عاش جرجي حداد حياةً ملؤها العمل من أجل مصلحة بلده، حيث تسلّم رئاسة بلدية روم وكان عميداً لرؤساء بلديات قضاء جزين، هذا القضاء الذي أحبّه بصدق وأفنى عمره في خدمته. كان رمزًا للعطاء في خدمة الناس، قائدًا حكيمًا لم يتوانَ يومًا عن تقديم أفضل ما لديه لوطنه، فكان بصدق “عميد رؤساء البلديات”، المخلص الذي لم يعرف الهدوء في السعي لرفع مستوى الحياة في منطقته وتوفير الخدمات لأهلها.
لكن جرجي لم يكن مجرد شخصية عامة تتقلد المناصب، بل كان إنسانًا قريبًا من قلوب الجميع، رجلًا متواضعًا رغم عظمة أفعاله. استطاع بفضل أخلاقه العالية وحكمته أن يربط أواصر المحبة بين مختلف الفئات، فكان دائمًا صوتًا للعقل وحجر الأساس في لمّ الشمل وإعادة بناء جسور الثقة.
كان الفقيد يتمتع بحسٍ وطني عالٍ، فكان مثالًا يُحتذى به في التضحية من أجل الوطن. لم يكن يخاف المواجهة حين كانت مصلحة الوطن على المحك، وكانت شجاعته واضحة في اتخاذ قرارات جريئة تصب في خدمة المجتمع وحمايته من الأزمات التي قد تعصف به.
وفي خضم هذه المسيرة المضيئة، لم تكن علاقته ببلدته روم فقط، بل امتدت لتشمل مدينة زحلة، التي أحبته وأحبها، وكان دائم التواصل مع أهلها، مشاركًا إياهم أفراحهم وأحزانهم، ومساهمًا في تعزيز الروابط بين روم والزحلة. عرفه أهل زحلة رجلًا محبًا ومخلصًا، لا يدخر جهدًا في دعم قضاياهم والوقوف إلى جانبهم.
لم يكن ارتباط “ابو عجاج” بشقيقه المثلث الرحمات المطران أندره حداد مجرد رابطة دم، بل كان رابط فكر وقيم، فقد تشاركا معًا حب الكنيسة والوطن، وكانا مثالين للقيادة في الحياة العملية والاجتماعية. تلاقيا في رؤية واحدة عنوانها الخدمة والعطاء، فكان جرجي الوجه المدني لهذه الرؤية، بينما جسّد المطران أندره الدور الروحي.
رحل “ابو عجاج” ولكنه ترك إرثًا خالدًا من المحبة والعطاء، ترك في كل زاوية من روم وزحلة بصمة لا تمحى. سيبقى اسمه محفورًا في ذاكرة الأجيال القادمة كنموذجٍ للقيادة الحكيمة والوطنية الصادقة، والإنسانية الرحيمة. رحم الله فقيدنا الكبير، وأسكنه مع الأبرار والقديسين، حيث لا وجع ولا حزن ولا تنهد بل حياة ابدية.
بإسمي الشخصي، وبإسم الكهنة والرهبان والراهبات، وابناء وبنات الأبرشية اتقدم بخالص مشاعر العزاء من عائلته الكريمة ومن عموم اهالي روم وقضاء جزين. المسيح قام”.