كتبت صحيفة “الجمهورية”: تُستكمل اليوم مناقشة البيان الوزاري للحكومة بردّ رئيس الحكومة على المداخلات النيابية التي عمل رئيس مجلس النواب نبيه بري مع الكتل والنواب على تقليص عددها البالغ 75 مداخلة، استهلكت الجولة الأولى من الجلسة منها أمس نحو 20 مداخلة. وتوقعت أوساط حكومية ونيابية أن تنال الحكومة ثقة مرموقة، قد تتجاوز الـ 80 صوتاً.
وفيما تواصل إسرائيل خرقها لاتفاق وقف إطلاق النار والقرار 1701، بحيث قصف طيرانها أمس منطقة جنتاـ الشعرة على الحدود الشرقية في البقاع، موقعة شهيدين وثلاثة جرحى، نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أنّ تل أبيب بدأت خطة بالدخول والسيطرة على الجنوب السوري.
وقال مصدر نيابي بارز لـ«الجمهورية»، انّ جلسة الثقة عكست المناخ السياسي المستجد بروحية استيعابية للمرحلة لدى كافة القوى السياسية. إذ تعاطى الجميع مع المتغيّرات بواقعية، من دون أن يعني ذلك حصول تغيّر كبير في المشهد السياسي. فالاصطفافات لا تزال على حالها، والتوازنات ما قبل الحرب ونتائجها وما قبل العهد الجديد هي نفسها.
ولفت المصدر إلى نقطة اعتبرها «في غاية من الأهمية» وهي «انّ هذه الجلسة لو كانت انعقدت قبل أحد التشييع لكانت مختلفة عن كونها أتت ما بعده، فالتوقيت عن قصد او عن غير قصد أدّى إلى انعكاس المشهد على الخطاب والجو العام بمقدار كبير، وخصوصاً على كلمة «حزب الله» التي ألقاها رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، التي شكّلت رافعة كبيرة عبّر عنها رعد عندما اكّد انّ «حزب الله» «تعافى وبسرعة».
القدر المرسوم
وإلى ذلك، لاحظت أوساط سياسية واكبت وقائع مناقشة البيان الوزاري، انّ إيقاع جلستي قبل وبعد الظهر كان «منضبطاً» على المستوى العام، بحيث أنّهما لم تنزلقا إلى مهاترات شخصية وسجالات مبتذلة كما كان يحصل أحياناً في السابق.
ولفتت الاوساط عبر «الجمهورية»، إلى أنّ رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل «قصّ شريط تدشين المعارضة للحكومة عبر مقص كلمته، خصوصاً انّه يمثل الطرف الوازن شبه الوحيد الذي بقي في صفوف المعارضة».
وأشارت إلى «انّ كلمة رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد شكّلت أيضاً علامة فارقة، بفعل ما تضمنته من عرض شامل لمقاربة «حزب الله» للعدوان الإسرائيلي الأخير، وهو أول عرض من نوعه يقدّمه الحزب من على منبر المجلس النيابي. على أنّ اللافت هو انّ «كتلة الوفاء» منحت الثقة للحكومة، وذلك خلافاً لتقديرات البعض الذي افترض انّ سلوك الرئيس نواف سلام بعد تشكيله الحكومة قد يدفعها إلى حجب الثقة، خصوصاً تحت تأثير أزمة منع هبوط الطائرة الإيرانية».
وشدّدت الأوساط على «أنّ مناقشات البيان الوزاري عموماً تندرج في إطار الرياضة الذهنية التي لن تغيّر شيئاً في القدر المرسوم، وهو انّ حكومة سلام ستنال ثقة مقبولة».
مداخلات
ومن المنتظر أن يستأنف مجلس النواب قبل ظهر اليوم البيان الوزاري، بعدما تحدث في جلسة الأمس بجولتيها الصباحية والمسائية نحو 20 نائباً من اصل 75 نائباً سجّلوا أسماءهم للكلام، قبل ان ينصت الجميع مستمعين إلى رئيس الحكومة يتلو البيان الوزاري، بعدما طلب الرئيس بري في بدء الجلسة اختصار الكلمات، وان تكون للكتلة ربع ساعة من الكلام. وقال: «75 نائباً طلبوا الكلام وبهذا الشكل الجلسة ستمتد لأسبوع». وأضاف: «أمامي أكثر من 75 طالبَ كلام، لذلك ارتأيت أنّ الكتلة التي تتضمن 10 نواب وما فوق من طالبي الكلام فالكلام مدته ستكون نصف ساعة، وإن كان أقل من عشرة فربع ساعة للشخص عن الكتلة، أما الزملاء فـ5 إلى 10 دقائق».
