اختتم المهرجان اللبناني للكتاب -انطلياس نشاطه بندوة فكرية وامسية فنية لتكريم منصور الرحباني لمناسبة مئوية ولادته وألقى الدكتور الياس كساب في البداية كلمة تحدث فيها عن اسامة الرحباني، شاكرا له ما قدمه للمهرجان لنجاح هذا التكريم كما تناول مسيرة أسامة و قال:”بصمة موسيقية خاصة حققها الموسيقار الفنان أسامة الرحباني ، جعلته أحد الأسماء اللامعة في عالم صناعة الموسيقى، غرف من مخزون ثقافي وأدبي وتاريخي وموسيقي كبير ، ووضع لنفسه حلماً وتحديًا بأن يسير في طريق العائلة ولكن بأسلوبه الخاص محافظاً على النغمة واللحن والتطور الموسيقي الممزوج بالأصالة”.
أضاف:”دخل الفن باكراً ، ورافق والده وشاركه في مسرحياته فكان يعالج النصوص ويطورها ، ثم عمل معه في التأليف والتوزيع الموسيقي، كما درس التاريخ وكان أستاذه في تلك الفترة الدكتور عصام خليفة”.
تابع:”من خلال عشقه بالموسيقى وشغفه بالفن على أنواعه ، عمل على تطوير الموسيقى والصوت في العالم العربي حتى غدا رائداً ومرجعاً في المسرح الغنائي .(الفنانة هبه طوجي ونجاحهما المشترك ضمن مشروع واحد وافكار متشابهة ، الا ترجمة للعمل الجدي والمتقن والثقة العميقة ) له الكثير من الأعمال الخاصة وبأسلوبه المتطور الذي عرف به، في الموسيقى والألحان والأغاني والكليبات والمسرحيات والترانيم الدينية ، لكن الوقت يضيق لذكرها بتفاصيلها “.
أما عن منصور الرحباني فقال :”نذكرك اليوم في ذكرى ميلادك المئة الذي يصادف غداً (اليوم) ، من أرضٍ لا تزال تردد كلماتك، وتغني ألحانك. كنت أكثر من شاعرٍ وملحن، كنت صانع حلم، أناملك حملت عبء الوطن، وكلماتك جعلت من بيروت مدينة لا تموت، ومن أرض لبنان أغنية خضراء لا يذبل لحنها. حبيبنا منصور، كما كان ينديك اسامة ” المعلم” نقول لك شكراً لأنك منحت الكلمة جناحين، وأطلقتها في سماء لا حدود لها وجعلتها ترقص على سلّم موسيقى خاص جدًا من صنع الأحاسيس العميقة التي تسكن النفس السامية الى العلى. شكراً لأنك علمتنا أن المسرح يمكن أن يكون وطنًا نموذجياً ، فأضحينا مواطنين حالمين”.
ختم:”أستاذ منصور ، أيها المتواضع في عظمتك والعظيم في تواضعك ، إليك من الحركة الثقافية انطلياس ليس مئة بل ألف تحية”.
أبي صالح
ثم تحدث الامين العام للحركة جورج أبي صالح فشدد على “ضرورة تحفيز المواطنين على ارتياد معارض الكتب، تقيم الحركة: الندوات الفكرية اليومية التي بلغ عددها (10) واللقاءات التكريميّة التي بلغ عددها (9) بما فيها الاحتفاء بيوم المرأة العالمي وبعيد المعلّم، أي ما مجموعه 20 نشاطاً بما فيها هذه الأمسية، بالإضافة الى تواقيع الكتب وإبرازَ ثراء لبنان الحقيقي، أي مخزونِه الثقافي، واحتياطيّه الحضاري التراكمي المستدام ، والفريد في هذه المنطقة من العالم. للأسف الشديد، لقد تمّت المغامرة بل المقامرة الخاسرة باحتياطيّات القطع الأجنبي في مصرفنا المركزي، فطارت أدراج الرياح مدّخرات اللبنانيّين الطيّبين الأوادم، المحصّلة بجنى العمر وعرق الجبين. بيد أن مخزون احتياطيّنا الثقافي الإبداعي، الذي يشكّل نتاجُ الرحابنةِ حصّةً أساسيّةً منه، بقي عصيّاً على النهب والهدر والاختلاس، كونُه مصوناً في القلب والوجدان، اللذين يتعذّر اختراقُهما عنوةً”.
اضاف :” الرحابنة، بالنسبة الينا، “هنّي مرايتنا يلّي منشوف حالنا فيا”. إنهم المرآة التي تعكس حقيقة شعبنا الأبيّ، المكافح في الحياة من أجل عــزّته وكرامة عيشه، وهُم، في الوقت ذاته، المرآة التي نفتخر في النظر اليها حين يسعى البعض واهمًا الى تشويه هويّتنا واستدراجنا كرهاً الى التنكّر لذاتنا ولجوهر وجودنا: أي الحريّة.
