من دون أي اختراق، أنهى وزير الخارجية الفرنسي زيارة لبيروت، وجه خلالها رسالة واضحة بأن باريس تدعم الشعب اللبناني، لكنها ضاقت ذرعاً بالنخبة السياسية التي تقاعست عن الالتزام بتعهداتها، وأن صبر فرنسا بدأ ينفد في ظل تعثر محادثات تشكيل الحكومة الذي أدى لتفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد.
لا نتائج ملموسة لزيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى لبنان أمس. كانت الخطوة تعبيراً عن نوع من استخدام “الطلقة” الفرنسية الأخيرة لإنجاح المبادرة، لكن فرنسا تعلم أن الاستعصاء اللبناني عصيّ على الحلّ في هذه المرحلة، لذلك أصر لودريان على عقد لقاءات مع مجموعات معارضة من المجتمع المدني، والتي أطلق عليها اسم “قوى التغيير السياسي”، أو القوى السياسية البديلة، في رسالة واضحة أرادت باريس إيصالها إلى الطبقة السياسية اللبنانية بأنها لم تعد تعوّل عليها.
وهنا يظهر التغير الكبير في المسار الفرنسي الذي كان منذ إطلاق المبادرة الفرنسية يسعى إلى إعادة إنتاج وتعويم الطبقة السياسية ذاتها بناء على تسوية يتم الوصول إليها، أما وقد فشلت المحاولة فأصبح لا بدّ من التعاطي مع القوى الأخرى، في الوقت الذي تستعد الدوائر الفرنسية للبدء بتنفيذ سياسة العقوبات على شخصيات سياسية وشخصيات متهمة بالفساد.
وفق ما تكشف مصادر فرنسية، فإنّ لائحة العقوبات هذه كان قد تم العمل عليها منذ نحو سنتين وتطال شخصيات لبنانية محسوبة على القوى السياسية، ولكنها متهمة بالفساد، في ملفات الكهرباء والمقاولات وغيرها من المشاريع، تلك اللائحة سيتم توسيعها بعد فشل زيارة لودريان وسيتم وضعها موضع التنفيذ، وستتخذ أشكالا متعددة أولها منع السفر عن المسؤولين اللبنانيين إلى فرنسا، وتجميد أموال وحسابات لرجال أعمال ومقاولين.
أصبحت الأزمة اللبنانية متشعبة جداً ومرتبطة بكل التطورات الحاصلة في المنطقة. رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه وصهره جبران باسيل يحاولون تجيير هذه التطورات لمصلحتهما في مواجهة سعد الحريري، خصوصاً بعد تعويلهما على احتمال نجاح المفاوضات الإيرانية السعودية في العراق، وما نقل عن زيارة سعودية إلى سوريا، إضافة إلى معلومات أخرى كُشفت لـ”الجريدة” عن زيارة سرية أجراها وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى السعودية في الأيام الماضية. يستعجل باسيل وعون قطف ثمار هذه التطورات من خلال محاولة قطع الطريق على الحريري ودفعه إلى الاعتذار.
ولكن وفق ما تؤكد مصادر قريبة من الحريري فهو باق في موقفه ولن يتنازل أو يتراجع أو يعتذر. وتؤكد المعلومات أن الحريري عندما لوّح بالاعتذار، فكان لدى تواصله مع المسؤولين الفرنسيين لتعبيره عن رفض التعاطي الفرنسي مع كل القوى اللبنانية بنفس الطريقة ونفس التوجه، فهو اعتبر أنه أكثر من سهّل المبادرة الفرنسية، بينما عون وباسيل يعرقلانها، وبالتالي لا يمكن معاملة الجميع بالطريقة نفسها.
خلال الاتصالات بين الفرنسيين والحريري، أكدت المعلومات أن الأخير أبلغ المسؤولين الفرنسيين بأنه في حال كانوا يعتبرونه معرقلاً فهو جاهز للتنحي ليثبت لهم مَن هو المعرقل الحقيقي، إلا أنّ الموقف الفرنسي أبدى تفهّمه لموقف الحريري، على الرغم من الاختلاف على نقطة أساسية وهي رفض الرئيس المكلف المبادرة الفرنسية لجمعه مع جبران باسيل. في الخلاصة، لا يبدو أن هناك إمكانية لتسجيل أي خرق، طالما أن كل القوى لا تزال على مواقفها. وبحسب ما تكشف المعلومات، فإن الحريري تلقى نصائح خارجية واتصالات طالبته بعدم الاعتذار أو التنازل.