أما المعطيات المتوافرة حول عملية تأليف الحكومة، فتشير إلى أنها ستكون غير فضفاضة من 24 وزيراً طابعها العام من الاختصاصيين، رغم أن الرئيس المكلف لا يحبذ هذه التسمية، ويفضل أن يسمي حكومته من غير الحزبيين الملتزمين، واعتماد مبدأ فصل النيابة عن الوزارة. وسيشارك “حزب الله” في الحكومة بعد اللقاء الذي جمع الرئيس المكلف ورئيس مجلس النواب نبيه بري. والسبب الأساسي الذي يدفع الحزب نحو هذا الخيار وعدم المقاطعة يكمن في الحاجة الملحة لإطلاق ورشة إعادة الإعمار بتمويل عربي ودولي، بعدما باتت معالم الضيق المالي الذي يعاني منه واضحة في أوساط بيئته ممن فقدوا أملاكهم.
وتشير المعطيات إلى أن مشاورات سلام مع الثنائي الشيعي لم تكن بلغت حدود مقاربة الأسماء بعد في انتظار بلورة أمرين، أولهما تحديد الحقائب في تصوّر الرئيس المكلف التي ستسند إلى الثنائي وما إذا كانت وزارة المال ستبقى في يده كما يطالب، وهذا يقود إلى الأمر الثاني والمتصل بما إذا كان سلام سيعمد إلى اعتماد المداورة في الحقائب الأساسية ما سيؤدي حكماً إلى تغيير في توزيع الحقائب السيادية والخدماتية التي باتت تحظى بشهية أكبر نظراً إلى أن أمام هذه الحكومة مرحلة التحضير للانتخابات البلدية والنيابية المقبلة.
ووفق المعطيات فإن اجتماع الرئيس المكلف السبت الماضي مع النائبين علي حسن خليل ومحمد رعد والقيادي في “حزب الله” حسين الخليل، ومن ثم في اجتماع ثانٍ جمعهم البارحة، جرى التوصل إلى تفاهم تخطى ما رافق الاعتراض لدى الثنائي الشيعي على عملية التسمية. وأبدى ممثلو “الثنائي” استعداده للتعاون مع سلام وأبلغوه أنهم يبادلونه الموقف نفسه إذا توفرت بالفعل إرادة حقيقية لحل الأزمات المطروحة. وكان التركيز من جهة “الثنائي” على برنامج الحكومة المقبلة وتطبيق القرار 1701 “في جنوب الليطاني” والاستعداد للدخول في البحث في استراتيجية وطنية دفاعية. وتردّد أنه تم وضع الثلث الضامن أو المعطل جانباً.
ارتياح فرنسي… وحذر
وسط هذه التطورات أفادت مراسلة “النهار” في باريس رندة تقي الدين أن الجانب الفرنسي أبدى ارتياحاً كبيراً عقب زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبيروت الجمعة الماضي حيال الأمل الذي انبثق عن انتخاب الرئيس جوزف عون وتكليف الرئيس نواف سلام بتشكيل الحكومة لدى الشعب اللبناني ولدى الأسرة الدولية التي ستساعد لبنان على النهوض. ولدى باريس اقتناع بأن الرئيسين عون وسلام يمثلان الصفات المطلوبة لإدارة البلد ومواجهة التحديات الكبرى أمامهما وأيضاً الحصول على الدعم من دول جاهزة للمساعدة خصوصاً أنهما يتمتعان بسمعة النزاهة والتعلق بالسيادة. لكن الأوساط المسؤولة في باريس ترى أن التحديات ما زالت كبيرة للبنان رغم هذا الأمل، لأن المخاطر ما زالت قائمة في السلاح الذي ما زال موجوداً بكثرة لدى “حزب الله”، علماً أن الرئيس اللبناني أكد لنظيره الفرنسي أن الجيش اللبناني سيستمر في الانتشار في الجنوب والالتزام بالقرار 1701 كما وعد في خطاب القسم. وقالت مصادر فرنسية عسكرية لـ”النهار” أنه ما زالت هناك مواقع أسلحة للحزب في الجنوب وبنى تحتية من أنفاق طويلة وعميقة وأن خطر هذا السلاح يتمدد للداخل اللبناني إذا لم يتم استيعابه داخل الجيش اللبناني كما أشار الرئيس المنتخب. وتوقعت مصادر فرنسية أن يتأخر انسحاب إسرائيل من الجنوب بعض الوقت نظراً لبقاء سلاح “حزب الله” في عدد من المواقع وأن الدولة العبرية قد لا تلتزم بموعد 26 أو 27 كانون الثاني.
ميدانياً بدأ الجيش اللبناني أمس خطوة توسيع انتشاره في مدينة بنت جبيل والتمركز عند الطرق لمنع التوجه إلى البلدات التي لا يزال الجيش الإسرائيلي يحتلها، أي يارون ومارون الراس وعيترون. وأرسل الجيش تعزيزات مؤللة إلى بنت جبيل في إطار خطة إعادة الانتشار في المنطقة الحدودية.
لا تساهل دولياً
وغلب الاستحقاق المتصل بتنفيذ اتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل على المواقف التي اختتم بها الأمين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش زيارته لبيروت والجنوب، فاعلن عبر “النهار” أن “المجتمع الدولي لن يتساهل أبداً مع أي طرف يقوم بخرق القرار 1701 واتفاق وقف إطلاق النار”. واكد أن استمرار احتلال الجيش الإسرائيلي في منطقة عمليات اليونيفيل، وتنفيذ عمليات عسكرية داخل الأراضي اللبنانية، يمثّلان انتهاكاً للقرار 1701 ويشكلان خطراً مستمراً على سلامة وأمن العناصر الأممية، وأشار إلى أن اليونيفيل قد كشفت عن أكثر من 100 مخزن أسلحة تعود لـ”حزب الله” أو مجموعات مسلحة أخرى منذ 27 تشرين الثاني .
ورداً على سؤال لـ”النهار” حول التفسيرات المختلفة بين طرفي الصراع لقرار وقف إطلاق النار في جنوب لبنان حيث يتحدث “حزب الله” عن ترميم قوته العسكرية وأن القرار يشمل فقط منطقة جنوب الليطاني في حين تستمر الخروق الإسرائيلية، قال: “أنا مقتنع تماماً بأن الاتفاق الذي تم التوصل إليه سيُحترم. وأنا على يقين تام بأن القوات الإسرائيلية ستغادر لبنان كما هو متفق عليه، وأن القوات المسلحة اللبنانية، بدعم من اليونيفيل، ستتولى السيطرة الكاملة على المنطقة جنوب نهر الليطاني. ولا أرى أي سبب يمنع حدوث ذلك”. وأكدّ أن “أفضل ضمانة تكمن في أن المجتمع الدولي بأسره لن يغفر أي خرق لهذا الاتفاق، فالجميع يريد السلام في لبنان، ولا أحد يقبل أن تعود الحرب اليوم في لبنان”.