نور علي زريق – “العميل” مسلسل أثار ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث خلق نجومه حالة خاصة بينهم وبين المشاهدين. نسجوا مشاهدهم بخيوط من العمل الدؤوب، الحب، التسامح، وأحيانًا البطش والعدوانية، معبّئين أحداثهم بالإثارة والتشويق حتى بلغت ذروتها. عُرض من المسلسل 86 حلقة، لم تحمل إحداها لحظة ملل، ولم يتبق سوى الحلقة الأخيرة، التي يترقبها الجمهور على أحر من الجمر. فهل ستكون نهاية العمل بمستوى بدايته؟
لاقَت المسلسلات التركية المعربة ترحيبًا كبيرًا لدى الجمهور العربي، رغم الانتقادات التي طالت هذا النوع من الإنتاجات. إلا أن مسلسل “العميل” حظي بمعظم تعليقاته بإعجاب الجمهور. ظهر العمل بإيقاع مختلف؛ حيث أضافت الوتيرة التي عمل عليها صناعه بُعدًا مميزًا، وشكّلت عامل جذب منذ البداية وحتى النهاية.
تدور أحداث المسلسل ضمن قالب يجمع بين الأكشن والدراما، حول الأخوين وسام وأمير، اللذين فرقتهما الأقدار في الصغر، ثم جمعتهما مجددًا لكن بوجهين مختلفين للعملة نفسها. أمير أصبح ضابط شرطة ينضم إلى عصابة بعملية سرية، بينما اختُطف وسام في طفولته على يد زعيم العصابة ملحم شديد، ليصبح يده اليمنى وضابطًا للمخابرات، ولكن لصالح العصابة.
تشعبت أحداث القصة بشخصيات متعددة وحكايات متداخلة تخدم السياق العام للعمل.
في سياق متصل، جسّد النجم أيمن زيدان شخصية ملحم شديد بحرفية عالية، مستخدمًا أدواته بميزان دقيق بين القسوة، البطش، وحب السلطة. فهو ملك ليس فقط على مملكته، وإنما على جميع المماليك. لقد أضاف القدير زيدان ثقلًا للعمل، إذ إن القصة تقع على كاهله فجميع الخيوط تقود إليه. جسّد النجم شخصية رجل العصابات بكل جوانبها، مضيفًا نوعًا من العطف والحنان بهدف تسليط الضوء على الجانب الإيجابي من الشخصية من خلال ولائه لكلمته والعاملين تحت جناحيه. أما علاقته مع ابنته فكان لها وقع خاص، بحيث شعر المشاهد أن زيدان وضع من نفسه فيها، خصوصًا في المشهد الذي تلقى فيه خبر موت ابنته خولا التي جسّدتها الممثلة رشا بلال، إذ ظهرت بشخصية المحامية التي جار عليها القدر، ولكنه أنصفها في الوقت ذاته، أخذ منها وأعطاها. ظهرت رشا كنسيم، تعلّق بطيفها المشاهدون ، خصيصا بمشاهد الحب التي جمعتها بحبها الأول أمير .
ومن جهة أخرى، شكّل النجمين طلال الجردي وسامر إسماعيل ثنائيًا جميلًا جدًا، تحت عنوان إظهار العدالة والعمل بأخلاقيات المهنة. فالجردي أدّى دور عميد المخابرات الذي كرّس حياته بهدف القبض على رئيس العصابة، مستخدمًا أدوات أظهرت أبعاد الشخصية الداخلية، إذ يشعر بأنه كان عاملًا في وصول ملحم لنفوذه، بطريقة أو بأخرى، مما ولّد لديه عقدة الذنب التي كلّفته حياته. أما الممثل سامر إسماعيل فقد أدّى شخصية أمير بنكهة جديدة، مغيرًا جلده عن أدواره السابقة، إذ جسّد دور الابن البار والأخ الملهوف على معرفة مصير أخيه الصغير، محمّلًا نفسه مسؤولية خسارته. عمل في وسط العصابات، لكنه لم ينجرف في طريقهم، بل منعته أخلاقياته من الانغماس في عالمهم المظلم، مستخدمًا جميع حواسه لتوصيل مشاهد السعادة، الحب، الضياع، الغضب والحزن
أما الممثلة يارا صبري، فقد كانت الشخصية المنتظرة بعد انقطاعها عن التمثيل لسنوات طويلة لأسباب معروفة. عادت بقنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة من خلال شخصية الأم ميادة، ناقلة مشاعرها بطريقة لامست جوارح المشاهدين. فالأم الفاقدة المنتظرة عودة ابنها، الذي لا تعلم إن كان حيًا كما تشعر أو ميتًا كما يدّعون، وخوفها على ابنها الثاني أمير من الضياع والسير على خطى والده.
النجم اللبناني وسام فارس أثبت أن الممثل اللبناني لديه قدرات عالية، لكنه بحاجة فقط لشركة إنتاج تعطيه الفرصة. لعب وسام دوره بشكل رهيب، مجسّدًا شخصيته بإبداع عبر نقل مشاعر الشخصية الطيبة التي أجبرتها الظروف على التمسك بالجوانب المظلمة. وكأنه يعزف سيمفونية بالأبيض والأسود على أوتار المشاهدين، موضحًا أن الشخصية ضائعة بين هويتها الحقيقية والظروف التي صاغت حاضرها. جسّد وسام الدور بحواسه كلها؛ فكانت عينيه تتكلم بلحظات الصمت، وملامح وجهه تعبّر عما تعجز الكلمات عن نقله.
بدورها، جسّدت الممثلة الموهوبة ميا سعيد شخصية نور، الصحفية الناجحة التي تسعى لنقل الحقيقة عبر قلمها الحر، قبل أن تقع في حب وسام وتخوض المصاعب بجانب ميادة وعائلتها. لعبت ميا الدور بشغف وحب، موصلةً الشخصية إلى قلوب الجمهور، ومثبتةً أنها ممثلة تجيد الأداء بجانب الأسماء الكبيرة.
جمع مسلسل “العميل” نخبة من الممثلين الموهوبين، بينهم فادي صبيح، عبدو شاهين، أيمن رضا، محمد عقيل، حازم زيدان، هند باز، رولا بحسون، جاد خاطر، دانا حلبي، محمد شمص، وغيرهم.
العمل من إخراج بربروس بيلجين وبيير قلام، وتأليف رامي كوسى وأرتان كورتولان.
ختامًا استطاع “العميل” أن يخلق حالة درامية مميزة، محققًا نجاحًا كبيرًا وجاذبًا جمهورًا واسعًا بفضل قصته المشوقة، وأداء ممثليه، وإخراجه المتقن.