ناقش المكتب السياسي للحزب “الشيوعي اللبناني” البيان الوزاري لحكومة القاضي نواف سلام، وأصدر بيانا، اعتبر فيه أن “فكرة الرهان على الدولة تتكرر في البيان عشرات المرات وبصيغ شتى، ولكنه لا يتجرأ ولو لمرة واحدة على توصيف الدولة المنشودة، كي تكون هذه الأخيرة أو تصبح أكبر وأقوى من تسلط التشكيلات الطائفية المختلفة عليها طوال عقود طويلة من إخضاعها القسري والمستمر. وفي هذا الاطار، نرى أن الالتزام بالوجهة الاساسية لإتفاق الطائف كان يقضي الألتزام بتنفيذ البنود الإصلاحية فيه، لا سيما تلك المرتبطة بتجاوز الطائفية السياسية وإقرار قانون انتخاب من خارج القيد الطائفي واستحداث مجلس للشيوخ”.
واعتبر أنه “من دون إنجاز هذه الاصلاحات التي تضمنها اتفاق الطائف – ونضيف اليها استحداث قانون مدني موحد للاحوال الشخصية – لا يمكن الرهان على تحقيق ما وعد به البيان الوزاري بشأن “قيام دولة القانون بعناصرها كافة”، أي بناء الدولة القادرة والعادلة ومن ضمنها الإدارة الفاعلة والقضاء العادل والمستقل. فالتجسيد الفعلي لهذه الأهداف يبقى مشروطا بالإصلاح المسبق للحيز السياسي وبتحرير الدولة من تسلط أطراف السلطة”.
ورأى ان “التزام الحكومة بالدفاع عن وحدة لبنان وسلامة اراضيه وتحريره الكامل من الاحتلال الاسرائيلي يجب ألا يبقى مرهونا فقط بوجود ضمانات أو مصادر تمويل خارجية مخصصة لتجهيز القوى الأمنية، بل يجب أن يرتبط أساسا بوجود قرار سياسي وطني يرمي الى حشد الموارد الاقتصادية والمالية والبشرية والمؤسسية الذاتية لبناء الجيش وتسليحه وتأمين عديده واعادة تطبيق الخدمة الإجبارية، وهذه كلها عوامل من شأنها دعم قيام الدولة الوطنية المقاومة المحصنة باستراتيجية عسكرية وامنية ويشارك في تقريرها جميع اللبنانيين عبر حوار محكوم بتحقيق المصلحة العليا للبنان في وحدة وسلامة أراضيه، مع تأكيد حق الشعب اللبناني بمقاومة الاحتلال وتحرير أرضه من دون قيد أو شرط. فالعدو الإسرائيلي مستمر بالخروقات الجوية والبرية والاغتيالات.. ولم ينسحب من كل المناطق التي دخلها خلال عدوانه الأخير بناء للاتفاق الذي أبرم، بل استمر في احتلاله، ليس على التلال الخمس فحسب، ولا على المنطقة العازلة التي يسيطر عليها من خلال هذه التلال، مضيفا اليها النقاط العالقة منذ عدوان تموز 2006 ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا والغجر. كل هذا يدعونا أيضا لتحميل المسؤولية لكل الذين فاوضوا ووافقوا وأقروا ترئيس الأميركي لما سموها لجنة “المراقبة والتنفيذ” التي أصبحت برئاسته لجنة للاشراف على استمرار العدوان والاحتلال وتغطية أطماع العدو التوسعية في السيطرة على الثروة الغازية وعلى المياه والتي تترافق مع زيادة الضغوط والتهديدات بوقف المساعدات لمنع الاعمار وعدم عودة الأهالي الى قرى الشريط الحدودي. ان فرض الانسحاب على قوات الاحتلال الصهيوني من دون قيد او شرط حتى الحدود الدولية وفق اتفاق الهدنة ودفع التعويضات وإعادة الاعمار لعودة أهلنا النازحين الى قراهم ومنازلهم يجب ان تحتل أولويات العمل في البيان الوزاري”.
