رعى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي احتفالية المئوية الأولى لاعلان دولة لبنان الكبير في الكرسي البطريركي في الديمان، والتي نظمتها رابطة قنوبين البطريركية للرسالة والتراث بالتعاون مع تجمع “موارنة من اجل لبنان”.
وتضمنت الاحتفالية عرضا ثلاثي الابعاد موثقا ومصورا استنادا الى أرشيف بكركي ومكتبة الوادي المقدس وأرشيف مؤتمر الصلح في باريس وحقبة الانتداب الفرنسي. وأضاء العرض على المسار التاريخي لدور الكنيسة المارونية في تأسيس الكيان اللبناني وصولا الى اعلان دولة لبنان الكبير 1920، ومنها الى استقلال 1943 حتى اليوم. أعد النص التاريخي وسيناريو العرض ووثائقه الدكتور مطانيوس نجيم والزميل جورج عرب، والإخراج لميلاد طوق، وإدارة تقنية ومؤثرات ضوئية وصوتية ل V. event بإدارة روني الراعي. كما تضمنت الاحتفالية في قسمها الثاني أناشيد من التراث المشترك المسيحي الإسلامي، ادتها جوقة قاديشا بقيادة الاب يوسف طنوس.
وبعد انتهاء الأناشيد، قدم عرب للبطريرك الماروني بكلمة أجرى فيها مقارنة بين عامي 1920 و 2020 ودور البطريركين الحويك والراعي. وقال: “إنها حكاية التاريخ تتبدل معها الأسماء وتتكرر الأحداث والمعطيات: 1920 القوى العظمى تتقاسم منطقة الشرق الأوسط، فرنسا تحوم بأجنحتها فوق لبنان. الحركة الصهيونية تفعل سعيها الى اقامة وطن اليهود، حركة القومية العربية تفعل سعيها الى اقامة الوحدة العربية، ولبنان الصغير منهك بالموت جوعا واضطهادا في الحرب العالمية الأولى. وسط تلك الصورة يقف البطريرك الياس الحويك قامة روحية ووطنية عالية، يطلق مشروع لبنان الكبير تتويجا للنضال التاريخي. يستقطب فئات اللبنانيين تباعا، لقد أصر الحويك على موقفه بالرغم من تعثر مساعي الوفود اللبنانية الثلاثة، والمطران عبدالله الخوري، رئيس الوفد الثالث، يراسل الحويك مقررا العودة خائبا الى لبنان الصغير. لكن اصرار الحويك، رجل الله، ومراسلاته ذللا التعثر وكان لبنان الكبير، وكان الحويك بطريرك المئوية الأولى”.
أضاف: “سنة 2020 المشهد يتكرر. القوى العظمى تتقاسم الشرق الأوسط، فرنسا تحوم بأجنحتها فوق لبنان، الحركة الصهيونية أقامت وطن اليهود اسرائيل، حركة القومية العربية يختلط فيها العربي والفارسي، ولبنان الكبير منهك بتداعيات داخله وخارجه، انهاكا يكاد يستعيد انهاك الحرب العالمية الأولى. وسط هذه الصورة يقف البطريرك بشارة الراعي قامة روحية وطنية عالية يطلق مشروع حياد لبنان، تتويجا لنضال المحافظة على لبنان الكبير. لقد بدأ يستقطب فئات اللبنانيين تباعا، يتواصل مع الداخل والخارج وتبرز العثرات الشبيهة بعثرات مئة سنة مضت، لكن اصرار الراعي، بإيمانه الراسخ، على تحييد لبنان عن كل صراع سيحفظ لبنان كبيرا موحدا، ويكون الراعي بطريرك مئويته الثانية”.
الراعي
ثم ألقى الراعي كلمة استهلها بمعايدة الحضور بحلول ذكرى المئوية، وقال: “غدا اليوم الاول بعد المئة وعقبال المئتين، وهذا الذي سيحصل لأن هذه المسيرة تجسد تاريخا طويلا متأصلا بتاريخ شعب ناضل طويلا على هذه الارض بقيادة بطاركة عظام، وجهة نظرهم واضحة وهي المحافظة على الايمان والاستقلال والحرية والسيادة وهذه كلها من طبيعة الكيان اللبناني الذي لم يتعود يوما إلا العيش بحرية ودون استعباد”.
