كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول:
كل الأنظار مشدودة إلى التشييع الكبير الذي يُقيمه «حزب الله» يوم غد الأحد، لأمينَيه العامَّين الشهيد السيد حسن نصرالله والشهيد السيد هاشم صفي الدين، وما قد يحمله من رسائل في اتجاهات مختلفة داخلياً وخارجياً. فيما تنتظر الانطلاقة الفعلية لعهد الرئيس جوزاف عون عبور محطة الثقة التي يُنتظر أن تنالها حكومة الرئيس نواف سلام في جلسة المناقشة العامة للبيان الوزاري، والتصويت على الثقة المقرّرة يومَي الثلاثاء والأربعاء المقبلَين، والتي تشي الأجواء السابقة لها بأنّها قد تكون جلسة شاقة ومُتعبة، نظراً إلى الشهية النيابية المفتوحة على الخطابة، التي رفعت عدد طالبي الكلام من النواب في الجلسة إلى 60 نائباً حتى الآن، أي نحو نصف مجلس النواب، ما قد يُعرّض الجلسة المحدّدة أصلاً بيومَين إلى تمديد ليوم أو يومَين إضافيَّين.
إجراءات التشييع
عشية التشييع، تكثفت التحضيرات الأمنية لمواكبة هذا الحدث، فترأس رئيس الجمهورية جوزاف عون اجتماعاً أمنياً عُرِضت فيه الأوضاع الأمنية في البلد، والترتيبات الأمنية المتخذة لمواكبة التشييع، وتقرّر أن تتخذ القوى الأمنية إجراءات وتدابير، أكّد وزير الداخلية أنّ هدفها المحافظة على الأمن والنظام وتأمين أمن المناسبة والمشاركين فيها وأمن كل المواطنين وتسهيل حركة السير». وتزامن ذلك مع إعلان اللجنة العليا لمراسم التشييع أنّ هذا التشييع سيكون «حدثاً استثنائياً لن ينساه العالم، وقد بلغنا أعلى درجات الجهوزية والاستعداد»، وتحديد البرنامج الرسمي للتشييع ليبدأ عند الساعة الواحدة ظهراً، وهو مؤلف من 7 فقرات، على أن ينطلق من المدينة الرياضية إلى شارع قاسم سليماني وصولاً إلى شارع المرقد الشريف». وأفادت اللجنة بأنّه «ستُنشر شاشات لعرض المراسم في كل الطرقات، ويُمكن لمَن لم يصل للباحة القريبة أن يتابع عبرها».
الجهد الرسمي
سياسياً، تتحرّك السلطة السياسية بشقَيها الرئاسي والحكومي على خطَّين متوازيَين، الأول في اتجاه تكثيف الاتصالات وحشد الدعم الدولي للبنان في موقفه الداعي إلى إنهاء الإحتلال الإسرائيلي وانسحابه من النقاط الخمس التي أبقى على احتلاله قائماً عليها في الجانب اللبناني.
والثاني في اتجاه التحضير لحركة رسمية مكثفة في اتجاه الدول الشقيقة والصديقة لتوفير الدعم المالي والإمكانات للبنان لتمكينه على إعادة إعمار ما خلّفه العدوان الإسرائيلي.
وبحسب ما تؤكّد مصادر رسمية لـ«الجمهورية»، فإنّ الجهد الديبلوماسي الذي يُبذل من قِبل رئيس الجمهورية تحديداً، متواصل في اتجاهات دولية مختلفة، ولاسيما من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا بوصفهما الدولتَين الراعيتَين لاتفاق وقف إطلاق النار، ورئيس الجمهورية سيذهب إلى المدى الأبعد في هذا السبيل حتى تحقيق الغاية المرجوّة منه بتحقيق الانسحاب الإسرائيلي الكامل وبسط السيادة اللبنانية على كامل الأراضي اللبنانية.
وفيما نقلت المصادر عينها تأكيدات من رئاسة لجنة مراقبة اتفاق وقف إطلاق النار إيلاء موضوع الانسحاب الإسرائيلي أولوية في مهمّتها، نُسِبَت إلى بعض الموفدين تأكيدات بأنّ الاحتلال الإسرائيلي للنقاط الخمس موقت، وسيُعالج هذا الأمر في وقت ليس بعيداً. إلّا أنّ مسؤولاً كبيراً أبلغ «الجمهورية» قوله: «التجارب مع الإسرائيليِّين تؤكّد أنّ ليس في قاموسهم شيء اسمه موقت، بل إنّ الموقت بالنسبة إليهم هو دائم. في مطلق الأحوال، المدى مفتوح الآن للجهد الديبلوماسي لإلزام إسرائيل باتفاق وقف إطلاق النار وإنهاء احتلالها للنقاط الخمس، وحتى الآن لا توجد أيّ مؤشرات لا حول إلزام إسرائيل بوقف اعتداءاتها وخروقاتها، ولا حَول الانسحاب، وهو أمر يبقي المنطقة في مدار التوتر».