اضاف :”شكرا لعائلة منصور الرحباني على إتاحة المجال لحركتنا كي تحتفيَ بمئوية مولد منصور بنشاط مثلّث الأضلع: ندوةٍ فكرية حول نتاجه سوف تبدأ الآن، ومعرضٍ ” مهضوم” لمقتنياته الشخصيّة نال إعجاب جمهور الزائرين طيلة أيّام المهرجان، والأمسيّة الفنيّة التي ستشكّل هذه العشيّة خاتمة لائقة ومفرحة لمهرجاننا الثقافي، على أمل المزيد من النتاج الرحباني مع الجيل الثاني من هذه الأسرة الكريمة، رمزِ العبقرية الفنيّة اللبنانية، ببُعدها الثلاثيّ: شعراً ولحناً وأداءً”.
خليفة
أما الدكتور عصام خليفة فقال للمناسبة: “عاصي ومنصور والياس الرحباني وفيروز عواميد أربعة لعمارة الفن الأكثرِ بهاءً وفي تاريخنا المعاصر. الثلاثي الأول أنجزَ خمسة آلاف أغنية، أربعمئة سكتش غنائي، ثلاثة أفلام طويلة، عشرات البرامج والحلقات التلفزيونية والإذاعية، خمسا وعشرين مسرحية،جولات فنية ولوحات وبرامج في مختلف أنحاء العالم، توزيع الأرباع الصوتية التي قيل عملياً أنها لا توّزع، تغيير مسار الشعر، والموسيقى في العالم العربي، تعميم استعمال الأوركسترا في الشرق كمحتوى درامي. في كل هذا الجهد الرائع ترسيخ لمدرسة رحبانية غزت الشرق قلوباً وتراثاً وذاكرةَ جماعية”.
اضاف:”في 17 آذار1925 ولد منصور في البيت العتيق الذي ورثته والدته سعدى عن أبيها. تشرد في منازل البؤس كثيراً. سكن بيوتاً ليست ببيوت.هذه كانت طفولته هو وإخوته. حكاية فقر وحرمان حتى الوجع المرّ والبكاءُ الصامتُ الذي ينتهي دموعاً صافية على أطراف مِخدة ممزّقة فوق فراش عتيق”.
تابع:”بعد غيابِ العبقري عاصي، استمر العبقري الثاني منصور بإنجازِ المسرحيات الباهرةِ ومنها حكم الرعيان، عودة الفينيق، زنوبيا، أبو الطيب المتنبي، جبران والنبي، ملوك الطوائف، الوصية، وقام في اليوم الثالث، آخر أيام سقراط، آخر يوم، وبخاصة صيف 840. وقبل عرض هذه المسرحيات كان يحرص منصور على دعوتي لمناقشة بعضِ النصوص. وكان يحرصُ على سماع رأيي رغم أنَّ أكثرها كان خارج اختصاصي. ومن واجبي الشهادة بأنني وفرت للكبير منصور ما تواجد عندي عن عامية 1840 من مصادر ومراجع تاريخية. وكم كنت فخوراً وكم كان شعوري غامراً عند سماع هذه المسرحية الخالدة”.
اضاف:”في المدرسة الرحبانية الصراعُ بين الحق والباطل، غالباً ما يؤدي إلى انتصار الحق. وهذه المدرسة وقفت دائماً إلى جانب التغيير ولكن سلمياً دون “سيوف ولا خيل ولا عسكر”. عملت لتوعية الشعب مع مواجهة التجار المحتكرين والسياسيين الفاسدين و الظالمين. أكّدتْ على التّمسك بالّديموقراطية الحقيقية، وإعلاء أهمية الفكر طريقاً إلى الحقيقة. أكّدت على ضرورة الإندماج في الجماعة لما فيه مصلحة المجتمع والوطن، وأشادت بالتضحية بالمصلحة الخاصة في سبيل المصلحة العامة. وقفت إلى جانب المستضعفين في مواجهة الغريبة والسخرة وإذلال الناس.في مسرحياته الأخيرة رسّخ منصور القيّم الإنسانية والأخلاقية والفكرية لدى الأفراد.عرض العبقريان النفسيات المعقدة والمشاكل الإجتماعية المختلفة عند أهل المدينة حاولا إبراز الخدائع والأكاذيب وانعدام العدل. استشرفا جذور السياسات الفاسدة فأشارا إلى انعدام العدل، والخداع والإضطهاد. فالطغيان والإضطهاد والكذب كلها أمور تعبّر عن الحيل المتكررة التي تستعملها الطبقة الحاكمة لتحكم بها الطبقة المقهورة”.
