خرج النقاش الداخلي حول مرسوم تعديل الحدود البحرية الجنوبية للبنان من الطابع الوطني والتقني، خلال الأيام الفائتة، بحيث انطوى على بُعد سياسي وسجالي، عزّزه الانقسام الراهن والشعور المتبادل بالارتياب بين أصحاب الشأن.
مع انّ اقتراح تعديل حدود المنطقة البحرية الاقتصادية الخالصة، المقدّم من الجيش، يعطي لبنان الحق في أن يستعيد مساحة تساوي نحو 1430 كيلومتراً مربعاً، ويُرجّح ان تكون غنية بالمخزون النفطي، الّا انّ ذلك لم يكن كافياً بالنسبة إلى البعض، للتعامل بمسؤولية مع هذا الملف، الذي يتصل بمصالح عليا تهدّدها الأطماع الإسرائيلية.
وقد اتى توقيع وزير النقل والأشغال العامة في حكومة تصريف الأعمال ميشال نجار امس مرسوم التعديل، ليقفل الباب أمام الاجتهادات في تفسير سبب تمهّله، والتي وصل بعضها الى حدّ اتهام تيار «المردة» بالتخاذل الوطني والتهاون إزاء حماية الثروة النفطية.
ولكن، كيف يردّ رئيس «المردة» سليمان فرنجية على الاتهامات التي وُجهّت اليه قبل حسم التوقيع، وماذا يقول عن أبعاد «المرسوم التصحيحي» وطريقة التعاطي الداخلي معه؟
يؤكّد فرنجية لـ«الجمهورية»، انّ الوزير نجار «وقّع مرسوم تعديل الحدود البحرية الجنوبية للبنان استناداً إلى مقاربة مدروسة لهذا المرسوم الدقيق وللمسار القانوني والدستوري الذي يجب ان يسلكه، بعيداً من التهويل السياسي والإعلامي الذي مورس ضدّنا في الأيام الأخيرة».
ويضيف: «نحن نضع توقيعنا في المكان المناسب وبالصيغة المناسبة انطلاقاً مما يمليه عليه ضميرنا، وليس تحت أي ضغط».
ويلفت فرنجية الى انّه «كان يُراد منا توقيع مرسوم ناقص ومبتور، على قاعدة الاكتفاء حالياً بتواقيع رئيسي الجمهورية والحكومة والوزير المختص، ثم يسوّى وضعه لاحقاً في مجلس الوزراء، الاّ اننا رفضنا هذا الطرح الملغوم وتمسّكنا بمبدأ إحالة المرسوم الى مجلس الوزراء حتى يقرّه مجتمعاً ويتحمّل مسؤوليته ومفاعيله، إذ ليس وزير الأشغال الذي يتخذ قرار الحرب او السلم بل مجلس الوزراء كاملاً».
ويوضح فرنجية، انّ قرار تيار «المردة» بالتوقيع أتى ضمن هذا السياق «وهو ينسجم مع توصية هيئة القضايا والاستشارات، وموقف رئيس مجلس النواب، اللذين التقيا على وجوب ان يقرّ مجلس الوزراء مجتمعاً مرسوم تعديل الحدود».
ويعتبر انّ «الحملة التي تعرّضنا لها، فقط لأننا استمهلنا بعض الوقت قبل اتخاذ القرار، انما جرى تحريكها وتوجيهها من بُعد»، مؤكّداً أنّ «مثل هذه الوسائل الترهيبية لا تنفع معنا، ولسنا نحن الذين يمكن ان نُتهم في وطنيتنا او نخضع الى فحص دم سياسي. لقد اخطأوا في العنوان».
ويضيف فرنجية: «للأسف قائد الجيش العماد جوزف عون هو وراء استهدافي والهجوم عليّ، وكذلك الفريق الذي ينتمي اليه، ومن الواضح أنّ العماد عون يريد ان يعمل رئيس جمهورية على طريقة البعض اللي «انخرب بيته» بسبب هذه الطريقة. ولذلك انصح قائد الجيش بأن لا يعتمدها». ويتابع: «انهم ما زالوا يطبّقون قواعد مدرسة جوني عبدو، انما فاتهم انّ هذه المدرسة أصبحت قديمة ولم تعد تَصلح، وانا ألفت انتباههم الى انّ الـ«software» لديهم صار عتيقاً وبات يحتاج إلى تجديد، لأنّ ما يفعلونه «دقة قديمة».
ويتوجّه فرنجية الى القيادة العسكرية بالقول: «بدل من ان تنفقوا مال الصندوق الأسود لتمويل بعض الحملات الإعلامية، اصرفوا جزءاً منه على الاقل لدعم العسكريين الذين ارهقتهم الازمة الاقتصادية». ويشدّد فرنجية على تمسّكه بكل حقوق لبنان البحرية والنفطية، «لكن المسألة ليست هنا وإنما في طبيعة المرسوم الذي ارادوه ناقصاً وغير مكتمل، حتى يكون ورقة تفاوض على مشاريعهم الشخصية، يلعبونها او يسحبونها وفق ما تقتضيه مصلحتهم، بينما أصرّيت انا على أن يكون مرسوماً كاملاً، ومتحرّراً من التجاذبات او الحسابات السياسية، بحيث لا يخضع الى التفاوض والمساومة في اي ظرف ووقت».
ويشير فرنجية، الى انّ من شأن إقرار مجلس الوزراء للمرسوم ان يقّوي موقف لبنان أمام الأمم المتحدة ويعزز موقعه في المفاوضات غير المباشرة، «بينما تقزيم المرسوم يؤدي إلى اضعافنا في المعركة الديبلوماسية التي نخوضها دفاعاً عن حقوقنا». وينتهي الى التشديد على انّه يقارب قضية الحدود من زاوية مبدئية تراعي الاصول «فيما هم يحاولون استخدامها في البيع والشراء».