كتبت صحيفة “الجمهورية”: تتجاذب الوضع اللبناني مجموعة ملفات ضاغطة؛ أوّلها الملف الأمني المحكوم بتفلّت إسرائيل من اتفاق وقف إطلاق النار واستمرار اعتداءاتها على المناطق اللبنانية وما تضمره من خلال إبقاء الأجواء الحربية قائمة، وثانيها، رصد مسار المفاوضات الأميركية الإيرانية وترقب ما ستُفضي إليه نتائجها من ارتدادات إيجابية أو سلبية على المنطقة عموماً وعلى لبنان بصورة خاصة، وثالثها، كيفية الانتقال إلى استقرار سياسي حقيقي في البلاد، والنجاح في امتحان الإصلاحات الجدية لا النظرية، والإيفاء بالوعود والالتزامات الحكومية التي قطعت على طريق إعادة إنهاض البلد ووضعه فعلاً على سكة التعافي، ورابعها ملف العلاقة مع سوريا في ظل النظام الجديد وفق أولوية ثلاثية؛ إعادة تنظيم العلاقة السياسية والديبلوماسية بين البلدَين، ضبط الحدود البرية بصورة فاعلة والإقفال الكلّي للمعابر غير الشرعية، وإعادة النازحين السوريّين إلى بلدهم وفق أسس يتم التوافق عليها لإعادتهم بصورة عاجلة خصوصاً وأنّ موجبات بقائهم في لبنان قد انتفت.
المفاوضات مصيرية
إذا كانت الجولة الأولى من المفاوضات الأميركية الإيرانية في مسقط، قد أشاعت ما وصفت بإيجابيات أولية، إلّا أنّ ذلك كما يقول مسؤول لبناني كبير لـ”الجمهورية” لا يعني النوم على حرير الجولة الأولى”.
وأضاف: “الأمر الإيجابي الذي نلمسه هو أنّ الطرفَين عبّرا عن جدية في المفاوضات ورغبة في الوصول إلى اتفاقات وتفاهمات عاجلة، وهذا ما يؤشر إليه اتفاقهما على سريّة المحادثالت بينهما، ولكن في هذا النوع من المفاوضات بين طرفَين مَحكومَين بعقود من العداء والملفات الصعبة والمعقدة، تبقى كل الاحتمالات واردة، وليس ما يَضمَن أن تدخل الشياطين في تفاصيل المحادثات ما سيُعيد الأمور إلى الوراء، بل إلى مجهول لا أحد يعرف معالمه”.
وتابع المسؤول: “هذه المفاوضات مصيرية بلا أدنى شك، وكلّ العالم يعوّل على أن تُفضي إلى اتفاقية تاريخية بين واشنطن وطهران، فعلى نجاحها يتوقف أمان منطقة الشرق الأوسط برمّتها والاستقرار الإقليمي والدولي في آنٍ معها، وأمّا فشلها فسيعني حتماً الحرب واشتعال المنطقة، وأخشى ألّا يكون لبنان بمنأى عن هذا الاشتعال”.
إلّا أنّ المسؤول عينه استدرك قائلاً: “البارومتر الحقيقي لمسار المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران هو إسرائيل، فإعلامها يعكس رفض المستوى السياسي فيها لهذه المفاوضات وقلقها من نتائجها، وهذا برأيي علامة لصالح المفاوضات، فكلما كانت إسرائيل مرتابة من المفاوضات وزاد قلقها منها، فإنّ ذلك يجعلني أميل إلى التفاؤل أكثر بأنّ المفاوضات سائرة نحو الإتفاق والتفاهم”.