رعد
وقد تحدث في جلسة الأمس بجولتيها عدد من رؤساء الكتل النيابية أبرزهم النائب محمد رعد الذي أعلن منح كتلة «الوفاء للمقاومة» الثقة للحكومة. وقال إنّ «حرب الإبادة المدعومة اميركياً والتي شنّها العدو ضدّ غزة وأهلها هي حرب عدوانية مدانة لأنّها متفلتة من كل القيود والمعايير الإنسانية لا يجيزها قانون ولا يبرر توحشها شيء». واكّد انّ «الانسانية ستخلّد مواقف الذين أدانوا تلك الحرب وبذلوا كل ما يستطاع لإيقاف إجرام الصهاينة المحتلين».
وأضاف: «شعبنا المقاوم بذل دموع عينيه وفلذات أكباده من اجل أن يأمن لبنان من عدو مجرم ومتربص». وقال: «نفخر أنّ شهيدنا الأسمى السيد حسن نصرالله هو قائد فذّ قلّ نظيره وعلم من أعلام الالتزام بنهج الانتصار للمظلوم». واكّد انّ «من دواعي اعتزازنا انّ أميننا العام وشهيدنا الأسمى كان يتولّى القيادة الناظمة لأداء المقاومة وفعاليتها عبر تاريخها الطويل إلى جانب القادة، وكان حريصاً على منهج الجمع لا التفكّك».
وشكر رعد الدول التي دعمت لبنان، ولا سيما منها العراق وإيران على ما قدّمته وستواصل تقديمه. ودعا الحكومة إلى إلغاء قرار منع هبوط الطائرات الإيرانية «تلافياً للانصياع إلى الإملاءات الخارجية الذي يتعارض مع السيادة الوطنية، وتفادياً للضرر لمصلحة جمهور كبير من اللبنانيين». أضاف: «أداء المقاومة الإسلامية وما حققه من إنجازات متتالية في حق إسرائيل اكّد فاعليته التراكمية ضدّ الاحتلال».
وتابع: «لم يتمكن العدو من ان يهزم حزبنا او يكسر شعبنا الذي التقيتموه الاحد في المدينة الرياضية، الذي أتى ليؤكّد انّه على العهد مع خياره المقاوم. ولئن اصابنا العدو بمواجع عدة، فإننا نتعافى بسرعة باستثناء وجع واحد يبقى يلازمنا وهو شهادة أميننا العام السيد حسن نصرالله وكل شهدائنا». وأضاف: «لنتدارس معاً بجدّية خيرات التصدّي للتهديدات والمخاطر في إطار استراتيجية أمن شامل».
وقال: «عناوين البيان الوزاري جميلة وَرَد الكثير منها في بيانات سابقة، ما يعني أنّ المشكلة ليست في النّيات بل في منهجية العمل والانقسام الوطنيّ. أقرّت الحكومة حق اللبنانيين في الدفاع عن النفس ومسؤولية الدولة لإنهاء الاحتلال. على الحكومة إدانتها بقاء احتلال العدو وانتهاك سيادتنا. اما في إعادة الإعمار فهذه تتطلّب سرعة في الإعداد وتأمين التمويل بروح وطنية». واعلن: «سنتعاون مع الحكومة. ومشاركتنا فيها تنطوي على التعبير عن مواقف شعبنا الذي نمثله. جادون في التعاون وثقتنا نمنحها للحكومة».
«الديموقراطي» و«القوات»
وفي حين منحت كتلة «اللقاء الديموقراطي» الحكومة الثقة، قالت النائب ستريدا جعجع باسم كتلة «الجمهورية القوية»: «ما نريده هو التوصّل إلى بناء دولة تحقّق أحلام اللبنانيّين بمستقبل لائق يضعه بين الدول المزدهرة. لاستعادة قرار الحرب والسلم إلى داخل الحكومة من خلال تطبيق القرارات الدوليّة كافّة منها الـ1701 و1559 ولتحقيق العدالة في انفجار المرفأ والمباشرة في إجراء التحقيقات النائمة». واضافت: «سنمنح الثقة لهذه الحكومة لأنّها غير مرهونة بثلث معطل. سنمنح الثقة للحكومة الجديدة وستكون لدينا الشجاعة على مساءلتها ومراقبة عملها».
