلة استكشاف الدين والتعرف إليه لا تتطلب استنساخ أفهام الماضين، بقدر ما تتطلب سبر أغوار النص وظروفه ومعطيات الاجتماع والسياسة، ومقاربة هذا النص في الظروف الجديدة”.
وأكد أن “الاجتهاد عند السيد لم يكن صنعة، بل كان نمطا عقلانيا وأسلوب حياة وتفكيرا عميقا في الماضي لأجل المستقبل، كما كان سباقا عندما عمل على مأسسة عمل الخير، وهذا شكل نقلة نوعية في مقاربة حوائج الناس فكانت المأسسة تقديرا منه أن الخير يتواصل ويتكامل، ويجب ألا يكون رهينة مبادرات فردية تحضر يوما وتغيب يوما”، مشددا على أن “السيد فضل الله كان إطفائيا للتوترات وداعيا إلى الوحدة الإسلامية والوطنية، وعدم الانصياع لمن ينشرون الهواجس بين الطوائف والمذاهب وبين دول العالم العربي والإسلامي”.
وقال:”أما فلسطين، فقد كانت بالنسبة إليه البوصلة، وعنوانا جامعا للأمة وموحدا لها، ومعبرا عن قيمها في العدالة والحرية للشعوب، وأمامها تسقط كل القضايا الصغيرة والهامشية ولا يزال قوله يتردد: لن أرتاح إلا عندما تعود فلسطين إلى أهلها”.
وتابع:”أما لبنان، فقد كان رؤيويا عندما كان يرى فيه عنوانا للتنوع الديني وللقيم الأخلاقية التي هي عنوان كل الأديان، وكان يرى فيه منطلقا للحوار، لكنه لطالما حذر من أن يضيع في المتاهات الطائفية. فقد كان يرى أن الطائفية ليست دينا، هي تجمع بشري يعنون بعنوان الدين ولا يحمل قيمه، هي مرض لبنان العضال، فمنها تنبعث شرارة تهديد السلم الأهلي، ومنها تنبعث المحاصصات وعمليات نهب المال العام، وبها يحتمي الزعماء الفاسدون وحاشيتهم من العقاب، وبسببها تنطلق التحالفات مع الخارج على حساب الوطن. وفي مواجهة ذلك كان يريد أن يؤنسن الوطن، ليعيش الإنسانية في علاقات أبنائه وطوائفه بعضهم ببعض، فدعا إلى دولة المواطنة، دولة الإنسان على حساب النظام الطائفي الذي كان عرفا ثم صار قانونا. ولقد تحدث السيد فضل الله كثيرا عن ضرورة مواجهة الفساد الذي يتلطى خلف الشعارات الطائفية والمذهبية ويستفيد من مناخاتها، حتى كاد يتحول الفساد إلى ثقافة عامة، تماما كما أشار الإمام علي عندما اعتبر أن فساد العامة هو من فساد الخاصة”.
وأضاف:”كان يخاف كثيرا على مستقبل لبنان، وكان يحذر من أن ينجح الفاسدون في مواجهة أي حركة إصلاحية، فيقول:”ان كل حركة لمواجهة الفساد الداخلي لن يكتب لها النجاح إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه في هذه الحمى العشائرية والمذهبية والطائفية التي يسهر الكثيرون على حمايتها ورعايتها، على حساب البلد وأمنه الاجتماعي والسياسي ومستقبل أجياله. وقد كان سباقا عندما أراد للبنان أن يكون قويا، ولذلك كان سندا للمقاومة عندما تحملت مسؤوليتها في مواجهة الاحتلال وشكلت معلما من معالم قوة في هذا البلد وركنا من أركان المجتمع اللبناني، تحميه من الاعتداءات الصهيونية وتشكل توازن الرعب الذي منع ويمنع العدو من ارتكاب مغامرات جديدة في لبنان”.
وختم:”لقد صنع السيد فضل الله مستقبلا لنا، فلنعمل على أن نصنع مستقبلا للأجيال المقبلة عندما قال: أريدكم ألا تستغرقوا بهوامش الحاضر ولا بصغائره بل كونوا مستقبليين. نقف جميعنا في هذا اليوم لنعاهدك على ما دعوتنا إليه ولن نخذلك مهما كانت الصعوبات والتحديات وتحت ظلال فكرك وروحك سنتمكن من تجاوزها”.