وعلمت “الجمهورية” من مصادر موثوقة “أنّ ملف المفاوضات بين واشنطن وطهران كان محلّ بحث صريح بين مسؤول لبناني كبير ومسؤول أممي”. واللافت خلال مداولاتهما أنّ الأول أبدى تخوّفاً من العامل الإسرائيلي، لافتاً إلى أنّه لا يخرج من حسبانه أن تحاول إسرائيل المشاغبة على هذه المفاوضات، إلّا أنّ تقييم المسؤول الأممي عكس تفاؤلاً ملحوظاً بقوله ما مفاده: “الطرفان الوصول إلى صفقة، وأمّا ما هو مدى وحجم هذه الصفقة فهذا الأمر ستحدده النتائج. وفي اعتقادي أنّ هذه المفاوضات عقدت لتنجح لا لتفشل، خصوصاً وأنّ واشنطن وطهران انطلقا من قاعدة مشتركة هي التنازلات”.
أمّا عن إسرائيل، فتنسب المصادر الموثوقة، قراءة تبدو مفاجئة في مضمونها، ومفادها أنّ “إسرائيل لا تنفي رغبتها الجارفة بضرب إيران وإنهاء ملفها النووي، وبديهي هنا افتراض أنّ مفاوضات واشنطن مع طهران لا ترى فيها مصلحة لها، بل إحباطاً لهدفها الذي لا تُخفيه بتدمير إيران والحدّ من نفوذها وكسر أذرعتها بصورة نهائية من اليمن إلى العراق وصولاً إلى لبنان، ولكن، هنا لا أريد أن أقول إنّ الرئيس دونالد ترامب لا يُريد الحرب، على رغم من أنّ هناك دلائل كثيرة على ذلك، ولكن أقول إنّ هناك مصلحة أميركية في هذه المفاوضات، والمصلحة الأميركية تفوق كل الاعتبارات والتحالفات الإقليمية وغير الإقليمية، وتبعاً لذلك فإنّ إسرائيل لا تستطيع أن تُخرّب المفاوضات حتى ولو كانت راغبة في ذلك”.
احتمالات التصعيد ضعيفة
أمّا على المقلب اللبناني، فإنّ الأولوية التي تشغل المستويات الرسمية في لبنان هي وقف إطلاق النار ووقف انتهاكات إسرائيل لاتفاق وقف النار واعتداءاتها اليومية على لبنان. وبحسب معلومات موثوقة لـ”الجمهورية” فإنّ الإتصالات الرسمية مستمرة بوتيرة شبه يومية، وخصوصاً مع الجانب الأميركي. وتحدّثت عن تجاوب مع ما يطرحه اللبناني، لكن من دون أن تُشير المصادر إلى وعود جدية وقاطعة حتى الآن، بإلزام اسرائيل بوقف اعتداءاتها.
على أنّ مصادر المعلومات عينها تلفت إلى أن المحادثات مع الموفدين ودولهم، تؤكّد عدم وجود مخاوف من تجدّد الحرب، خلافاً لما يجري ترويجه في بعض الأوساط اللبنانية، وثمة تأكيدات بعدم ارتفاع وتيرة التصعيد إلى ما هو أخطر، وأنّ الوضع لن يستمر على ما هو عليه إلى ما لا نهاية، مُعربةً عن يقينها في هذا الإطار بوجود ما سمّته “قراراً أميركياً – غير معلن – بمنع التصعيد والعودة إلى الحرب”.
الملف السوري
في هذه الأجواء زار رئيس الحكومة نواف سلام، أمس، سوريا على رأس وفد وزاري ضم وزير الدفاع ميشال منسى، وزير الداخلية أحمد الحجار، ووزير الخارجية جو رجي، والتقى خلالها الرئيس السوري أحمد الشرع. ووُصِفت الزيارة بالدسمة لمجموعة الملفات التي بُحِثت فيها. وأعلن سلام في ختامها: “هذه الزيارة من شأنها فتح صفحة جديدة في مسار العلاقات بين البلدَين على قاعدة الاحترام المتبادل واستعادة الثقة، حسن الجوار، الحفاظ على سيادة بلدَينا، وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية لبعضنا البعض، لأنّ قرار سوريا للسوريِّين وقرار لبنان للبنانيِّين”.
