كتبت صحيفة “الجمهورية”: قضيتان تستحوذان الاهتمام الرسمي والسياسي في هذه الأيام: المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية المقرّرة في عُمان السبت المقبل، لما سيكون لها من انعكاسات على لبنان والمنطقة، وملاقاة اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي في 21 من الجاري في واشنطن ببعض الخطوات الإصلاحية المالية، من هيكلة للقطاع المصرفي إلى معالجة للفجوة المالية.
أبلغت أوساط سياسية إلى “الجمهورية” انّه يجب ترقّب ما ستؤول إليه المفاوضات غير المباشرة بين واشنطن وطهران في عُمان، لأنّ المسار الذي ستتخذه تلك المفاوضات سيؤثر على الإقليم ومنه لبنان.
واعتبرت هذه الأوساط، انّ المفاوضات المرتقبة السبت ستعطي مؤشراً أوليا إلى المنحى الذي ستتخذه العلاقة بين إيران والولايات المتحدة، فإما أن تسلك سكة الحوار وإما أن تذهب في اتجاه التصعيد.
وأشارت الأوساط إلى انّ من الطبيعي أن يكون لبنان الواقع على خط التماس الإقليمي، من المتأثرين سلباً او إيجاباً بما ستؤول إليه الامور بين طهران وواشنطن.
وفي هذه الأثناء، يعكف أركان الحكم على بلورة الموقف الرسمي الموحّد في التعاطي مع المطالب التي طرحتها أورتاغوس، في ملفات التفاوض مع إسرائيل والإصلاحات المالية والمصرفية، ولكن خصوصاً في ملف سلاح “حزب الله”. فمن الواضح أنّ الطرفين الأميركي واللبناني حريصان على إيجاد مخارج هادئة في كل هذه الملفات، لأنّ لا مصلحة لأحد في استثارة مناخ صدامي.
وقالت مصادر معنية لـ”الجمهورية”، إنّ الجهد الأساسي في هذا الاتجاه أخذه رئيس مجلس النواب نبيه بري على عاتقه، وهو يتلقّى في ذلك دعماً كاملاً من جانب رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون. والخطوة الأولى في هذا الاتجاه جاءت بالزيارة السريعة التي قام بها بري لقصر بعبدا، فيما كان عون يطلق التأكيدات أنّ حل مسألة السلاح سيتمّ كما هو مفترض، ولكن بالحوار وليس بأي سبيل آخر.
وأثار هذا المناخ انطباعات مريحة في الداخل اللبناني، أعقبت زيارة أورتاغوس، بحيث أنّ أي خطوة منتظرة في هذا الملف ستحظى بدعم “حزب الله” أيضاً، من خلال تنسيقه الوثيق مع بري. وسيتمّ إبلاغ الجانب الأميركي بنتائج هذه الجهود تباعاً، لتتزامن مع خطوات مقابلة من جانب إسرائيل، للوفاء بالتزاماتها الواردة في اتفاق وقف النار.
وغداة لقائه مع رئيس مجلس النواب، التقى عون مساء امس رئيس الحكومة نواف سلام، وأجريا تقييماً لنتائج اورتاغوس. وتطرقا إلى جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت في السراي، والتي تناولت مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف.
تصعيد أميركي
في غضون ذلك، قالت أورتاغوس في أحاديث لقناتي “العربية” و”سكاي نيوز” بُثت أمس، إنّه “يجب نزع سلاح “حزب الله” بكامله”. وأضافت: “حزب الله مثل “السرطان” وعلى لبنان استئصاله إذا أراد التعافي”، مشيرة إلى أنّ “إيران جرّت المنطقة إلى مرحلة خطيرة من عدم الاستقرار”. واعتبرت انّ “الجيش اللبناني قادر بإمكاناته الحالية على نزع سلاح حزب الله”. وقالت: “الطريقة الوحيدة لخروج لبنان من أزمته هي رفض أي دور لإيران وحلفائها”، مشيرة إلى انّ “لدى الولايات المتحدة توقعات متفائلة في دور نبيه بري في المرحلة المقبلة”. وأكّدت “اننا نتوقع إصلاحات في لبنان. لكن لصبر إدارة الرئيس دونالد ترامب حدوداً”. وقالت: “نريد أن يشعر اللبنانيون بالأمان عند وضع أموالهم في المصارف”. وأضافت: “أبلغت إلى المسؤولين اللبنانيين عدم التعويل على اجتماع البنك الدولي من دون إقرار الإصلاحات من المجلس النيابي”. ولفتت إلى أنّ “على المسؤولين اللبنانيين أن يُظهروا للبنك الدولي أنّهم جادّون ليس فقط بالكلام”.