ولفت الى ان “في عيون الأخوين الرحباني غالباً ما تضع الحكومة الفاسدة الظالمة مصالحها الجشعة فوق المصالح الوطنية الحقيقية، ويضع أهلها مصالحهم الفردية الإنسانية فوق المصالح الوطنية العامة، ما يؤدي إلى ضياع الهوية الفردية الراقية وهوية الوطن. هكذا نلاحظ في هذا المسرح، الاصالة والأمانة، والاعتزاز والعنفوان والترفع والانضباط والوعي والانفتاح، والإيمان العفوي بالقرار الذاتي، والعزم والتأمل، والسلام الداخلي، والتحرر والاستقلالية الذاتية، والتسامح والتفاؤل والتفهم والتكتم والتوازن العاطفي والتواضع والثقة بالنفس، والتصرف الحر، والجرأة والمبادرة والعطاء. سقراط يفضل الموت على التخلي عن قيمه، سيف البحر يستمر مدافعاً عن قيمة الاستقلال التي هي جوهر تحرك العامية. ومنصور كان حاسماً في انحيازه للقيم الوطنية، وكان منحازاً للعدالة الاجتماعية والروح الوطنية والإنتماء إلى الوطن ومناهضة الاستغلال والعبودية والإحتلال. وقد تجلى ذلك في صورة سيف البحر وأبي سمرا غانم ويوسف الشنتيري وأبي أحمد”.
تابع:”في مئوية ولادة منصور نخشع أمام ذكرى من غنى لبنان في جباله وسهوله وحقوله وخيراته وشعبه ومدنه وضياعه. غنى الجيش والعلم وكان صرخة قوية ضد الإستبداد والظلم السياسي والإجتماعي مع دعوة صادقة للمحبة والسلام والديمقراطية، من أجل نيل الحقوق واكتساب الكرامة والحرية. في المئوية نحيي المدرسة الفنية التي جمعت بين الكلمة واللحن والأداء، بين الفن والأناقة، بين القديم والجديد، بين الإستعارة والاستنباط، في لون موسيقي جديد أغنى الموسيقى اللبنانية والعربية في مسرح غنائي راقٍ سعى إلى الفن المتكامل. في المهرجان اللبناني للكتاب السنة 42 الذي ينعقد في ديرنا التاريخي _ دير مار الياس أنطلياس، نحتفل بمرور مئة عام على ولادة العبقري الكبير منصور. ومن أروقة هذا الدير نسمع همسات الرضا من الأب الأنطوني بولس الأشقر الذي كان قد دَرَس الموسيقى في روما وفرنسا، ودرّب منصور وعاصي(بعمر 15و13سنة) على شرح النظريات الموسيقية. وهو الذي زودهما بالمخزون الموسيقي الكنسي الذي نجده في الألحان ذات الطابع السرياني والبيزنطي التي ظهرت في أعمالهما. وعنه قال منصور:”علّمنا النوطة، والنظريات الموسيقية والألحان الشرقية، علّمنا السهر على الكلمة، علّمنا أنو قدام بواب الفن منضل تلاميذ، بس أهم شيء تعلمناه، من بونا بولس، هو فرح الإنسان بولادة الجمال”.
وقال:”لقد دوّن عاصي ومنصور، في مسرحهما، سجل الطبيعة والريف والإنسان. اجتمع الكلام والموسيقى والصوت الغنائي في عمل واحد. وهكذا أعليا عمارتهما الإبداعية حتى تركا هذا الإرث الهائل من النصوص المتقنة وغير المسبوقة في تاريخ المسرح الغنائي في لبنان والدول العربية. لمناسبة المئوية لا يزال شعبنا ينوء تحت وطأة البطالة والغلاء والهجرة والتهجير والاعتداءات المختلفة. لا بل يعاني سرقة مدخراته من مافيا مركبة بين أهل السياسة والمصارف. والمدن التاريخية، التي غنيتها يا منصور مع عاصي تعرضت وتتعرض للخراب، وشعوب مشرقنا العربي مهددة بالتفكك أمام أطماع الأقربين والأبعدين. لكن نعدك بأن نبقى مدافعين عن المدرسة الرحبانية وأركانها الأربعة. ونستلهم من مخزونها الفني والحضاري القوة والعزم لمواجهة أخطار الحاضر والمستقبل”.
ختم:”من الحركة الثقافية_ دير مار الياس أنطلياس، وبمناسبة المئوية نجدّد قسَم العاميّة، ونؤكد أن الظلم بيوقع مهما طال وأن جبال الصوان بأبطالها ستهزم كل طامع بأرضنا اللبنانية المقدسة، وأن لبنان هو الرقم الصعب ونقطة الدائرة في المسألة الشرقية، ولا سلام في شرق المتوسط على حساب استقلال دولتنا اللبنانية وسيادتها .في مئوية ولادة العبقري منصور، نحن على يقين أن كل الفن الرحباني سيمخر عباب تاريخنا المعاصر والمستقبلي، ملكاً متوجاً على مشاعر أجيالنا على مدى العصور. وأن مروان وغدي وأسامة وكل الدوحة الرحبانية المبدعة ستبقى عاملة للفن الأكثر نصاعة في “لبنان الذي كان وصار “وبدو يبقي”. “في وطننا الوعد” “وطننا الجوهر”. مطلب أساسي تطرحه حركتنا، في هذه المناسبة، من وزير الثقافة المثقف فعلاً الدكتور غسان سلامة، الإسراع في إنجاز متحف فيروز في زقاق البلاط ، واستحداث متحف للفن الرحباني في أنطلياس بالتعاون مع بلديتها. وأملنا كبير أنه سيفعل”.
اختتم المهرجان بأمسية فنية رحبانية ادارها اسامة الرحباني وشارك فيها عدد من الفنانين.