واوضح ان “إضطلاع الدولة بإنجاز المهمات الواردة في البيان الوزاري حول المسائل الاقتصادية والاجتماعية والادارية والاعمارية، فضلا عن المهمات الأمنية السيادية، يتطلب من دون شك تعزيز موارد الدولة وايراداتها. وإذا كان من الطبيعي في هذا الاطار السعي الى الحصول على دعم تمويلي خارجي غير خاضع لشروط خاصة، فان المطلوب أكثر هو القيام بإصلاح ضريبي جذري داخلي يجسد مبادىء المواطنة ويعزز قدرات الدولة على انتاج وتمويل الخدمات العامة، مما يقوي علاقة المواطن بالدولة على حساب علاقته بالمؤسسات والجمعيات والتشكيلات الطائفية”.
واقترح “الشيوعي” في هذا الاطار، “زيادة الضريبة على شركات الأموال والضرائب على الأرباح الريعية ومن ضمنها العقارية والضرائب على الثروة، بما يوفر ليس فقط المداخيل الحكومية وانما يسهم ايضا في تحقيق العدالة الضريبية وفي نقل العبء الضريبي من القطاعات والمؤسسات والموظفين والعمال المنتجين الى القطاعات الريعية وغير المنتجة. ان اعادة الاعمار تتطلب ان يسخر لبنان لها الموارد الداخلية المتأتية من فوائض الخزينة في السنوات الماضية ومن الضرائب الجديدة المستحدثة على الرأسمال والثروة في الداخل وعلى الرأسمال اللبناني في الخارج بدلا من الاستمرار في المراهنة على انتظار المساعدات الخارجية والتمويل الخارجي على أهميتها في هذه المرحلة”.
ورأى أن “حل أزمة الودائع المصرفية لا يتم عبر الوعود المضللة أو غير الواقعية، بل عبر سياسة شاملة تضمن اولا حقوق صغار المودعين الذين يشكلون حوالى الـ 90 بالمئة من المودعين، ويصار من ثم الى التوزيع العادل للخسائر المالية بدءا في الأساس ممن تسبب بها وأثرى على حساب المال العام والخاص، عبر تدفقات الفوائد الزائدة والهندسات المالية وتهريب الاموال الى الخارج. ومن المؤكد أن حل معضلة الودائع تتطلب اعادة هيكلة المصارف ومحاسبة المنتفعين وعدم تحميل الأصول العامة التي تعود ملكيتها الى الشعب اللبناني مجتمعا اي كلفة”.
كما رأى أن “ما تضمنه البيان الوزاري من فقرات تتعلق بالجانب الاجتماعي لا يرقى الى مدى خطورة الأزمة التي تعصف بالبنى الاجتماعية وخصوصا بالطبقة العاملة والأجراء والفئات المتوسطة والفقيرة. فبالرغم من أن البيان الوزاري يشير بصيغ انشائية وعامة الى ضرورة “انشاء نظام حماية اجتماعية شامل”، إلا أنه يركز عمليا على مقاربات نيوليبرالية أقل شمولا تنحصر في برامج التخفيف من حدة الفقر، لا سيما الفقر المدقع، وفي سياسات استهداف بعض الشرائح المهمشة، بينما تتجاهل مسألة تأمين الخدمة العامة للشعب عموما وإعادة توزيع الثروة والدخل لصالح الطبقة العاملة والفئات المتوسطة وما دون المتوسطة وصولا الى القضاء على الفقر كهدف استراتيجي طويل الامد. ولا يوفر البيان اشارات أو ايحاءات ملموسة حول مسألة تصحيح الرواتب والأجور والمعاشات التقاعدية وتعويضات الصناديق الضامنة التي تشكل الادخار الأساسي للفئات المنتجة والطبقات المتوسطة والعاملة والتي خسرت معظم قيمتها بسبب انهيار العملة الوطنية”.
واعتبر أن “مواكبة الاقتصاد اللبناني للتطورات والتحولات الحاصلة في مجال التكنولوجيا الحديثة والعلوم لا يمكن ان تتحقق عبر ميكانيزمات الاسواق التي ستعيد انتاج الاقتصاد المتدني الإنتاجية والريعي نفسه. بل هي تحتاج الى سياسات صناعية وعلميه محددة لنقل التكنولوجيا وتطوير المؤسسات المنتجة ذات القدرة المنافسية العالية والى ربط التطور العلمي بالانتاج، والاستفادة كذلك من الطاقات العلمية والتكنولوجية للانتشار اللبناني الاغترابي. ان هذه هي إحدى أكثر الطرق فاعلية لزيادة معدلات النمو الاقتصادي وتعديل النموذج الاقتصادي القديم عبر اقتصاد تنافسي يحقق الفائض الاقتصادي الذي يسمح بتمويل بناء الدولة والسياسات الاجتماعية وزيادة المداخيل للعمال والموظفين”.