الإعمار
وأمّا خط التحرّك الثاني، فعنوانه الإعمار وإعادة بناء ما هدّمه العدوان الإسرائيلي، ويُمثل التحدّي الأول للدولة بكل مستوياتها. إلّا أنّه على ما تؤكّد مصادر معنية بهذا الملف لـ«الجمهورية» يستلزم بعض الوقت.
وبحسب هذه المصادر، فإنّ ما جرى ترويجه في الآونة الأخيرة عن ربط للمساعدات العربية والدولية للبنان بإجراءات مطالبة الدولة اللبنانية باتخاذها ومتعلقة بسلاح «حزب الله»، لا أساس له، كما أنّه في المقابل لا يوجد أي إلتزام جدّي من جانب أي دولة عربية أو دولية بتقديم المساعدة التي يحتاجها لبنان لتمكينه من إعادة إعمار ما هدّمه العدوان الإسرائيلي، ما خلا إشارات غير رسمية تؤكّد عزم بعض الدول على تقديم المساعدة، والبحث الجدّي في هذا الأمر يتمّ بعد إنجاز الدولة اللبنانية لعملية الإحصاء الشامل للأضرار والكلفة التي يتطلّبها الإعمار.
على أنّ اللافت في هذا السياق، بحسب المصادر، هو أنّ بعض الدول بادرت إلى توجيه كلام مباشر إلى مسؤولين كبار في الدولة، تؤكّد عزم هذه الدول على مساعدة لبنان في مجال إعادة الإعمار بمعزل عن أي أمر آخر. ويندرج في هذا السياق موقف دولة قطر التي كانت لها المساهمة الكبرى في إعادة الإعمار بعد عدوان تموز 2006، وربطاً بهذا الأمر، تجري الاستعدادات لإرسال وفد قطري إلى بيروت خلال الأيام القليلة المقبلة.
تحت المجاهر الدولية
استنتاجات «الجمهورية» ممّا يُتداول به في الغرف السياسية والرسمية تؤكّد أنّ المجاهر الدولية كلّها مصوّبة بصورة مباشرة ومركّزة على الواقع الحالي في لبنان، سواء بالنسبة إلى العهد الرئاسي الجديد مع رئيس الجمهورية جوزاف عون، أو الحكومة الجديدة برئاسة نواف سلام.
وإذا كانت المراجع الرسمية تُقارب هذا الأمر من زاوية وضع لبنان في عَين الرعاية الدولية والرغبة في إنهاضه، فإنّ العهد الرئاسي والحكومي الجديد يجد نفسه أمام تحدّي الاستفادة من الدعم العربي والدولي غير المسبوق، وهو ما يُشكّل محوَر حركة الديبلوماسيّين والبعثات في لبنان، التي تعكس ارتياحاً للعهد الجديد وتُعلّق آمالاً على الرئيس عون في أن يُشكّل عهده نقلة إيجابية كبرى للبنان وإنهاضيّة له على كلّ المستويات، بما يُمكّنه من استعادة موقعه ودوره وحضوره الفاعل عربياً ودولياً، وهذا بالتأكيد رهن بنجاح الحكومة في مهمّتها، وفق خريطة الطريق التي رسمها خطاب القَسَم الرئاسي ولحظتها في بيانها الوزاري.
وتبرز في هذا السياق، تأكيدات ديبلوماسية غربية على أنّ حكومة نواف سلام محكومة بالنجاح في مهمّتها ذلك «أنّ فشلها مُكلِف جداً على لبنان، وهذا ما يوجب التنبّه إليه والحذر منه». وأيضاً «تجنّب السقوط في مطبات التعثر والخضوع لمماحكات سياسية ومداخلات تعطيلية على جاري ما كان يحصل في السابق. والارتكاز في هذا السياق يبقى على التعاون والانسجام بين الرئيسَين عون وسلام»، على حدّ تعبير سفير دولة كبرى لمجموعة من الاقتصاديّين ورجال الأعمال اللبنانيّين.
استعجال الإنجازات والإصلاحات
وضمن هذا السياق، علمت «الجمهورية» أنّ إشارات فرنسية تتوالى في اتجاهات سياسية ورسمية مختلفة، تؤكّد على أنّ لبنان يقع في رأس قائمة اهتمامات وأولويات الإيليزيه، وهو ما عكسه الرئيس إيمانويل ماكرون في زيارة التهنئة السريعة للرئيس جوزاف عون بعد انتخابه، وتؤكّد عليه الرئاسة الفرنسية ربطاً بالتطوّرات والمستجدات السياسية والأمنية، لناحية إلتزامها بالاستمرار في الدور المساعد للبنان في الخروج من أزماته، وترسيخ الأمن والاستقرار فيه، وبأنّها لن تدّخر جهداً لإكمال الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي اللبنانية، بما يضمَن الهدوء والاطمئنان على جانبَي الحدود. وكذلك في دعم العملية السياسية في لبنان والدفع بعجلة النمو والإصلاح، إذ تتطلّع باريس إلى مبادرة حكومة نواف سلام لتحقيق «إنجازات سريعة وخطوات نوعية، ولاسيما في المجال الإصلاحي».