معوض
اما النائب ميشال معوض فقال في مداخلته: «أعطي ثقتي للحكومة بصفتي إبن شهيد معنّي بألّا يكثر عدد الشهداء في لبنان. وثقتي هي لمسار استرجاع الدولة ولبيان وزاري التزم العمل الجاد على حصر السلاح وفتح مطار رينيه معوّض». اضاف: «ثقتي ليست فقط للحكومة بل لمسار استرجاع الدولة الذي تمثله هذه الحكومة وبيان وزاري التزم بعمل جاد». وتوجّه إلى «حزب الله» قائلاً: «نمدّ يدنا بصدق لبناء دولة لجميع اللبنانيين. وشعار انّ السلاح هو في وجه اسرائيل وليس للداخل، ينفيه ما حدث في 7 ايار. لا افهم كيف وافق «حزب الله» على تسليم سلاحه جنوب الليطاني والاحتفاظ به شماله. نمدّ يدنا لنطوي هذه الصفحة كي لا نفتح شعارات جديدة توصلنا إلى النتيجة نفسها. شعار قوة الردع أظهر أن لا قوة ردع. فشعاراتكم أوصلتنا الى نتيجة اليوم». تابع: «حان الوقت لوضع حدّ للتعطيل والانقسام العمودي». وأضاف: «نرفض ان تتعرّضوا لما تعرّضنا له من اغتيالات وهيمنة السلاح. ولا نريد دولة انتقامية. لكن نرفض ان نكون في دولة خاضعة».
الطريقة الاستعراضية
وردّ رعد على معوض قائلاً: «يجب أن يتواضع. ونحن جاهزون للحوار لكن ليس بهذه الطريقة الاستعراضية». وتابع: «لدينا أسئلة أضعاف عن التي طرحتها».
باسيل
بدوره باسيل قال في مداخلته: «نحن موافقون بالكامل على ما ورد في البيان الوزاري لجهة الـ 1701 وتحرير كل الأراضي واحتكار حمل السلاح وقرار الحرب والسلم واستراتيجية الدفاع». وسأل: «ما الفارق الكبير بين النص السابق «حق اللبنانيين في مقاومة الاحتلال» والنص الحالي «حق لبنان بالدفاع عن النفس، واتخاذ الإجراءات اللازمة كافةً لتحرير جميع الاراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي»؟ الفارق انّ «حزب الله» ارتكب خطأ استراتيجياً كبيراً. الفارق انّ «حزب الله» خسر في حرب إسناد غزّة ووحدة الساحات وخسّرنا معه معادلة ردع إسرائيل، وخسر الشرعية الوطنية بمقاومة اسرائيل وحده، فتمّ حذف كلمة مقاومة من البيان الوزاري، ولكن لم يفقد لبنان شرعية «مقاومة» الاحتلال، ولا فَقَد «حزب الله» شرعيّته الشعبية».
وسأل ايضاً: «ما الفارق بين «استراتيجية دفاعية» و«استراتيجية أمن وطني»، أو بين «مناقشة وحوار وطني؟» لا فارق الاّ المناكدة السياسية ومن قال الجملة». وأضاف: «أعجبتني كلمة «دولة محايدة» في الانتخابات وفي التنافس السياسي المشروع بين القوى المتنافسة! «بس ما يكون حيادك دولة رئيس الحكومة بالانتخابات متل حيادك في تشكيل الحكومة» لأنّ حيادك عن المعايير الواحدة واضح والأهمّ حيّدت حالك عن التزامات وعدت بها». ورأى أنّ «البيان توصيفي ويقول «العمل على حلّ قضيّة النازحين السوريين، والتي لها تداعيات وجودية على لبنان إن لم تتحقّق عودتهم إلى وطنهم». وهذا الكلام يُقال سنة 2011، وليس بالـ 2025»، مشدّداً على انّ «النزوح هو اكبر خطر وجودي على لبنان، والجميع تساهل معه من باب الجهل أو الاستفادة أو الخضوع».
