بعد الإنجيل رحب الجاويش بابراهيم الذي قال في كلمته: “اخوتي الكهنة، أبنائي وأصدقائي الحاضرين في هذه الرعية الكاتدرائية التي خدمت فيها ثمانية عشر عامًا، وقد بنيناها معاً، سلام الرب معكم. ها أنا اليوم أقف أمامكم، من جديد في كاتدرائية المخلص في مونتريال، ليس كراعٍ لهذه الأبرشية الغالية، ولكن كزائر يحمل في قلبه شوقًا عارمًا. غيابي عنكم لم يكن إلا جسديًا، أما روحي فكانت وما زالت تسكن بينكم، تبارك كل خطوة خطوتموها نحو الرب، وتشهد لكل صلاة رفعتموها. إن هذه الجدران تعرف قصصنا، وتحت هذه القبة رُفعت صلواتنا وآلامنا وآمالنا، فكيف لي أن أنسى تلك الأيام التي جمعني الله فيها بكم، أيامَ كان فيها القلب والروح واحدًا في الخدمة والمحبة. شوقي إليكم لا يُعبر عنه بكلمات، ولكنني أقف أمامكم اليوم حاملاً رسالة شكرٍ لكل واحد منكم، لكل صلاة رفعتموها من أجلي، ولكل لحظة عشتها معكم. أود أن أذكركم بأن هذه الكنيسة ليست فقط بناءً من الحجر، بل هي جسدٌ حيٌ أنتم أعضاؤه، وبدونكم لا قيمة له”.
أضاف: “أسأل الله أن يبارك المطران الجليل ميلاد الجاويش، وكل الآباء الكهنة الذين يكملون هذه الخدمة المقدسة، وأن يظل هذا البيت المقدس منارةً للإيمان والمحبة لكل من يدخل إليه. أرجو أن تحملونني في صلواتكم، وأن يبقى بيننا الرب جامعًا، حتى نبقى دوماً معًا حيث لا فِراق ولا غياب.”
وتابع: “أتيتكم في عيد الصليب الذي هو رمز الفداء والتضحية، إذ يحمل في طياته معاني الألم والرجاء، فالصليب هو دليل على قدرة الإنسان على تحمل المشقة في سبيل ما يؤمن به وما يحب. كما أن الصليب يعكس رحلة الخلاص، التي لا تنتهي بالألم بل تصل إلى القيامة والانتصار على الموت. وفي هذا السياق، نجد أن بلادنا في الشرق التي تبدو وكأنها مصلوبة على صليب التاريخ والجغرافيا، تتألم تحت وطأة الصراعات والتحديات والحروب التي أضنت شعبنا وأثقلت كاهله، وتحمل في داخلها جروح الزمن وصعوبات الحياة اليومية، وكأنها ثابتة في مكانها تنتظر لحظة الخلاص التي قد تأتي متأخرة، حيث الألم ليس النهاية، بل هو بداية لرحلة أمل وصمود نحو القيامة”.
وقال: “أهلنا في الغرب، وأنتم منهم، الذين تركوا أوطانهم بحثًا عن أمان أو فرصة، يعيشون معاناة من نوع آخر؛ فهم مسمرون على صليب الهم والحنين إلى بلادهم الأم. يتحملون عبء الغربة، قلوبهم معلقة هناك حيث تركوا ذكرياتهم وجذورَهم، فيصيرون مصلوبين بين عالمين: عالم الغربة الذي أصبح ملاذهم، وعالم الوطن الذي لا يفارق قلوبهم. أما الصليب الشخصي الذي يحمله كل إنسان، وقد قال السيد المسيح احمل صليبك واتبعني ولم يقل احمل صليبي واتبعني، فهو صليب يختلف من فرد لآخر، لكنه يتشابه في المعنى: إنه حمل الألم الشخصي والمعاناة الخاصة، وكل منا يواجه هذا الصليب بطريقته. أنا الذي اخترت العودة إلى الشرق، بعد أن عاشرت عالم الغرب، وجدت نفسي مصلوبًا أيضاً بين عالمين غاليين على قلبي. فالشرق بأوجاعه ومحبته يسحبني إليه، والغرب بما فيه من فُرص واستقرار يجذُبني أيضًا. وبين هذا الصراع، أتحمل صليبي الخاص، مصلوبًا بين انتماءين: انتماءٌ لجذوري وانتماءٌ لتجربتي. لكن كما يعلّمنا الصليب، فإن الألم ليس نهاية الرحلة، بل هو جزء من الطريق نحو النمو الروحي والتوازن بين العوالم التي نحبها”.
وختم: “إن الصليب هو جسر العبور بين الله والبشر، هو قصة حب وعشق الهي. إني أخال اللهَ لحظة الخلق يجبل الانسان ليس بنفخته فقط بل بدموعه وشوقه. أمام حب الله الكبير لكل واحد منا يدعونا الله لكي نحب بعضنا بعضاً كما أحبنا هو فيغدو الصليب جسر عبور لا إليه فقط بل إلى اخوتنا البشر أيضاً. أمام هذا الحب الالهي الكبير أتضع مهابةً وأختم بكلمة الله لنا لأقول معه أنا أيضاً: أحبكم”.
بعد القداس التقى ابراهيم ابناء الجالية الزحلية واللبنانية والعربية في صالون الكاتدرائية واطمأن الى اوضاعهم واطلعهم على احوال لبنان والمنطقة.