أيّ حراك آني او لاحق، للتعجيل في انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، وحتى ولو كان يحظى بتغطية دولية شاملة له، محكوم بالفشل الحتمي، إن كان تكرارا للحراكات السابقة، ومفتقرا لقوة دفع جدية وحقيقية، تلزم المعطلين بالاستجابة له ولو مكرهين.
لم تمحَ من ذاكرة اللبنانيين، التجربة، او التجارب مع مسلسل طويل من حراكات توالت في السنتين الاخيرتين، الجامع بينها أنها تبدأ بزخم، ولكن سرعان ما كان يخفت هذا الزخم ويتدرج الى استطلاعات ولقاءات وحوارات ودوران في حلقة مفرغة، أقصى ما انتهت اليه بيانات إنشائية تخاطب المعطلين بوجدانيات وتمنّيات عن بعد، تكسّرت جميعها على صخرة التعطيل.
ما بعد الرياض
العين حالياً على الرياض، رصداً للخطوة التالية للمشاورات السعودية الفرنسية، التي يفترض أنها أسست للقاء سفراء اللجنة الخماسية في بيروت منتصف الشهر الجاري لتحديد آلية التحرّك الجديد لانتشال رئيس الجمهورية من مياه السياسة العكرة ونكد الهاربين من بت الملف الرئاسي على ارضية توافقية.
في انتظار اطلاق اشارة البدء بهذا التحرك، فإن اخبار السعودية، وكما بات معلوما تشي بايجابية بعد لقاء الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان ومستشار الديوان الملكي السعودي نزار العلولا. إلا أنّ اللافت للانتباه ما ابلغته مصادر مواكبة لمشاورات ما قبل الحراك الى «الجمهورية» بأن «الاجواء مشجعة لبدء التحرّك، انما التفاؤل في امكان نجاحه سابق لأوانه».
وكشفت المصادر عما سمّتها «اشارات متتالية» من اجواء الخماسية تحيط حراكها المنتظر بنفحة تفاؤلية، اولا بتأكيد جديته وانطلاقه بزخم كبير، وثانيا عبر الجزم بأنّ السعوديّين في صميم الملف الرئاسي وباتوا جادين في شراكتهم في توفير الحد الاقصى من المساعدة لتمكين اللبنانيين من اختيار رئيسهم ووضع بلدهم على مسار الرخاء والازدهار، وان الفرنسيين متحمّسون ومتأهبون لالتقاط زمام الملف الرئاسي من جديد، وتوجيهات الايليزيه تركز على حضّور مكثف في لبنان على خط الاستحقاق الرئاسي، وكذلك على خط الحل السياسي وتبريد الجبهة الجنوبية. واما الاميركيون فيدفعون بقوة من الخلف للتعجيل بحسم الملف الرئاسي عبر توسيع دائرة الخيارات لاختيار رئيس لا يشكل تحديا او استفزازا لأي طرف».
ولفتت المصادر الى «ان الجهد المتجدد يرمي الى انضاج الملف الرئاسي في لبنان ضمن مهلة لا تتعدّى اسابيع قليلة، ومن هنا فإنّ الخماسيّة، تعوّل على ليونة الاطراف وتسهيل مهمتها».
تشكيك
واما في موازاة ذلك، فيبرز تشكيك بامكان حسم الملف الرئاسي قبل الانتخابات الاميركية فحسب او قبل انتهاء الحرب خصوصا على جبهة لبنان. وفق ما صرح مسؤول كبير بقوله لـ«الجمهورية»: اولا، لا يوجد لدينا ما يؤكد وجود اولوية لدى الدول تسبق اولوية مواكبة الحرب القائمة في غزة ونتائجها في الساحات الساخنة المرتبطة بها. وثانيا، ما يحكى عن حراك للتعجيل في انتخاب رئيس للجمهورية يعبّر من حيث الشكل، عن رغبة في ترييح لبنان. ولكن وفق ما هو مؤكّد لدينا فإن قرار ترييح لبنان لم يتخذ بعد».
من هنا، يضيف المسؤول عينه، فإن اعتراضات بعض الداخل على التوافق على رئيس، تستمد تصلبها من حليفها الخارجي الذي يؤجّل فك رموز الشيفرة الرئاسية، ففي يده، بما له من مونة سياسية ومعنوية وتمويلية على حلفائه تحريكهم باشارة من اصبعه، في الاتجاه الذي يريده، ويسوقهم الى التوافق دون ابطاء او تردد.
وردا على سؤال قال: غالبية القوى السياسية متحمسة لانتخاب رئيس بالتوافق. وفي مقابلها قلة تقطع الطريق على توفير نصاب الثلثين لجلسة الإنتخاب، انعقادا وانتخابا (86 نائبا). يمكن ان نرجح احتمال الخرق إن لمسنا ان الخارج يضغط بجدية صادقة على المعطلين، ويمكن ان نرجحه ايضا إن لمسنا ان أعضاء الخماسية على قلب واحد ورأي واحد من الملف الرئاسي.
