كتبت صحيفة النهار تقول: باستثناء العامل الجديد الذي طرأ مع تحريك ملف مفاوضات ترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان وإسرائيل وعودتها في الأيام القليلة المقبلة، والذي كشفته “النهار” امس، تتجه البلاد الى جمود سياسي ممدد مع العطلة الطويلة التي تبدأ اليوم وتنتهي الثلثاء المقبل لمناسبة عيد الفصح لدى الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الشرقي وكذلك لمناسبة عيد العمل. واذا كانت معطيات تناولت في اليومين الأخيرين جهودا ومشاورات ناشطة جديدة بين بكركي و”بيت الوسط ” عقب عودة الرئيس المكلف سعد الحريري الى بيروت حول أفكار مطروحة لتعديلات على مشروع التركيبة الحكومية العتيدة، فان المعلومات الموثوقة المتوافرة حول الملف الحكومي امس، أكدت ان لا وجود لأي رهان واقعي يستدعي انعاش الآمال جدياً في إمكان تحريك الجمود القائم وان الوضع لا يزال على حاله ولو ان أصحاب الإرادات المتمسكة بعدم التراجع امام الانسداد يمضون قدما في محاولاتهم.
ومع ان التواصل مستمر فعلا بين البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي والرئيس الحريري ان عبر اتصالات مباشرة او عبر موفدين، فان المعلومات المتوافرة في هذا السياق لم تؤكد ما تردد على نطاق واسع أخيرا ان البحث انتقل الى صيغة الـ 24 وزيرا بديلا من صيغة الـ 18، بل ان أي عودة الى تفاصيل التركيبة الحكومية المفترضة لم تحصل بعد، وهي تنتظر إشارات خضراء عدة لا يبدو انها اضيئت ولا يعرف متى واذا كانت ستضاء في وقت قريب. وقد يكون اكثر ما يثير الخشية من التمديد الطويل بعد للافراج عن أي مسعى جدي لتشكيل الحكومة ما بدأ يترسخ كانطباع ثابت لدى أوساط ديبلوماسية غربية وعربية كما لدى اوساط سياسية لبنانية من ان لبنان صار رهينة بالكامل لاعتبارات إقليمية مرتبطة بالتطورات الجارية بين ايران والولايات المتحدة والغرب عموما بما يستبعد معه أي تطور إيجابي لجهة الملف الحكومي قبل الانتخابات الإيرانية وجلاء الاتجاهات المرتبطة بالملف النووي الإيراني. ولفتت هذه الأوساط الى ان تركيز العهد وحلفائه على اتهام الرئيس المكلف بتجميد التأليف بزعم انتظار موافقة المملكة العربية السعودية على تسهيل طريقه يرتبط عمليا بمحاولات حجب الحقائق والتستر عليها وترك العهد يلعب الدور الشكلي الأساسي في التعطيل فيما يسنده جوهريا “حزب الله” في لعبة توزيع أدوار مكشوفة ولم تعد تخفى على كل الدول المعنية بمراقبة الوضع في لبنان. ولعل هذا العامل لعب دوراً أساسياً في اندفاع الولايات المتحدة الى إعادة تحريك المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل على نحو لم يتوقعه احد وذلك من باب اقفال نوافذ التوترات الإقليمية الإضافية التي تخدم مصالح دول كإيران التي توظف الساحة اللبنانية في حساباتها وصراعاتها وصفقاتها الدولية.
لودريان
اما الموقف الأبرز على المستوى الخارجي ولو لم يكن مفاجئا فكان لوزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان من خلال إعلانه امس بدء تنفيذ إجراءات تقييد دخول مسؤولين لبنانيين متورطين في عرقلة تشكيل الحكومة الى الأراضي الفرنسية. وقال في هذا السياق في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير خارجية مالطا “هناك موضوع إقليمي نطرحه بانتظام وهو الوضع في لبنان الذي أود أن أتحدث عنه ببضع كلمات. إنها قضية إقليمية، إنها قضية متوسطية، إنها مسألة أوروبية. إنك تعلم التدهور الخطير للوضع الاقتصادي والاجتماعي والإنساني وحقيقة أن القادة السياسيين يواصلون عرقلة تشكيل حكومة كفوءة قادرة على إصلاح البلاد. أعني هنا كما قلت بالفعل خلال زيارتي السابقة عندما كنت عائدًا من لبنان، لقد أدليت ببعض التعليقات الجادة حول الوضع في هذا البلد. أود أن أقول ذلك مرة أخرى هنا: يجب أن يفهم المسؤولون عن الانسداد أننا لن نظل مكتوفين . لقد بدأنا مناقشات مع شركائنا الأوروبيين حول الأدوات المتاحة لنا لزيادة الضغط على اللاعبين في النظام السياسي الذين يعرقلون مخرجًا من الأزمة. وعلى الصعيد الوطني، بدأنا تنفيذ إجراءات تقييدية من حيث الوصول إلى الأراضي الفرنسية ضد الشخصيات المتورطة في الانسداد السياسي الحالي أو المتورطة في الفساد. ونحتفظ بالحق في اتخاذ إجراءات إضافية ضد كل من يعيق الخروج من الأزمة ، وسنفعل ذلك بالتنسيق مع شركائنا الدوليين”.