دعم أوروبي مشروط
وفي مجال الحديث عن الدعم للبناني، برزت أمس جولة مفوّضة الاتحاد الأوروبي في منطقة المتوسط دوبرافكا شويتزا على رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب نبيه بري، فبرز قولها بعد لقائها مع الرئيس عون: «تحدّثنا عن عملية التحوّل السياسي والإلتزام والإصلاحات، بالإضافة إلى وقف إطلاق النار ودعم الجيش اللبناني، كما تطرّقنا إلى الاستجابة للأزمة السورية. والأهم إنّني تطرّقتُ إلى حزمة جديدة لمنطقة المتوسط التي أنا مسؤولة عنها. ونحن نتحدّث هنا عن ميثاق جديد لمنطقة المتوسط الذي يشمل اتفاقات وتعاون مع مختلف دول هذه المنطقة. وكان الرئيس عون متجاوباً ويَوَد أن نبدأ عملية التفاوض بالنسبة لهذا الميثاق الجديد. إنّ المفوضية الأوروبية والاتحاد الأوروبي يدعمان فخامة الرئيس والحكومة الجديدة ولبنان كبلد صديق. وسبق للمفوّضية الأوروبية أن خصّصت حزمة مساعدات بقيمة مليار يورو للبنان، وتمّ اعتماد 500 مليون من هذه الحزمة خلال شهر آب الماضي. وستُخصَّص 500 مليون أخرى، إلّا أنّ ذلك يتوقف على بعض الشروط. وأحد هذه الشروط المسبقة هو إعادة هيكلة القطاع المصرفي في لبنان والاتفاق مع صندوق النقد الدولي. وما أن يتمّ الوفاء بهذَين الشرطَين سنتابع العمل على صرف المبالغ المخصّصة الإضافية».
60 خطيباً في الجلسة!
في وقت تتحضّر فيه الحكومة للمثول أمام المجلس النيابي لنيل الثقة على أساس بيان وزاري سيُناقش في الجلسة العامة التي سيعقدها المجلس يومَي الثلاثاء والأربعاء المقبلَين، فإنّ هذه الجلسة، وهي الأولى من نوعها التي يعقدها المجلس النيابي الحالي، تبدو وكأنّها مهرجان خطابي طويل، بل طويل جداً، لأنّ الشهية النيابية المفتوحة على الكلام، وصلت إلى رقم قياسي لعدد النواب طالبي الكلام في الجلسة التي ستكون منقولة مباشرةً على الهواء عبر الإعلام المرئي والمسموع، إذ زاد عن 60 نائباً، وهو رقم مرشح للارتفاع أكثر. ومن شأن هذا الأمر أن يفرض تعديلاً على جدول الجلسة فيدفع إلى تمديدها إلى ما بعد الأربعاء.
يؤشر ذلك إلى أنّ جلسة الثقة ستكون شاقة، فربطاً بالنظام الداخلي لمجلس النواب الذي يمنح النائب ساعة للكلام في مناقشة البيان الوزاري (ارتجالاً)، ونصف ساعة كتابة، يتبيّن في جردة حسابية بسيطة، أنّه إذا بقي عدد طالبي الكلام كما هو في حدود الـ60 نائباً، فهذا يعني إخضاع الجلسة إلى سيَلان كلامي قد يتدفّق لأربعة أيام متتالية وربما حتى يوم السبت المقبل، إلّا إذا نجحت محاولات مجلسية أو من قِبل جهات سياسية، خصوصاً من المستويات الرسمية التي تحثّ على الإستفادة من الوقت وتدفع إلى ثقة سريعة، في إقناع بعض النواب بالعدول عن موقفهم وسحب أسمائهم من لائحة طالبي الكلام.
دعم أميركي
في هذه الأجواء، جال وفد من الكونغرس الأميركي على الرئيسَين جوزاف عون ونواف سلام ووزير الخارجية جو رجي، ونقل دعمه للبنان في مختلف المجالات إلى جانب الدعم المستمر للجيش اللبناني. وشدّد الرئيس سلام أمام الوفد على ضرورة الضغط الأميركي على إسرائيل لتنسحب بشكل كامل من النقاط التي لا تزال تحتلها في أسرع وقت، معتبراً أنّ ليس هناك أي مبرّر عسكري أو أمني لذلك، وهو يُشكل خرقاً مستمراً لترتيبات وقف إطلاق النار والقرار 1701 والقانون الدولي وانتهاكاً لسيادة لبنان.