لماذا تحرّك الملف؟
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال: لماذا تقرر تحريك الملف الرئاسي في هذا التوقيت بالذات؟
بمعزل عن الموقف العلني لدول الخماسية المكرر منذ بداية الشغور الرئاسي بأنّ على لبنان ان ينجز انتخاباته الرئاسية سريعا، فإنّ مصادر سياسية وسطية بارزة أبلغت الى «الجمهورية» انها لا تعتقد ان اطلاق التحرّك في هذه الفترة مجرد لعبة في الوقت الضائع على غرار الحراكات السابقة، بل ربما يكون جديا جدا هذه المرة، ومردّه الى شعور لدى تلك الدول بأنّ الحرب في غزة وامتداداتها الى جنوب لبنان، اقتربت من أن تضع اوزارها. اي انهم يحاكون اليوم التالي لانتهاء الحرب في الجنوب عبر تمهيد مسبق للاستحقاقات المرتبطة بهذه الجبهة، التي تستوجب ان يكون على رأس الدولة في لبنان رئيس يشرف او يدير او يشارك في مفاوضات الحل السياسي لجبهة الجنوب.
ولفتت المصادر الى تحذيرات فرنسية ابلغت في وقت سابق الى مرجعيات وقيادات سياسية من أن مصلحة لبنان تكمن في التعجيل في انتخاب رئيس يمثل لبنان في مؤتمر دولي او اقليمي حول المنطقة ما بعد الحرب، حيث انه إن لم يكن لبنان على طاولة المفاوضات ممثلا برئيس للجمهورية فقد تأتي الحلول على حسابه، وتطرح حلول بمعزل عنه ومنافية لمصلحته ويجد نفسه مضطرا للقبول بها.
منصوري يستبق الرمادية
في مجال داخلي آخر، علمت «الجمهورية» ان حاكم مصرف لبنان المركزي بالانابة وسيم منصوري اجرى سلسلة اجتماعات في لندن مع مسؤولي المراكز الدولية المراسلة التي يتعامل معها لبنان، والتي يبلغ عددها ستة مصارف. وثبّت منصوري العلاقات التي وصفتها تلك البنوك مع لبنان بالإستراتيجية، لإبقاء التعاون قائماً مع مصرف لبنان المركزي، مهما تكن نتائج اجتماعات «فاتف» بشأن وضعية لبنان.
وبحسب المعلومات فإن منصوري قام بخطوات استباقية، لمنع تأثير احتمالية وضع لبنان على اللائحة الرمادية، على العلاقات والمراسلات المالية بين لبنان وعواصم العالم. وهو نجح في مسعاه، لإبقاء لبنان بمعزل عن التداعيات السلبية لأي قرار تصدره مجموعة «فاتف».
الجدير ذكره ان المصارف المراسلة التي يتعامل معها لبنان حالياً وصل عددها إلى ستة، بعد ان كانت مصرفا واحداً قبل تسلّم منصوري مهام الحاكمية بالإنابة.
من الجنوب الى الداخل
على الخط الجنوبي، سخونة متزايدة على امتداد خط الحدود جراء تواصل الاعتداءات الاسرائيلية على المناطق اللبنانية، وتكثيف عمليات «حزب الله» ضد المواقع والمستوطنات الاسرائيلية، ترافقت مع تهديدات اسرائيلية متجددة جاءت على لسان رئيس الاركان الاسرائيلي هيرتسي هاليفي الذي قال «إننا نركز على قتال «حزب الله» ونستعد لتحركات هجومية».
وعلى الخط الحكومي، جلسة لمجلس الوزراء الثلاثاء المقبل في السراي الكبير للبحث في مشروع قانون الموازنة العامة للعام 2025. وعلى الخط الأمني جولة تفقدية لقائد الجيش العماد جوزف عون لعناصر فوج المغاوير في منطقة التدريب العسكرية في القرنة السوداء، حيث أكد «أن المساس بالسلم الأهلي ممنوع، وأن الظروف الصعبة تستدعي المزيد من الصبر والتضحية بهدف الحفاظ على المؤسسة والوطن».
واما على الخط القضائي، فترقب لما ستؤول اليه جلسة الاستجواب الاولى الاثنين المقبل للحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة، أمام قاضي التحقيق الأول، بلال حلاوي، الذي سيقرر إن كان سيصدر مذكرة توقيف وجاهية بحقه، أم سيتركه رهن التحقيق بسند إقامة أو بكفالة مالية مرتفعة. فيما افيد بأن رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل، القاضية هيلانا اسكندر التي ادعت على سلامة ستحضر جميع جلسات الاستجواب.