إصلاحات مصرفية ومالية
من جهة ثانية، بدأت الحكومة محاكاة صندوق النقد الدولي قبل اجتماعات الربيع التي سيعقدها في 21 من نيسان الجاري في واشنطن، وذلك عبر تنظيم القطاع المصرفي أولاً لمعالجة الفجوة المالية.
وقد أقرّ مجلس الوزراء في جلسته أمس الأسباب الموجبة لمشروع قانون إصلاح القطاع المصرفي وتنظيمه، على ان يستأنف البحث فيه في جلسة يعقدها بعد غد الجمعة، وفقاً للملاحظات والاقتراحات التي وضعها بعض الوزراء على مشروع القانون. وأمل وزير المال ياسين جابر في أن يُقرّ المشروع في جلسة الجمعة. وقال لـ”الجمهورية”: “انّ الموافقة على مشروع القانون داخل الحكومة هو بمثابة إشارة جيدة نحملها معنا إلى اجتماعات صندوق النقد في 21 من الشهر الجاري في واشنطن، حتى لو لم يتمكن مجلس النواب من إقراره بسرعة ضمن هذه المدة”. وأوضح “أنّ ما جاء في الأسباب الموجبة من انّ المشروع لا يصبح نافذاً إلّا عند إنجاز خطة معالجة الفجوة المالية، هو الأمر الصواب لحماية أموال الـمودعين”. وأكّد “انّ هذا المشروع هو خطوة ضرورية إلى جانب التعديلات على قانون رفع السرّية المصرفية المطلوبة من صندوق النقد كإجراءات إصلاحية. والحكومة تسير في خطوات سريعة لأنّ الوقت لم يعد ترفاً، ويجب أن نتقدّم ونثبت صدقية في انتهاج خطوات إصلاحية حقيقية لاستعادة الثقة”.
اجتماع تحضيري
وكان عُقد اجتماع صباح أمس في وزارة المال، حضره عن الجانب اللبناني الوزير جابر، ومدير المالية العام جورج معراوي، والمستشارون سمير حمود، زينة قاسم وكلودين كركي. وعن صندوق النقد الدولي رئيس الوفد ارنستو راميريز ريغو والممثل المقيم للصندوق فردريكو ليما وعدد من الخبراء.
تمّ في خلال الاجتماع عرض للمواضيع التي سيناقشها الصندوق أثناء زيارة الوفد اللبناني لواشنطن للمشاركة في المؤتمر السنوي للصندوق.
وأشار ريغو إلى “أنّ الصندوق سيتشاور مع الوفد اللبناني في شأن الرؤية الإصلاحية ومسار المالية العامة للأعوام الخمسة المقبلة التي ستتناول موجبات إعادة الإعمار وإعادة جدولة الديون ومواجهة متطلبات الحاجات الاجتماعية، إضافة إلى مساهمة الخزينة في تمويل الإنفاق الاستثماري ورسملة مصرف لبنان في مواجهة الأزمة المصرفية الحالية.
وبعد عرض لما توصلت إليه الحكومة لجهة تعديل قوانين الإصلاح المصرفي، شدّد ريغو على “أهمية إقرار تلك القوانين قبل الاجتماعات مع المديرين الكبار في الصندوق في واشنطن، لما في ذلك من أبعاد إيجابية على خطوات الإصلاح وعلى جدّية التزام لبنان بها”.
وغادر جابر مساء امس إلى الكويت للمشاركة في أعمال اجتماعات صندوق النقد العربي، والذي يشارك فيه أيضاً ممثلون عن صندوق النقد الدولي، وذلك في إطار الاجتماعات السنوية المشتركة للهيئات المالية العربية.
الخروقات
وعلى الجبهة الجنوبية، تواصلت الخروقات الإسرائيلية لوقف النار، فاستهدفت مسيّرة إسرائيلية سيارة “رابيد” في رأس الناقورة ونجا سائقها. كما ألقت مسيّرة أخرى قنبلة في اتجاه صيادي السمك في الناقورة، فيما أطلق الجيش الاسرائيلي النار على الأهالي في بلدة ميس الجبل ما أدى إلى جرح شخصين. وأفادت معلومات، بأنّ الجيش اللبناني عثر على صاروخين قديمين مرميّين في أحد البساتين في القليلة ـ صور، ليتبين أن لا صحة لإحباط عملية إطلاق أي صواريخ كما تردّد.