وبحسب بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الحكومة فقد تم البحث في ضبط الحدود والمعابر، ومنع التهريب، وصولاً إلى ترسيم الحدود برّاً وبحراً، وكان هناك تشديد من الطرفَين على تعزيز التنسيق الأمني، بما يحفظ استقرار البلدَين. وكذلك، تم التداول في تسهيل العودة الآمنة والكريمة للاجئين إلى أراضيهم ومنازلهم بمساعدة الأمم المتحدة، والدول الشقيقة والصديقة. كما بحث الوفد اللبناني في مصير المفقودين والمعتقلين اللبنانيِّين في سوريا، بالإضافة إلى مطالبة السلطات السورية بالمساعدة في ملفات قضائية عدة، وتسليم المطلوبين للعدالة في لبنان، أبرزها تفجير مسجدَي التقوى والسلام، وبعض الجرائم التي يُتَهم بها نظام الأسد. كما تم البحث في ملف الموقوفين السوريِّين في السجون اللبنانية، وفي فتح خطوط التجارة والترانزيت، استجرار النفط والغاز، والاتفاقيات بين البلدَين، التي ينبغي إعادة النظر بها، ومن ضمنها المجلس الأعلى اللبناني – السوري. وتم الاتفاق أيضاً على تشكيل لجنة وزارية مؤلفة من وزارات الخارجية، الدفاع، الداخلية والعدل لمتابعة كل الملفات ذات الاهتمام المشترك، على أن يُستكمَل البحث في ملفات أخرى من قِبل وزارات الاقتصاد، الأشغال العامة والنقل، الشؤون الاجتماعية والطاقة.
الملف البلدي
وسط زحمة الملفات تلك، تبرز الانتخابات البلدية والاختيارية كاستحقاق يتسم بأولوية إجرائه في المواعيد التي حدّدتها وزارة الداخلية، بدء من الجولة من هذه الانتخابات في دائرة المتن المقرّر إجراؤها في الرابع من شهر أيار المقبل.
الرئيس بري: التأجيل مرفوض
على أنّ اللافت للانتباه في هذا السياق، هو الهمس المسموع من داخل بعض الأوساط السياسية، حول احتمال تأجيل هذه الانتخابات، وهو الأمر الذي أكّد رئيس المجلس النيابي نبيه بري لـ”الجمهورية” أنّه “مرفوض قطعاً وليس وارداً على الإطلاق، وبالتالي لا نرى موجباً تقنياً أو لوجستياً أو قانونياً أو سياسياً أو بلدياً لتأجيل الانتخابات حتى ولو لدقيقة واحدة”.
وجدّد برّي التأكيد على أنّ “الوقت ليس متاحاً لإجراء أي تعديلات على قانون الانتخابات البلدية والاختيارية، خصوصاً وأنّ هذه الانتخابات باتت على الأبواب، ومجرّد الدخول في تعديلات للقانون البلدي، قد يفتح الباب على تأجيل الانتخابات وهو ما لا نريده”.
وحول الانتخابات البلدية في بيروت، أكّد بري وجوب المحافظة على المناصفة بين المسلمين والمسيحيِّين في مجلس بلدية العاصمة، ويجب على كل الأطراف أن تسعى إلى تحقيق هذه الغاية وعدم الإخلال بها.
والمعلوم في هذا السياق أنّ بري يُركّز في اتصالاته على هذا الموضوع، مع كل الجهات المعنية بانتخابات بلدية بيروت، ويؤكّد ضرورة، أن يُصار إلى صياغة توافقات وتفاهمات تفضي إلى تحقيق هذه المناصفة وتأكيدها.
دفع رئاسي
في السياق عينه، أبلغت مصادر رسمية إلى “الجمهورية” قولها أنّ “الرئاسة مع إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في كل المناطق اللبنانية. هذا الاستحقاق ينبغي أن يحصل، والطلبات التي تصدر بعض الجهات السياسية والنيابية أمر مستغرب في هذا التوقيت، إذ لا يجوز على الإطلاق أن نتوجّه في بداية عهد الرئيس جوزاف عون إلى تأجيلات أو ما شابه ذلك، لأنّه بذلك يُشكّل رسالة سلبية عن العهد تُفيد بعدم القدرة على إجراء الانتخابات”.
