} د. علي سيد
نهاية الدول والأمم لا تحدث بين ليلةٍ وضحاها، الدول تهرم وتمرض وتشيخ ثم تموت وهذا حال دولة الكيان الصهيوني فإنّ بداية نهايته قد انطلقت من داخل الكيان ومن التخبّط السياسي والخلافات الكثيرة التي تعصف به، والأهمّ من ذلك وقوف محور المقاومة وخاصةً الجمهورية الإسلامية في إيران إلى جانب القوى الفلسطينية المقاومة ودعمها بشتى الوسائل العسكرية المتاحة، فقد ولّى زمن الحجارة وبدأ زمن الكورنيت والصواريخ التي تدكّ تل أبيب والقدس وبئر السبع والعمق «الإسرائيلي» وكلّ هذه الهجمات تنطلق من داخل فلسطين، أيّ من غزة والكيان، والعالم يعلم من قام بتزويد وتهريب تلك الصواريخ إلى غزة.
بضعة صواريخ أصابت العدو الصهيوني في مقتل وأربكته وأجبرته على إلغاء مناوراته، الحديث داخل الكيان عاد إلى 2006 وبدأ المستوطنون يفكرون بمغادرة الكيان إلى الولايات المتحدة وأوروبا حيث الأمان وموطن أجدادهم ومن هنا تبدأ نهاية الكيان المغتصب.
لقد بدأنا نقرأ في الصحف «الإسرائيلية» عناوين مثل «إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة» (هآرتس) والذي ورد فيه (يجب توديع الأصدقاء والانتقال إلى سان فرانسيسكو أو برلين أو باريس، يدرك الإسرائيليون أن لا مستقبل لهم في فلسطين، فهي ليست أرضاً بلا شعب كما كذبوا، يبدو أننا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ، ولا حلّ معهم سوى الاعتراف بحقوقهم وإنهاء الإحتلال)، لقد بدأ الكتّاب وبعض المفكرين الصهاينة الاعتراف ليس بوجود الشعب الفلسطيني فقط بل بتفوّقه على «الإسرائيليين».
بداية الحلّ ستكون من التفاهم
تفاهم وقف إطلاق النار «الإسرائيلي» اللبناني الذي عُرف أيضاً باسم «تفاهم نيسان» بعد ما سُمّي عملية «عناقيد الغضب» كان اتفاقاً مكتوباً غير رسمي بين «إسرائيل» وحزب الله، تمّ التوصل إليه نتيجة جهود دبلوماسية قام بها وزير خارجية الولايات المتحدة آنذاك وارن كريستوفر، الذي زار الرئيس الراحل حافظ الأسد أكثر من مرة، إلى أن تمّ التوصل للاتفاق الذي أنهى صراع 1996 العسكري بين المقاومة و»إسرائيل»، وأعلن الاتفاق في 26 نيسان 1996.
بموجب الاتفاق، اتفق الجانبان على إنهاء الهجمات عبر الحدود على أهداف مدنية، كذلك الامتناع عن استخدام القرى المدنية لشنّ هجمات.
أما أبرز تلك النقاط فهي:
1 – ألا تنفذ الجماعات المسلحة في لبنان هجمات بصواريخ الكاتيوشا أو بأيّ نوع من الأسلحة على «إسرائيل».
2 – ألا تطلق «إسرائيل» والمتعاونون معها النار بأي نوع من الأسلحة على مدنيين أو أهداف مدنية في لبنان.
3 – إضافة إلى ذلك، يلتزم الطرفان ضمان ألا يكون المدنيون في أيّ حال من الأحوال هدفاً لهجوم وألا تستخدم المناطق المأهولة بالمدنيين والمنشآت الصناعية والكهربائية كمناطق لشنّ هجمات منها.
هذه باختصار بنود تفاهم نيسان 1996، والتي كانت البداية لاعتراف الكيان الصهيوني بقوة الردّ للمقاومة اللبنانية وبداية توازن الرعب على قاعدة «إنْ عدتم عدنا» لنشهد بعد هذا الاتفاق في خلال 4 سنوات اندحاراً «إسرائيلياً» من لبنان بتاريخ 25 أيار 2000، وهنا بيت القصيد، فالتفاهم كان البداية والمقدّمة للاندحار والهروب.
تشابه الظروف والوقائع
أصبحت غزة الأبية والمدعومة من محور المقاومة رأس حربة في مواجهة الكيان الصهيوني ودرع القدس والضفة وكافة الأراضي المحتلة، فالتحرير لا يصنعه التباكي والمساومات، ولا أوسلو ومدريد بل دماء الشهداء ومواجهة العدوان باللغة التي يفهمها.
بالرغم من الخسائر التي تكبّدها لبنان في عدوان نيسان 1996 حوالي 170 شهيد و350 جريح، وأكثر من 1100 غارة جوية وقصف شامل (حوالي 25132 قذيفةَ)، فقد أسّس هذا التفاهم لتوازن الرعب وللتحرير الكامل.
كان لتفاهم نيسان 1996 هذا البعد الإستراتيجي الذي وضع الإطار الأنسب لعمليات المواجهة والمقاومة ضدّ الاحتلال، أولاً لناحية حصر الصراع قدر الإمكان بالعمليات العسكرية بعيداً عن المدنيين، والأهمّ من كلّ ذلك أنه من خلال هذا التفاهم، أُجبِر المجتمع الدولي، ممثلاً بالدول الأطراف، في لجنة التفاوض قبل التفاهم، ولاحقاً في لجنة مراقبة تنفيذه، على الاعتراف ولو بطريقة غير مباشرة، بأنّ المقاومة هي الطريق الأنسب للتحرير من الاحتلال، في ظلّ تقاعس أو تواطؤ أو تخاذل مجلس الأمن ومؤسسات الأمم المتحدة عن تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وهذا ما نتوقعه أن يحدث بين المقاومين في غزة والكيان بعد تدخل الوسطاء وبعد جولات عسكرية عنيفة بين الطرفين.
ستشهد وربما بدأنا نرى التخبّط والخلافات بين مختلف الأحزاب والتيارات داخل الكيان ورمي التهم والمسؤوليات بين قادته والتي ستقود حتماً إلى مزيد من الشرخ داخل المجتمع «الإسرائيلي» مما سيؤدّي إلى بداية تفككه وانهياره من الداخل تزامناً مع ضربات المقاومة الموجعة والتي لا حدود لها.
أما في المشهد الفلسطيني فإنّ ما نشهده هذه الأيام من ضرب للعمق «الإسرائيلي»، فهو بالطبع سيؤسس لمرحلة جديدة من الصراع الفلسطيني – «الإسرائيلي» وسيجعل غزة ومن وراءها محور المقاومة والممانعة الرقم الصعب في أيّ اتفاق أو تفاهم على مستوى القضية الفلسطينية وستثبت دماء المقاومين وصمود الفلسطينيين بأنّ الاتفاقيات التي أبرمت منذ سنوات لم تعد صالحة وأصبحت بحكم المنتهية الصلاحية وأن من يمسك الحل والربط على الساحة الفلسطينية هم جيل الصواريخ والعبوات والتكتيك العسكري فقط وطبعاً من وراءهم قيادة ثورية لا تساوم بل تقاوم.