في إطار تعزيز التبادل الثقافي والحوار الحضاري بين الشعوب، نظّم المركز الثقافي الإيراني بتونس، تحت إشراف المستشار الثقافي د. هادي أجيلي، وبالتنسيق مع مركز الموسيقى العربية والمتوسطية النجمة الزهراء، الذي تديره السيدة سلوى حفيظ، الأسبوع الثقافي التونسي الإيراني، برعاية وزارة الثقافة التونسية. هذه الفعالية مثلت مناسبة هامة لتسليط الضوء على محاور الثقافية والاجتماعية المشتركة بين البلدين.
و كان أحد أبرز محاور الأسبوع الثقافي الندوة العلمية التي أقيمت تحت شعار “المرأة في المجتمع الحديث”، بحضور سعادة السفير الإيراني بتونس، مير مسعود حسينيان، ونخبة من الأكاديميين التونسيين والإيرانيين والإعلاميين. وقد شكلت هذه الندوة فضاءً للنقاش المعمّق حول مكانة المرأة في التجربتين التونسية والإيرانية، حيث تم التطرق إلى التحديات التي تواجهها المرأة، والفرص التي تحظى بها في مختلف المجالات الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية من خلال محاضرة اثثها دكاترة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية و تونس.
مداخلة الدكتورة أنسية خزعلي (رئيسة شؤون المراة و الأسرة سابقا) : تفكيك الصورة النمطية عن المرأة
أبرزت الدكتورة أنسية خزعلي من إيران، خلال محاضرتها، ارادة المرأة الإيرانية التي غيرت من خلالها الصورة النمطية التقليدية التي كانت تنحصرفي دورها الاسري فقط، مؤكدةً على أن النساء في إيران أثبتن كفاءتهن في مختلف الميادين، بعد الثورة الإسلامية وذلك استنادًا إلى مقولات لقائد الثورة الإسلامية لما يوليه من اهتمام لقضايا المرأة من خلال وصاياه
اذ قال الإمام الخميني (قدس سره) :
“إن المرأة منبع كل الخيرات، وأنا أقبل النساء كقادة. نحن فخورون بأن السيدات قادرات على العمل في المجالات الثقافية والاقتصادية والعسكرية جنبًا إلى جنب مع الرجال”
كما تطرقت إلى رؤية السيد القائد علي خامنئي فيما يتعلق بأهمية المرأة ودورها في المجتمع، مؤكدةً أن الدستور الإيراني يحفظ و يعترف بمكانتها كما يوليها اهتماما من خلال المادتين العشرين والواحدة والعشرين، اللتين تنصان على ضمان المساواة بين الرجل والمرأة في عديد المجالات، كذلكمن خلال توفير الظروف المناسبة لنمو شخصية المرأة والحفاظ على حقوقها المادية والمعنوية.
المرأة في القوانين الإيرانية: امتيازات وضمانات اجتماعية
كما أكدت السيدة انسية خزعلي على الامتيازات التي يمنحها الدستور الإيراني للمرأة، من بينها:
توفير الحماية القانونية للأمهات و إنشاء محكمة النزيهة للحفاظ على كيان الأسرة ومعالجة المشاكل لضمان استمراريتها.
ايضا تطرقت الى الضمانات التي يوليها الدستور و الخاصة برعاية الأرامل والنساء المسنات والمحرومات من الرعاية الاجتماعية.
كما ابرزت وجود قوانين تنظم الولاية الشرعية، حيث يُمنح للأم حق رعاية الأبناء في حال قيام الولي الشرعي اعطاء الرعاية للأم
كما ان هناك اشراف الحكومي على شؤون المرأة والأسرة عبراحداث لجنة خاصة برعاية من رئاسة الجمهورية،
اما عن قانون الاحوال الشخصية فلقد نظم حقوق المرأة في الزواج والطلاق بما يتماشى مع أحكام الشريعة الإسلامية قصد تحديد المسؤوليات بين الرجل والمرأة و حماية لها ضد العنف اذ تعتبر ايران الاقل نسبة في العالم في قضايا العنف ضد المرأة.
و تم تسليط الضوء ايضا في هذه الندوة التي تندرج في إطار الأسبوع الثقافي التونسي-الإيراني،والذي يمثل جسراً من الإبداع والتلاقح الفكري بين حضارتين التونسية و الإيرانية من خلال المحاضرة التي قدمتها
الدكتورة رجاء أبو علي
اذ ابرزت من خلالها دور المرأة في تحولات المجتمع، مستعرضة التجربة الإيرانية كنموذج للتحولات التي شهدها وضع المرأة عبر العقود الأخيرة.