باسيل في موسكو
في غضون ذلك اجرى رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل محادثات في موسكو امس مع نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف ثم مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وعرض في مؤتمر صحافي عناوين فضفاضة عدة قال انه بحثها مع لافروف وبوغدانوف ومنها “مشرقية لبنان ووجوب انشاء السوق المشرقية التي تضمّ لبنان وسوريا والعراق والاردن (وفلسطين طبعاً عند انشاء الدولة) وحماية التنوّع والأقليّات في المنطقة وخصوصيّة لبنان ودور المسيحيين المتناصف فيه”. وقال ان “لبنان اليوم، نتيجة الضغوط عليه ونتيجة الفساد في داخله انهار، وتلزمه إصلاحات جذرية وبنيويّة لإنهاضه. وهذا يتطلّب قراراً سياسياً لبنانياً غير مكتملة عناصره، ويلزمه حكومة من الإختصاصيين تكون مدعومة من القوى السياسية والبرلمانية الأساسية لكي تتمكّن من تحقيق هذه الإصلاحات، دون ان يكون فيها القدرة لأحد على السيطرة عليها وعلى منع هذه الإصلاحات من التحقّق”. لكنه اعتبر ان “الحكومة لازمة ولكنّها غير كافية، اذا لم تتمتّع بالقرار والإرادة والقدرة على الإصلاح. هذا شأن لبناني، روسيا لا تتدخل بالشؤون الداخلية، ولكنّها تدفع باتجاه الإصلاح وهذا ما نشكرها عليه، ونحن كلّنا بانتظار ان يأخذ رئيس الحكومة المكلّف قراره بالسير بتشكيل الحكومة والأهم قراره بالإصلاح” . وذهب باسيل الى اعتبار ان “الانتخابات الرئاسية السورية وتثبيت الرئيس الأسد ستكونان عوامل مسرّعة ومطمئنة ومشجّعة لعودة النازحين” .
اما على الصعيد المالي فلفت امس تأكيد رئيس الجمهورية ميشال عون في تغريدة عبر حسابه الرسمي على موقع “تويتر”، “ان هناك مسافة ايام تفصلنا عن استحقاق تسليم المستندات والوثائق من قبل مصرف لبنان الى شركة التدقيق الجنائي المالي”. وقال “هناك استحقاق زمني لتسليم مستندات ووثائق مصرف لبنان لشركة التدقيق المالي الجنائي، ونحن والشعب اللبناني نرصد، والمسافة أيام”.
السعودية والحظر
في المقابل سُجلت حلحلة محدودة في ملف الحظر السعودي على المنتجات الزراعية اللبنانية، اذ سمحت المملكة للشاحنات اللبنانية الموجودة عند الحدود السعودية بدخول أراضيها. وتعقيبا، شكر وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي السعودية على مبادرتها الإنسانية، وتوجه “بالشكر والامتنان الى الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد محمد بن سلمان ونظيره وزير الداخلية عبد العزيز بن سعود بن نايف على البادرة الانسانية الطيبة بالسماح للبضائع اللبنانية التي كانت عالقة عند الحدود السعودية وفي ميناء جدة بالدخول الى المملكة. علماً ان فهمي لم يتفاجأ بالايجابية السعودية، وهو على يقين بأن مملكة الخير لن تألو جهدا لاعادة النظر بموقفها الأخير خصوصا في المرحلة الدقيقة التي يمر بها لبنان وشعبه”.