ولفتت المصادر إلى تركيز الجهات الرسمية، خصوصاً وزارة الداخلية، على إعداد كل متممات الاستحقاق البلدي، في كل المناطق ولاسيما في القرة الجنوبية المدمّرة، مشيرةً إلى أنّه لا مشكلة في أي من المناطق الأخرى، وأمّا المناطق الجنوبية المدمّرة، وصعوبة الوصول إليها جرّاء استمرار الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة، فخريطة تعيين مراكز الإقتراع لهذه القرى في أماكن أخرى خارجها مع كل متطلباتها، باتت على وشك أن تكون منجزة.
عون: حوار ثنائي
وفيما أفيد أمس عن زيارة قام بها الموفد السعودي يزيد بن فرحان إلى بيروت والتقى رئيس الجمهورية جوزاف عون، أكّد الرئيس عون، في حديث لـ”الجزيرة”، أنّ “الجيش يقوم بواجبه وهو مستعد لتحمّل مسؤولية ضبط الحدود ويجب الضغط على إسرائيل للالتزام”. لافتاً إلى أنّ “إنجازات الجيش كبيرة وعثر على أنفاق ومخازن ذخيرة في جنوب الليطاني وشماله أيضاً. الجيش يقوم بواجبه جنوب الليطاني ويُفكّك أنفاقاً ويُصادر أسلحة من دون اعتراض من حزب الله”. ورأى أنّ “حزب الله واعٍ لمصلحة لبنان والظروف الدولية والإقليمية تساعد على ذلك”، مضيفاً “هناك رسائل متبادلة مع حزب الله لمقاربة موضوع حصرية السلاح بيد الدولة. إنّ الحوار بشأن حصرية السلاح سيكون ثنائياً بين رئاسة الجمهورية وحزب الله. وقرار حصر السلاح بيد الدولة اتُخذ وتنفيذه يكون بالحوار وبعيداً عن القوة”. وتابع الرئيس عون “نحن بحاجة إلى استراتيجية أمن وطني تُحصِّن لبنان وتنبثق عنها الاستراتيجية الدفاعية”.
وكان عون قد أكد أمام زوّاره أمس “أنّ مسار الإصلاحات بدأ وهو حتماً لمصلحة لبنان قبل أن يكون بناء على رغبة المجتمع الدولي”، لافتاً إلى وجود فُرَص أمام لبنان يجري العمل على الاستفادة منها من خلال الإجراءات والتدابير التي تنوي الحكومة اللبنانية اتخاذها في مختلف المجالات الإصلاحية”.
وتبلّغ الرئيس عون من عضو اللجنة الفرعية لتخصيص الإعتمادات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي بول غروف “إنّ بلاده عازمة على الاستمرار في دعم لبنان وتقديم المساعدات له في مختلف المجالات ومنها العسكرية والتربوية والاجتماعية. وهذا الدعم الأميركي للبنان واضح ومحدّد وينبغي أن يأتلف مع حاجات الدولة اللبنانية”.
استشهاد جندي
من جهة ثانية، استشهد عسكري لبناني وأصيب ثلاثة آخرون بجروح بانفجار جسم مشبوه أثناء إجراء وحدة مختصة من الجيش مسحاً هندسياً لأحد المواقع في منطقة وادي العزية – صور. وحول هذا الأمر اعتبر رئيس الجمهورية: “مرة جديدة يدفع الجيش من دماء أبنائه ثمن بسط سلطة الدولة على الجنوب وتحقيق الاستقرار فيه من خلال تنفيذ 1701. هذه الشهادة الجديدة تؤكّد مجدّداً أنّ المؤسسة العسكرية تبقى الملاذ الوحيد لجميع اللبنانيِّين للمحافظة على أمنهم وسلامتهم وبسط السيادة على الأرض اللبنانية”. وقدّم الرئيس عون تعازيه إلى قائد الجيش العماد رودولف هيكل بالعسكري الشهيد وتمنى الشفاء العاجل للجرحى.