التبادل الثقافي بوابة للفهم المشترك
أشارت الدكتورة رجاء أبو علي إلى أهمية هذا الحدث الثقافي، الذي يعد فرصة ثمينة للانفتاح على عالم ثقافي غني وملهم، حيث تجلت روائع الأدب والموسيقى والفنون البصرية بأبهى صورها. فقد أتاح هذا الأسبوع الثقافي مجالاً للتعرف على ملامح الإبداع والفن بين الشعبين، وفتح آفاقاً جديدة للفهم المتبادل وتعزيز العلاقات الثقافية.
المرأة الإيرانية: مسيرة التحولات والمكتسبات
تطرقت الدكتورة في محاضرتها إلى التحولات الجوهرية التي شهدها وضع المرأة في إيران، مشيرة إلى أن الثورة الإسلامية أحدثت تغييرات عميقة في القيم والمعتقدات الاجتماعية تجاهها. فمنذ انتصار الثورة، تعززت مكانة المرأة من خلال مشاركتها في مختلف المجالات، حيث لعبت دوراً حاسماً في الثورة الإيرانية وفترة الدفاع المقدس، ثم واصلت مسيرتها في قطاعات التعليم، والطب، والقضاء، والعلوم، مما ساهم في تغيير النظرة المجتمعية تجاهها.
كما سلطت الضوء على المرأة الإيرانية التي أصبحت اليوم عنصراً أساسياً في السياسات والخطط الوطنية، مما يعكس كفاءتها وقدرتها على النجاح المستمر. وقد شهدت مشاركتها نمواً ملحوظاً في المجالات الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والفنية، محققة إنجازات كبيرة في التعليم، والصحة، والرياضة، وريادة الأعمال، والتوظيف، وصنع القرار.
التمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة الإيرانية
أكدت الدكتورة رجاء أن أحد أبرز عوامل نجاح المرأة الإيرانية يعود إلى الدعم الحكومي، من خلال إطلاق صناديق ائتمانية لدعم النساء الريفيات، وتوظيف نسبة مهمة منهن في الإدارات والمؤسسات، مما ساهم في خفض معدلات البطالة بين النساء. كما أصبحت المرأة الإيرانية حاضرة بقوة في قطاعات تكنولوجيا المعلومات، والفنون، وريادة الأعمال، مما جعلها تحصد جوائز دولية ووطنية مرموقة من خلال المشاركة في فعاليات و مهرجانات
التحديات والمسؤوليات المستقبلية
رغم كل هذه الإنجازات، لم تغفل الدكتورة رجاء ابو علي عن ذكر التحديات التي ما زالت تواجه المرأة، مشيرة إلى أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق النساء والرجال على حد سواء، لمواصلة العمل على تحقيق المزيد من النجاح والازدهار. كما أكدت أن توضيح القيم الإسلامية والأحكام القرآنية المتعلقة بالمرأة سيساعد على تحقيق نتائج مثلى في تمكينها وتعزيز دورها.
ختام شعري يكرّس التلاقح الثقافي
في ختام مداخلتها، أمتعت الدكتورة رجاء ابو علي الحضور بأبيات شعرية تحتفي بتلاقح الثقافتين التونسية والإيرانية، مؤكدة أن الثقافة، في جوهرها، هي مساحة مشتركة للحوار والإبداع، وأن المرأة، أينما وجدت، قادرة على ترك بصمة في مسيرة التغيير والتقدم.
بهذا، يبقى الأسبوع الثقافي التونسي-الإيراني نموذجاً حياً لكيفية توظيف الفنون والفكر في بناء جسور التفاهم والتعاون بين الشعوب، حيث تتلاقى التجارب، وتُفتح الآفاق، ويظل دور المرأة محورياً في تشكيل ملامح المستقبل.
المرأة الإيرانية: دور ريادي في العلم والمعرفة
شهدت إيران خلال العقود الأخيرة تحولات جذرية في دور المرأة ومساهمتها في مختلف المجالات، لا سيما في التعليم والمعرفة والحكمة.
