ولكن أي مؤشرات أو أي معطيات بدت عاجزة عن الجزم بما إذا كان الردان، ومعهما “إسنادات” لأذرع ايران في العراق واليمن وسوريا، سيكونان متزامنين أو منفصلين علماً أن ترجيح توقيت الردّ الإيراني بات حديث الساعة إقليمياً ودولياً منذ يومين. ولذا سيكتسب انتظار ما سيطلقه الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله من مواقف في الكلمة التي سيلقيها في الخامسة من عصر اليوم في ذكرى أسبوع على اغتيال شكر، أهمية توصف بالمفصلية لجهة أنها قد تحمل مؤشرات رمزية أو مباشرة حيال التوقيت المحتمل للرد الانتقامي للحزب على إسرائيل وربما أيضاً طبيعته وحجمه الى حدود معينة.
ولكن حتمية المواجهة، في الردّ المنتظر لإيران و”حزب الله” والردّ الإسرائيلي على الرد، لم يعد يحتاج إلى أي مؤشرات إذ أن المنطقة برمتها باتت تقيم على صفيح ساخن جراء ما بدا من اصطدام قنوات الديبلوماسية الوسيطة بجدار الأخفاف في خفض التوتر وتبريد نفير المواجهات الحربية من خلال محاولات لتحديد ردّ ايران وحلفائها بما لا يشعل رداً إسرائيلياً كبيراً، وهو الأمر الذي ثبت إخفاقه أقله وفق ظواهر الأمور حتى الآن.
المغادرة والطيران
ووسط هذه الصورة التشاؤمية التي تختصر دق نفير المواجهات بدا لبنان في عز استنفاره تحسباً للتطورات الحربية إذ تكثفت بشكل كبير حركة المغادرين عبر مطار رفيق الحريري الدولي في الأيام الثلاثة الأخيرة، فيما تواصل اطلاق الدول الأجنبية والعربية الدعوات إلى رعاياها لمغادرة الأراضي اللبنانية على الفور وسط تصاعد التوتر بين “حزب الله” والجيش الإسرائيلي ورد تل أبيب المرتقب. وأمس حضّت الخارجية اليابانية رعاياها في لبنان على المغادرة.
كذلك، دعت تركيا مواطنيها إلى مغادرة لبنان. وعلمت “النهار” أن المسؤولين الرسميين المعنيين تبلغوا من جهات دولية وعربية عدة إمكان بدء تفعيل عدد من الدول خطط ترحيل رعاياها من لبنان بحراً وجواً إذا تفاقمت الأمور وأصبحت خطط الإخلاء امراً لا بد منه.
وافادت “رويترز” أن ألمانيا تستعد لإجلاء رعاياها من لبنان بسبب القلق من تصاعد الصراع بين إيران وإسرائيل. وأشارت معلومات إلى أن بيروت ترصد بدقة المؤشرات الخارجية التي صدرت في الساعات الأخيرة والتي تدل على أن العدّ العكسي لبدء الرد أصبح في نهاياته ومن أبرز هذه المؤشرات ما نقلته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية عن ديبلوماسي غربي لجهة تأكيده فشل جهود التهدئة مع إيران وتوقع رد خلال يومين، وقوله، “نستعد لأيام من تبادل الضربات في المنطقة”.
كما أن إيران أصدرت إشعاراً للطيارين وسلطات الطيران لتجنب مجالها الجوي، حسبما أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية. وكانت شركات طيران عدة أعلنت وقف رحلاتها إلى إيران وإسرائيل ولبنان، على وقع التوترات الأخيرة. وأمس أعلنت الخطوط الملكية الأردنية أنها ستسيّر 3 رحلات إلى بيروت لنقل الأردنيين لإتاحة الفرصة لمن يرغب منهم بالعودة إلى عمّان.
وجاء إخطار إيران أمس بعدما أبلغ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في مكالمة هاتفية يوم الأحد وزراء خارجية مجموعة السبع، أن طهران يمكن أن تهاجم إسرائيل في غضون 24 إلى 48 ساعة، وفقاً لديبلوماسيين مطلعين على المكالمة. ولم يذكر بلينكن الشكل الذي يمكن أن يتخذه الهجوم. وأخبر بلينكن نظراءه أن الولايات المتحدة تبذل جهوداً لكسر دائرة التصعيد، وطلب من وزراء الخارجية الآخرين ممارسة ضغوط ديبلوماسية على إيران و”حزب الله” اللبناني وإسرائيل للحفاظ على أقصى درجات ضبط النفس. غير أن تقارير إعلامية من واشنطن أفادت لاحقاً أن البنتاغون لا يتوقع هجوماً إيرانياً خلال الساعات المقبلة.
