كتبت صحيفة “النهار”: بدت الحكومة اللبنانية كأنها تضع أمالاً عريضة على أن يشكل التمديد التلقائي للقوات الدولية العاملة في الجنوب (اليونيفيل) ولمدة سنة إضافية، قبل نهاية الشهر الحالي مرتكزاً وحافزاً ومؤشراً أساسياً في المساعي والعوامل الدولية التي من شأنها خفض أخطار الحرب المحدقة بلبنان، فيما تتصاعد حدّة المواجهات الحربية الجارية بين إسرائيل و”حزب الله” وتنذر يوماً بعد يوم بالأسوأ.
ومع أن وتيرة العمليات المتبادلة بين الفريقين على الحدود الجنوبية للبنان مع إسرائيل أو في أعماق مناطق أخرى، لم تبلغ بعد حدود تشكيل الإنذارات الخطرة بانهيار الخطوط الحمر نهائياً وتفلّت الوضع عن اخر ضوابط “الارتداع” عن اشتعال حرب واسعة، فإن ذلك لم يشكّل باب طمأنة كافياً لأوساط معنية بمراقبة تطورات الوضع الميداني والمنحى الذي تتخذه الجهود والاتصالات الديبلوماسية الحثيثة لمنع انفجار حرب واسعة.
وتكشف هذه الأوساط أن مناخ الجهود الديبلوماسية يشهد تراجعاً خطيراً منذ مطلع الأسبوع الحالي على خلفية التعثر الواسع الذي أصاب المفاوضات المتصلة بحرب غزة، ولم يكن ممكناً تجاهل الأثر السلبي لهذا التعثر على الواقع الميداني للجبهة اللبنانية- الإسرائيلية، خصوصاً وأن التعثر إستمر على رغم الضغط الأميركي التصاعدي لإحداث ثغرة واستئناف المفاوضات، وكانت تتويجته باتصال وُصف بأنه صعب بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لا يبدو، وفق الأوساط نفسها، أنه بدّل أي شيء في الواقع الشديد التأزم ولو أن جولة أخرى محتملة للمفاوضات قد تعقد.
وكشفت هذه الأوساط تبعا لهذا المناخ أن لبنان الرسمي عاد في الأيام الأخيرة إلى تلقي ضغوط وتحذيرات جديدة من دول متعددة لخفض التوتر الميداني والحؤول دون تمكين إسرائيل من توظيف أي تطور ميداني في زيادة وتيرة غاراتها وعمليات الاغتيال المنهجية التي تنفذها كما لتوسيع رقعة استهدافاتها، علماً أن اللافت في هذه الجولة الجديدة من التحركات الديبلوماسية أنها لم تتناول موضوع ردّ “حزب الله” على إسرائيل لاغتيالها المسؤول العسكري فؤاد شكر، بل حُصرت في المسعى لمنع تفاقم المواجهات الميدانية من دون أي تفسير واضح لتجاهل موضوع الردّ.
في أي حال، مضت الدوامة التصعيدية في الحفاظ على مستوى عالٍ من التوتر إذ قام الطيران الحربي الإسرائيلي فجر أمس الخميس بشنّ سلسلة غارات جوية عنيفة استهدفت بلدات وقرى في الجنوب بعد يوم طويل من العمليات العسكرية المتبادلة مع “حزب الله”. وقد طاولت الغارات بلدات عيتا الشعب، كفرشوبا، محيبيب، الخيام، ميس الجبل، وادي العزبة عند أطراف زبقين، شيحين، كوثرية السياد، راميا، وكفركلا، ورامية، والناقورة، وجبلي اللبونة والعلام. وقال المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي: “في هجوم واسع النطاق خلال الليلة الماضية، هاجم جيش الدفاع ودمّر أهدافًا لـ”حزب الله” في أكثر من 10 مناطق مختلفة في جنوب لبنان”.
وأضاف: “شنّت الطائرات الحربية التابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي خلال الليل هجمات على أهداف تابعة لـ”حزب الله” وزعم أنه “من بين الأهداف التي تم استهدافها، مخازن أسلحة، مبانٍ عسكرية، ومنصة إطلاق استخدمها “حزب الله” لتنفيذ عمليات هجومية ضد دولة إسرائيل”.