واكد انه “بالرغم من الايجابيات التي أوحى بها الطرح الوارد في البيان الوزاري حول دور المرأة والشباب في المجتمع والاقتصاد اللبناني، فانه يجب الاعتراف بأن هذا الطرح بقي في جوهره انشائي الطابع ومشبعا بالعموميات. فالشباب اللبناني تهدر طاقاته اما بالهجرة او البطالة المقنعة او في عدم الحصول على التعليم وخصوصا التعليم الجيد النوعية. وبالتالي يحتاج لبنان الى خطة لوقف هذا النزيف وربط الشباب اللبناني بالاقتصاد اللبناني المنتج والمعتمد على العلوم والتكنولوجيا. وتعاني المرأة اللبنانية من التهميش الاقتصادي، اذ تمثل نسبة مشاركة الاناث في سوق العمل اقل من 25 بالمئة، كما تعاني من التهميش السياسي حيث لا تمثل في المجالس البلدية اكثر من 5 بالمئة وفي البرلمان 6 بالمئة، بالاضافة الى القوانين، لا سيما قوانين الأحوال الشخصية المجحفة بحقها. ومن الضروري بالتالي استحداث خطة وميكانيزمات من اجل ان تأخذ المرأة دورها الريادي في المجتمع والاقتصاد والسياسة”.
ولفت الى أن “إعادة التفاوض مع صندوق النقد الدولي وفق المعايير والشروط التي اقرتها الحكومات السابقة ينبغي عدم تكرارها، وهي يجب ان تكون محكومة بمعايير جديدة مختلفة عما سبقها، وتهدف الى تحقيق مصلحة لبنان الاقتصادية والاجتماعية، وان يكون من ضمن أهدافها تشجيع قيام اقتصاد منتج وعصري وإعلاء شأن السياسات الاجتماعية والاقتصادية التي تكافح الفقر وتقتلعه، وتصحح التشويهات في توزيع الثروة والدخل، وتعيد الاعتبار الى قضية الأجر والعمل المأجور، بدلا من استمرار النظرة الدونية السائدة راهنا. وهو ما يستوجب التعامل بحذر شديد مع تفاصيل الوصفات الجاهزة الصادرة عن الصندوق والتي ادت الى كوارث اقتصادية واجتماعية في الكثير من البلدان ومنها لبنان منذ ثمانينيات القرن الماضي. فلقد تغير العالم اليوم ولم يعد يخضع للنيوليبرالية المأزومة ولا لتوافق / اتفاق واشنطن البائد”.
كما رأى أن “تطبيق خطاب القسم والبيان الوزاري في ما يخص التعليم الرسمي الجامعي والمدرسي يبقى ذا طابع شديد العمومية. وهو يستدعي بلورة خطة وطنية واضحة المعالم والأهداف ويتطلب موارد ادارية ومالية وبشرية ومؤسسية كبيرة ومحددة، بما في ذلك زيادة الانفاق الحكومي على الجامعة اللبنانية وعلى المنشأت الجامعية والمدرسية وعلى الأبحاث والتطوير وجذب الكفاءات العلمية العالية الى الجامعة اللبنانية والمدارس الرسمية. ومن دون الالتزام الفعلي بتنفيذ هكذا خطة لتحسين نوعية التعليم، سيبقى التعليم الرسمي يعاني من التردي، وهذا ما يؤدي ليس فقط الى تراجع التعليم والعلوم في لبنان بل الى المزيد من التهميش الاقتصادي والاجتماعي لفئات كبيرة من المجتمع اللبناني”.
وختم: “ان الحزب الشيوعي يضع اليوم مواقفه من القضايا الواردة في البيان الوزاري في عهدة القوى الديموقراطية والتقدمية واللبنانيين عموما، ويدعو هذه القوى من داخل وخارج البرلمان للعمل على تظهير رؤيتها حول هذه القضايا لتشكل اطارا برنامجيا لعمل مشترك وجبهة عريضة للتغيير السياسي الذي يتطلع اليه اللبنانيون الذين نزلوا الى الشوارع والساحات في انتفاضة 17 تشرين وما سبقها من حراك اسقاط النظام الطائفي وهيئة التنسيق النقابية وحراك حماية البيئة والحراك الشعبي للأنقاذ وغيرها”.