وفي السياق، علّق مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك بشأن خطر اندلاع صراع أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط. وقال في بيان وزعه مكتب الامم المتحدة في بيروت: “أشعر بقلق عميق إزاء الخطر المتزايد لاندلاع صراع أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط، وأناشد جميع الأطراف، إلى جانب الدول ذات النفوذ التحرك بشكل عاجل لتهدئة الوضع الذي أصبح خطيراً للغاية”. وشدّد على”وجوب أن تكون حقوق الإنسان، وأولاً وقبل كل شيء حماية المدنيين، على رأس الأولويات”.
وقال: “لقد تحمّل المدنيون، ومعظمهم من النساء والأطفال، خلال الأشهر العشرة الماضية ألماً ومعاناة لا يطاقان نتيجة للقنابل والأسلحة. وطالب بـ”بذل كل جهد”، وقال”أعني كل شيء ممكن، لتجنب تفاقم هذا الوضع إلى الهاوية التي لن تؤدي إلّا إلى عواقب أكثر فظاعة على المدنيين”.
وفي المواكبة السياسية للتطورات، تلقى رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي اتصالاً من وزيرة خارجية كندا ميلاني جولي، جرى في خلاله البحث بالوضع في لبنان والتطورات في المنطقة. وكان تشديد على ضرورة وقف التصعيد واللجوء الى الحلول السلمية وتطبيق القرارات الدولية وفي مقدمها القرار 1701.
ومن جانبه، توجّه وزير الخارجية عبد الله بو حبيب في السادسة مساء أمس إلى مصر لعقد اجتماعات مع كبار المسؤولين ذكر أنها تتناول الأوضاع المتفجرة في المنطقة وكيفية إبعاد لبنان عن المواجهات العسكرية ولجم التوتر.
احتدام الجنوب
ووسط لحظات الانتظار الثقيل هذا تصاعد الاحتدام الميداني في الجنوب حيث سقط مزيد من عناصر “حزب الله” بغارات نفذتها مسيّرات. كما تمكن الحزب من تسديد ضربة بمسيّرات لموقع عسكري حساس في شمال إسرائيل. وخرق الطيران الحربي الإسرائيلي جدار الصوت بشكل عنيف فوق الجنوب وبيروت محدثاً دوي انفجار هائل.
فيما استأنف “حزب الله” عمليّاته باكراً بعد سقوط عنصرَين له ليل الأحد الماضي في غارة إسرائيلية على بلدة حولا. وفي أولى عمليّاته شنّ هجوماً جوياً بِسربٍ من المسيّرات الإنقضاضية على مقر قيادة الفرقة 91 المُستحدَث في ثكنة إيليت، مُستهدفاً أماكن تموضع واستقرار ضباطها وجنودها وأصابها بشكلٍ مباشر، وأوقع فيهم عدداً من القتلى والجرحى”.
وأعلن أيضاً أنه استهدف صباح أمس موقع المالكية بِمسيّرة هجومية إنقضاضية فأصابت أهدافها بِدقة”. وردت إسرائيل باستهداف مسيّرة محيط الجبانة قرب الساحة في بلدة ميس الجبل، ما أدى إلى سقوط قتيلين ووقوع عدد من الاصابات، تم نقلها الى مستشفى تبنين. وفي وقت لاحق، نعت جمعية كشافة الرسالة الإسلامية محمد فوزي حمادي وهو مسعف في الدفاع المدني من بلدة ميس الجبل. كما نعى “حزب الله ” علي غالب شقير “جهاد” من بلدة ميس الجبل. وبعد الظهر، أغار الطيران المسيّر بصاروخين على منطقة درب الحورات في ميس الجبل كما أغار على رب تلاتين، وأعلن مركز عمليات طوارئ الصحة العامة التابع لوزارة الصحة العامة أن الغارة أدت إلى جرح شخص نقل إلى المستشفى وحالته مستقرة. وأعلن الحزب أنه استهدف ثكنة زرعيت بالقذائف المدفعية كما استهدف موقع رأس الناقورة البحري بالقذائف المدفعية الثقيلة.
ومساء استهدفت مسيّرة إسرائيلية دراجة نارية في منطقة بين بلدتي جبشيت وعبا في قضاء النبطية ما أدى الى مقتل شخص تبيّن لاحقاً أنه عنصر في “حزب الله”، كما أفاد مركز عمليات طوارئ الصحة العامة أن سيدة حاملاً كانت موجودة في جانب من موقع استهداف الدراجة في عبا وتعرضت لصدمة كبيرة وخوف شديد ونقلت إلى المستشفى حيث أجهضت جنينها.