وردّ “حزب الله” بإعلانه استهداف ثكنة برانيت بقذائف المدفعية الثقيلة وأصابتها إصابة مباشرة، كما شنّ هجوماً جوياً بسرب من المسيّرات الانقضاضية على تموضعات للجنود الإسرائيليين في مستوطنة كريات شمونة، وأعلن استهداف التجهيزات التجسسية في موقع جل العلام بمحلّقة انقضاضية وتموضعات لجنود الجيش الإسرائيلي في محيط موقع المطلة واستهدف أيضاً تموضعاً للجنود الإسرائيليين في محيط موقع الغجر وموقع المرج ومبانً يستخدمها الجنود الإسرائيليون في مستوطنتي زرعيت والمنارة.
واستهدف القصف المدفعي الإسرائيلي باب الثنية – الخيام والخيام. كما استهدفت المدفعية أطراف بلدة شبعا ومروحين ويارون التي تعرضت لقصف بالقذائف الفوسفورية أدى إلى نشوب حرائق في الأحراج.
الحكومة واليونيفيل
أما الموقف الحكومي من اليونيفيل، فحدّده رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، مجدداً “التأكيد أن كل الاتصالات واللقاءات الديبلوماسية التي يجريها حالياً تصب في سياق العمل على تأمين التمديد التلقائي للقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان” اليونيفيل”، في مجلس الامن الدولي، بالتوازي مع الاتصالات لوقف العدوان الإسرائيلي المتمادي على لبنان، والتطبيق الكامل للقرار الدولي الرقم 1701 بكل مندرجاته، لكونه المدخل الطبيعي والأساسي لحل الوضع في جنوب لبنان”.
وقال خلال لقاءاته في السرايا “إن الاتصالات التي نقوم بها بشأن التمديد لليونيفيل أظهرت تفهماً للمطلب اللبناني بوجوب الإبقاء على مهام “اليونيفيل”، كما كانت عليه، وعدم إدخال تعديلات من شأنها تعقيد الأوضاع المتأزمة أصلاً. ونأمل في أن يُصار إلى ترجمة هذا التوجه قبل نهاية الشهر الحالي للحفاظ على دور “اليونيفيل” ومهامها في جنوب لبنان”.
أضاف: “إننا نشدد، في هذه المرحلة الصعبة، على أولوية التضامن الداخلي والتعالي عن الخلافات التي ليس أوانها الآن ولا موجب لإضافة المزيد من التشنجات على الواقع المأزوم أصلاً. كما أناشد السياسيين وأهل الاعلام أيضاً، عدم الانجرار في بث أخبار وتحليلات تزيد الهلع عند اللبنانيين، وتشنّج الأجواء أكثر فأكثر”. وقال “إن الحكومة مستمرة في عملها لتمرير المرحلة الصعبة التي نمر بها، ومن لديه اقتراحات عملية للمعالجة فليتقدم بها، بدل الانتقاد لمجرد الانتقاد أو اللجوء إلى سلاح السلبية والمقاطعة الذي لا يقدم أي حل”.
وبدوره، جدّد وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب خلال اتصال هاتفي تلقاه من وزيرة خارجية اليابان يوكو كاميكاوا “التحذير من أنه في حال فشلت المفاوضات بشأن غزة فإن الوضع قد يخرج عن السيطرة في المنطقة”. وأعاد التشديد على “عدم رغبة لبنان بالتصعيد وإندلاع حرب، وعلى الحاجة إلى وقف اطلاق النار في غزة لإرساء التهدئة في جنوب لبنان والمنطقة”. كما أعرب عن تقديره لدعم اليابان للبنان في الأمم المتحدة، بصفتها عضواً غير دائم في مجلس الأمن، مشيداً بالتعاون القائم بين بعثتي البلدين في نيويورك.
من جهتها، أكدت الوزيرة كاميكاوا “أن اليابان تراقب بقلق بالغ الوضع في الشرق الأوسط وتدعو الأطراف كافة إلى الامتناع عن التصعيد وإلى تجنّيب المنطقة حرب شاملة”، متمنية على الحكومة اللبنانية “الطلب من “حزب الله” عدم التصعيد”. وأعربت عن “دعم اليابان للجهد الثلاثي الذي تقوده الولايات المتحدة ومصر وقطر للتوصل إلى اتفاق لوقف اطلاق النار في غزة، كما أشارت إلى أن اليابان تنسق في مجلس الأمن مع فرنسا بصفتها “حامل القلم” بمسألة التمديد لـ”اليونيفل” إدراكاً منها لأهمية هذا التمديد”.