وختم: «منحناك ثقتنا عندما سمّيناك اما اليوم فلن نمنحك اياها. نحن المعارضة الايجابية لحكومتك». وتوجّه سلام إلى باسيل بالقول: «مش راغب ثقتك».
وذلك بعدما قال باسيل له: «إنت مدعوم مش فارقة معك ومننزع الثقة لأنك ما بتستاهلها».
المر وفرصة الإنقاذ
كذلك كانت مداخلة للنائب ميشال المر، قال فيها انّه سيمنح الثقة للحكومة ايماناً منه بوجود فرصة ثمينة أمامها لتحقيق آمال اللبنانيين وتطلعاتهم في إعادة بناء الدولة وتحقيق الإصلاحات وضمان حقوق المودعين وتطبيق اتفاق الطائف والتزام أفضل العلاقات مع الدول العربية الشقيقة وتأمين الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي تماشياً مع خطاب القَسَم.
وأوضح المر انّه لم يفوّض احداً التحدث باسمه او التعبير عن موقفه، وانّه يتمنى النجاح الكامل للعهد والحكومة في انطلاقتها لما فيه خير لبنان واللبنانيين.
تحدّي الانسحاب
وخارج الحدث الذي تمحور أمس حول البيان الوزاري ومسألة الثقة، بقي الاهتمام الأساسي هو تحدّي انسحاب إسرائيل بالكامل من المناطق التي ما زالت تحتلها في الجنوب، من دون تحديد أي أفق زمني لهذا الاحتلال، وما يواكب ذلك من استمرار للطلعات الجوية فوق الأراضي اللبنانية كافة، وللغارات على مناطق مختلفة، ولا سيما منها الجنوب والبقاع.
وتحدثت معلومات عن اتصالات حثيثة أجراها لبنان الرسمي مع واشنطن لدفع إسرائيل إلى الوفاء بكامل الالتزامات التي أقرّت بها في اتفاق وقف النار، لأنّ لبنان ينفّذ من جانبه كل ما يتوجب عليه، وقد بات الجيش اللبناني يمسك تماماً بزمام الأمور في المناطق التي انسحب منها الإسرائيليون في الجنوب. وقد وعد الأميركيون بدعم الطلب اللبناني، في موازاة دعوتهم لبنان الرسمي إلى استكمال تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة، ولا سيما منها القراران 1701 و1559. لكن الجديد في هذا المجال، هو ما كشفه النائب وائل بو فاعور، عن أنّ الإدارة الأميركية الحالية أبلغت إلى مسؤولين لبنانيين أخيراً عن الرغبة في إبرام اتفاق صلح بين لبنان وإسرائيل. وتوقع أن يتواصل البحث في هذه المسألة لاحقاً، ما يثير المخاوف من حدوث أزمة داخلية.
وقالت مصادر سياسية لـ«الجمهورية»، إنّ لبنان سيجد نفسه في وضع حرج في مواجهة الضغط الأميركي، لأنّ واشنطن تمسك عملياً بكل الأوراق التي يحتاج إليها لبنان، من انسحاب إسرائيل وهيئة مراقبة وقف النار إلى دعم الحكومة وتأمين الغطاء الدولي للمساعدات وإعادة الإعمار.
وفي غضون ذلك، نقلت قناة «الحرة» أمس عن متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية قوله: «لقد أوضحنا أنّ هذه الإدارة تدعم حكومة لبنان في سعيها إلى تعزيز مؤسسات الدولة وتمكينها من احتكار القوة العسكرية». وأضاف: «لا مكان لحزب الله في هذه الرؤية للبنان، ولا ينبغي للحزب أن يمتلك القدرة على تهديد الشعب اللبناني أو جيرانه. ونحن نشيد بجهود مؤسسات الدولة اللبنانية لممارسة سلطتها وسيادتها، خالية من النفوذ الأجنبي».
عون يصرّح عن ثروته
في غضون ذلك، وعشية توجّهه إلى المملكة العربية السعودية في نهاية الاسبوع، زار رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون صباح امس مقر الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في بيروت، وكان في استقباله رئيس الهيئة القاضي كلود كرم واعضاء الهيئة. وسلًم الرئيس عون القاضي كرم تصريح الذمة المالية عنه وعن زوجته اللبنانية الاولى نعمت عون، وذلك استناداً إلى قانون مكافحة الفساد في القطاع العام وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد الرقم 175 /2020.