أضاف: “هذه المسيرة التي أردنا إيصالها، وهي عدم الخوف من الصعوبات التي شبهها الرب يسوع بمخاض الام خلال الولادة وشبه آلامه ايضا بالمخاض مؤكدا انه لو لم يتألم لما كانت الكنيسة، وكذلك لبنان لو لم يتألم فترات طويلة وفي محطات تاريخية ولو لم يدرك المكرم البطريرك الياس الحويك عصارة هذا الالم الكبير جراء الصعوبات الداخلية والخارجية، كما ذكر الاستاذ جورج عرب، من القضية العربية والحركة الصهيونية حتى من الدول التي كانت متعاطفة وغيرت رأيها لكن البطريرك بقي صامدا بإيمانه وبقوة شعبه فكانت ولادة لبنان على يده في 1 ايلول 1920”.
وتابع: “علينا ألا نخاف خصوصا عندما نرى كيف عاش لبنان سن الولادة من 1920 الى 1943، وعاش شبابه في مرحلة جميلة ورائعة ولكن ضمنها بعض الصعوبات التي تمكن من تخطيها فحقق ذاته، حتى انه بات سويسرا الشرق بفضل حياده وصداقاته وارتباطاته وانفتاحه على كل دول العالم شرقا وغربا. وعاش مرحلة اختبار الالم التي بدأت عام 1975 بالحرب الاهلية وما بعدها، وصولا الى اليوم حيث اصبحنا على الحضيض اقتصاديا ومعيشيا وماليا ونموا وبتنا كأننا على شفير الموت وبحالة نزاع سريري، وتوج كل هذا الالم بانفجار المرفأ وبالكورونا التي تجتاح العالم، ولكنني متأكد من ان هذا المخاض المؤلم سيولد منه لبنان الجديد”.
وقال: “هذه مسيرة الشعوب والدول ويجب علينا ألا نخاف لأن من لا يختبر الصعوبة والالم في حياته يبقى صغيرا ولا ينضج حتى لو اصبح كبيرا، وهذه الاختبارات الصعبة التي مررنا بها ستساعدنا كي ننضج بلبنانيتنا وانتمائنا لهذا الوطن وولائنا له وثقتنا ببعضنا البعض التي هي واجب علينا ان نعيشه”.
أضاف: “أريد بالمناسبة ان أشكر الجوقة بقيادة الاب يوسف طنوس لأنها وضعتنا في لوحة تعددية دينية وثقافية، تعددية غير موجودة في اي من بلدان الشرق الاوسط، ولبنان وحده يعيشها رغم الصعوبات ويشكل فسيفساء جميلة اسمها المجتمع اللبناني. وهذا ما اراد المكرم البطريرك الحويك قوله في كلمته الشهيرة بأن لبنان لوحة واحدة مرصعة وطائفة واحدة اسمها لبنان وحباتها فسيفساء مؤلفة من طوائفها المتنوعة. فعلينا اليوم ان نجدد ايماننا بلبنان وبذاتنا والثقة ببعضنا بعضا فنسير الى الامام يدا بيد لأن الوطن للجميع والموارنة ناضلوا من اجل كل اللنانيين ويرتضون كل التضحيات دون المطالبة يوما بشيء لانفسهم بل لكل لبنان”.
وختم: “أريد بالمناسبة ان أحيي الرئيس الفرنسي الذي زار لبنان مرتين في اقل من شهر ليؤكد صداقة فرنسا للبنان، الصداقة التي تعود الى مئات السنين، والتي نشأت في الاساس مع الموارنة الذين حولوها لتصبح صداقة فرنسا مع لبنان. فلنكن واحدا من اجل لبنان وكل اللبنانيين”.
ميثاقا تعاون
بعد ذلك، تم توقيع ميثاقي شراكة وتعاون بين رابطة قنوبين للرسالة والتراث وكل من الجامعة الأميركية للتكنولوجيا AUT التي أقامت حديقة البطاركة سنة 2004، وتجمع “موارنة من أجل لبنان” الذي انخرط في تحقيق مشروع المسح الثقافي الشامل لتراث الوادي المقدس. ووقع الميثاقين رؤساء الرابطة والجامعة والتجمع: نوفل الشدراوي وغادة حنين وبول يوسف كنعان، بمصادقة النائب البطريركي المشرف على رابطة قنوبين المطران جوزيف نفاع.