كتب داود رمال في وكالة “أخبار اليوم”:
هل نحتاج بعد انقضاء الفترة الزمنية لإعلان حال الطوارئ المحصورة ببيروت الكبرى الى تمديدها وربما توسيعها لتشمل كل لبنان؟
ربما هذا السؤال مدعاة للاستغراب عند البعض، ولمزيد من الاستفهام عند البعض الآخر، وربما للتهكم عند آخرين، لكن الحقيقة تقول ان الطبقة السياسية الحاكمة اذا فوّتت الفرصة الدولية عبر الادارة الفرنسية باستنقاذ لبنان من الكوارث التي يتخبط فيها، سيصبح لبنان امام واقع كارثي خطير جدا ومسرحا لفوضى مجنونة غير مسبوقة بعد ما صار كل شيء مرهونا لكارتيل الفساد الذي يتعامل مع الشعب كعبيد وكعدو.
وعند ذهاب مجلس الوزراء الى اعلان حال الطوارئ في بيروت بعد انفجار المرفأ، تبين ان كثيرين لا يعلمون ماذا يعني ذلك، لا من الناحية القانونية ولا من الناحية العملانية، لذلك لا بد من توضيح نقاط اساسية في هذا المجال طالما ان الامور في لبنان مفتوحة على كل الاحتمالات.
نصّت الفقرة الخامسة من المادة 65 من الدستور اللبناني على “ان مجلس الوزراء يجتمع دوريا في مقر خاص ويترأس رئيس الجمهورية جلساته عندما يحضر. ويكون النصاب القانوني لانعقاده أكثرية ثلثي اعضائه، ويتخذ قراراته توافقيا، فاذا تعذّر ذلك فبالتصويت، ويتخذ قراراته بأكثرية الحضور, اما المواضيع الاساسية فانها تحتاج الى موافقة ثلثي عدد اعضاء الحكومة المحدد في مرسوم تشكيلها، ومن المواضيع الاساسية: تعديل الدستور، اعلان حال الطوارئ والغاؤها، قرار الحرب والسم، التعبئة العامة، الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، الموازنة العامة للدولة، الخطط الانمائية الشاملة والطويلة المدى، تعيين موظفي الفئة الاولى وما يعادلها، اعادة النظر في التقسيم الاداري، حل مجلس النواب، قانون الانتخابات، قانون الجنسية، قوانين الاحوال الشخصية واقالة الوزراء”.
ويتبيّن أن إعلان حال الطوارئ والغاؤها حلّت ثانيا بعد تعديل الدستور وهذا يدل على اهميتها وخطورتها، فجاءت المادة الثانية من المرسوم الاشتراعي رقم 52 تاريخ 5 آب 1967 لتؤكد على ان اعلان حال الطوارئ او المنطقة العسكرية في جميع الاراضي اللبنانية او في جزء منها يجب ان يتم بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء على ان يجتمع مجلس النواب للنظر في التدابير في مهلة ثمانية ايام وان لم يكن في دورة الانعقاد، فان لم يوافق على اعلان حال الطوارئ او المنطقة العسكرية اعتبرت هذه التدابير لاغية، وتعلن حال الطوارئ عندما تتعرض البلاد الى خطر كبير ناتج عن حرب خارجية، او ثورة مسلحة، او اضطرابات تهدد الامن العام والنظام، او عند وقوع احداث تأخذ طابع الكارثة؛ على ان تتولى السلطة العسكرية العليا المحافظة على الامن بمساعدة كافة الاجهزة الامنية التي يحق لها اتخاذ تدابير يفترض انها تقيد حقوق الانسان، من خلال منحها صلاحيات اضافية لفترة مؤقتة يحددها القانون.
وفي نظرة سريعة على شروط إعلان حال الطوارئ يتبين أيضا، ان العديد منها متوفر في الواقع اللبناني، ولكن ما يجدر التوقف عنده هو الاضطرابات التي تهدد الامن العام والنظام، وهذا الامر اشبه بجمر تحت الرماد يتمظهر في مناسبات عديدة لا سيما ما يشهده وسط بيروت عند كل دعوة للتجمع من اعمال شغب واعتداء ممنهج على الاملاك العامة والخاصة والاعتداء على القوى العسكرية والامنية وصولا الى عمليات قطع الطرق في مناطق عديدة والاعتداء على المواطنين والتي تنذر بعواقب خطيرة.
واذ يحدد القانون النتائج المترتبة لإعلان حال الطوارئ على الصعد العسكرية والحريات والقضاء، وهي نتائج واسعة وشاملة على مستوى الصلاحيات وتنفيذها، فان تمنّع القوى السياسية عن الاستجابة الى المبادرة الدولية الجديدة لاستنقاذ لبنان، سيضع الشعب اللبناني امام خيار لا بديل عنه وهو الخروج على الطبقة السياسية لاسقاطها، الا ان الخطورة تكمن في احتمال ان يكون الغضب الشعبي غير منظّم وبالتالي تذهب الامور الى فوضى عارمة، تغتنمها جهات معادية لا سيما الارهابية منها للدخول على الخط وتحويل الامور الى مسارات مؤلمة وربما دموية.
من هنا، تتقدم اولوية حماية المصالح الوطنية العليا والحفاظ على مؤسسات الدولة وصون الوطن والشعب على اي اولوية اخرى، وكل ذلك سيفرض واقعا جديدا يتمثل بإعلان حال طوارئ شاملة تؤمن الحفاظ على الاستقرار والسلم الاهلي وتوفّر للارادة الشعبية التعبير عن خياراتها في عملية انتقال سلمي وسلسل للسلطة بلا معاندة او مكابرة وحقنا للدماء، مع التأكيد على المحاسبة لتثبيت حق الشعب واستعادة كل ما نهب من الدولة ومؤسساتها.