كما شنّ الطيران الإسرائيلي ليل أمس غارتين على حوش تل صفية غربي بعلبك.
وأكّدت قوّة الأمم المتّحدة الموقّتة في لبنان (اليونيفيل)، في بيان، أنّ “حَفظة السّلام التّابعبن لليونيفيل لا يزالون متواجدين على الأرض في جنوب لبنان”، معلنةً “أنّنا نرصد استمرار الوجود الإسرائيلي والضّربات الجوّيّة، ونواصل العثور على أسلحة غير مصرّح بها داخل الأراضي اللّبنانيّة، بما في ذلك منصّات إطلاق صواريخ وصواريخ مضادّة للدروع. وتُعدّ جميع هذه الأنشطة انتهاكًا للقرار 1701”. وأشارت إلى أنّ “المدنيّين على جانبَي الخط الأزرق قد تكبّدوا معاناةً كبيرة”، مشدّدةً على “أنّنا نواصل حثّ جميع الجهات على احترام القرار 1701، نصًّا وروحًا. ونحثّ الجميع على تجنّب تعريض الاستقرار الهشّ الحالي وسبل عيش المدنيّين للخطر”.
قضائياً
وعلى الصعيد القضائي، أصدر قاضي التحقيق الأول في بيروت بلال حلاوي، قراره الظني في ملف الاستشارات العائد إلى مصرف لبنان، والموقوف فيه حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة بجرم “اختلاس مبلغ 44 مليون دولار من أموال البنك المركزي”. وظنّ فيه على سلامة بـ”ارتكاب جرائم اختلاس أموال عامة والتزوير والإثراء غير المشروع”. كذلك ظنّ بالمحاميين ميشال تويني ومروان عيسى الخوري بـ”التدخّل بجرائم الاختلاس والتزوير والإثراء غير المشروع” ومنع عنهم المحاكمة من جرائم الغش والاحتيال.
وردّ طلب إخلاء سبيل سلامة، كما ردّ طلب استرداد مذكرتي التوقيف الغيابيتين الصادرتين بحق تويني وعيسى الخوري، وأحالهم جميعاً على محكمة الجنايات في بيروت لمحاكمتهم.
وردّ المكتب الإعلامي لسلامة، في بيان، على القرار الظني، مشيراً إلى أنّ القرار “كان متوقعاً في ملف تمّ تحضيره على عجل باسم حساب الاستشارات، والذي تمّت فيه مخالفة قانون أصول المحاكمات الجزائية في أكثر من مادة وبند، واعترت التحقيقات فيه شوائب قانونية كثيرة وفاضحة، ليس أقلها ولا آخرها المخالفة الصريحة لنص المادة 108 من القانون المذكور والإصرار على استمرار توقيف سلامة خلافاً للقانون منذ 3 آذار الفائت وعدم البتّ بطلب إخلاء السبيل ولا تبرير استمرار التوقيف، في تجاهل تام وسافر للقانون، وخصوصاً أنّه لم يتمّ استجواب سلامة طوال أكثر من 7 أشهر من توقيفه لأكثر من ساعة ونصف الساعة”.
ولفت البيان إلى أنّ “سلامة “سيستأنف القرار الظني عبر محاميه، وسيتقدّم بطلب للتوسع بالتحقيق في ظل كل المستندات التي كان قد تقدّم بها والوقائع والمواد القانونية التي تؤكّد براءته”، معتبراً أنّها “ليست المرّة الأولى التي يخضع فيها القضاء اللبناني لرغبات بعض أهل السياسة، وفي تاريخنا الحديث أمثلة واضحة، لكن سلامة على ثقة بأن لا بدّ للحق أن ينتصر ولا بدّ لليل أن ينجلي وللحقيقة أن تظهر”.
وإلى ذلك، استجوب حلاوي المدّعى عليه كريم سلام شقيق وزير الاقتصاد السابق امين سلام في دعوى النيابة العامة المالية ضدّه بتهمة “الاختلاس وابتزاز شركات التامين والإثراء غير المشروع”، وأصدر مذكرة توقيف وجاهية بحقه.
وسيعقد حلاوي جلسة بعد غد الخميس يستمع فيها إلى ثلاثة شهود في الملف هم: جورج ماتوسيان صاحب شركة المشرق للتأمين، وفادي تميم نقيب خبراء المحاسبة في لبنان، وإيلي عبود.