وفي هذا السياق، اكدت الدكتورة مهدية تقي زاده من خلال مداخلتها:
أن المرأة الإيرانية، باعتبارها نصف السكان النشيطين، لعبت دورًا حيويًا في تقدم إيران الإسلامية، حيث أصبحت مشاركتها في التعليم العالي معيارًا لقياس إرادة المجتمع في التعلم والتطور.
وتشير الإحصائيات إلى أن عدد الطالبات في الجامعات الإيرانية شهد زيادة بلغت 56 ضعفًا خلال السنوات الأخيرة، بينما تضاعف عدد النساء في هيئة التدريس 30 مرة على مدار الخمسين عاما.
و افادت ان هذا التطور يعكس إرادة المرأة الإيرانية في التقدم والتعلم، وهو ما تجسد بوضوح بعد الثورة الإسلامية، حيث لم تقتصر مشاركتها على التعليم فحسب، بل امتدت إلى مجالات متعددة، من بينها التخطيط وصنع القرار في مختلف القطاعات.
وفي هذا الإطار، أكدت الدكتورة تقي زاده على أهمية توجيهات القائد الأعلى السيد علي خامنئي التي تشدد على ضرورة حضور المرأة في مختلف الميادين الثقافية والعلمية والاجتماعية والاقتصادية، بل والسياسية أيضًا. وترى أن هذا التقدم جاء نتيجة للإصرار والمثابرة، مما مكّن المرأة من تحقيق العدالة الاجتماعية والمشاركة جنبًا إلى جنب مع الرجل في بناء المجتمع.
كما أوضحت أن مشاركة المرأة في التعليم العالي تمثل مؤشرًا رئيسيًا على نجاح السياسات التعليمية، وعاملًا أساسيًا في نهضة المجتمع. فالعدالة بين الجنسين في فرص التعليم تُعدّ من ركائز العدالة الاجتماعية، وهي جزء لا يتجزأ من رؤية الجمهورية الإسلامية التي تعتبر التعليم محورًا رئيسيًا في بناء مجتمع قائم على المعرفة والأخلاق والروحانيات والإنسانية.
وبذلك، يتأكد أن كل فرد يسلك طريق المعرفة ويؤمن بقيم الأخلاق والإنسانية، قادر على لعب دور جوهري في النهوض بالمجتمع، لتبقى المرأة الإيرانية نموذجًا يُحتذى به في الإصرار والنجاح.
كما تم تسليط الضوء حول دور المرأة في المجتمع المدني و اجتمعت جميع المحاضرات على الدور الريادي للمراة الايرانية في مختلف المجالات
اما عن التجربة التونسية فلقد ذكرت كل من السيدة سلوى بن حفيظ و الدكتورة ليلى تميم البليلي مجموعة من القوانين التي تعتبر مكسبا للمراة التونسية والتي جعلتها من اكثر التجارب العربية ريادة في مجال حقوق المراة حيث شهدت تطورا كبيرا منذ الاستقلال وبرز ذلك باصدار مجلة الاحوال الشخصية والتي اعتبرت نقطة تحول تاريخية حيث منحت المراة حقوقا غير مسبوقة في العالم العربي كمنع تعدد الزوجات ورفع سن الزواج و اقرار الطلاق القضائي مما عزز مكانة المراة داخل الاسرة والمجتمع
إلى جانب ذلك بروز نساء تونسيات رائدات في مختلف المجالات، حيث ساهمن في تعزيز صورة المرأة التونسية كفاعل أساسي في بناء الدولة الحديثة. هذا التقدم لم يكن مجرد تشريع قانوني، بل امتد ليصبح جزءًا من الهوية التونسية التي تدافع عن حقوق المرأة كجزء من التنمية والتطور الاجتماعي.
تواصل ثقافي يعزز التفاهم المشترك
شكّل الأسبوع الثقافي التونسي الإيراني فرصة ذهبية لتعزيز الحوار الثقافي وتبادل التجارب بين البلدين، خاصة في موضوع حساس مثل مكانة المرأة. هذه الفعالية لم تكن مجرد حدث ثقافي، بل منصة لإبراز القيم المشتركة بين تونس وإيران، وتأكيد أهمية الحوار في تعزيز التفاهم بين الشعوب.
إن مثل هذه الفعاليات تعكس الدور المحوري للثقافة والفنون في بناء جسور التواصل، وتعزيز الهوية الوطنية، ونشر القيم الإنسانية المشتركة في عالم يتجه نحو مزيد من التقارب والانفتاح.