السفير البابوي
وخلال القداس الذي عاون المطران العمار السفير البابوي ورئيس رعية سيدة التلة الاب جوزيف ابي عون ولفيف من الآباء، القى السفير بورجيا عظة، جاء فيها:
“في هذا اليوم الاحتفالي، وقبل كل شيء، أود أن أنقل إليكم تحيات الأب الأقدس، البابا فرنسيس وبركاته. إنه يحمل لبنان في قلبه ويتابع بعناية الوضع في البلاد، بخاصة في هذه الأوقات الدقيقة التي نشهد فيها، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية والسياسية الداخلية التي تعصف بالبلاد، أزمة أخرى أكثر خطورة تتمثل في الصراع في غزة وجنوب لبنان وخطر تصاعد العنف الإقليمي الذي قد تكون له آثار كارثية على الجميع“.
اضاف: “يرفع قداسة البابا فرنسيس صلاته إلى الرب، بشفاعة السيدة العذراء مريم، من أجل لبنان والمنطقة برمّتها، عسى أن يبزغ فجر جديد، وتشرق شمس ايام سلام واستقرار ورفاه للجميع. “
وتابع: “أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، فلنصلِّ من أجل السلام، فلنبغ السلام ونعمل من أجله، ولنطلب من الرب أن يحول قلوب الجميع إلى قلوب سلام. الله لا يريد الحرب؛ الله يريد السلام للبشرية، لأنه إله الحياة والعدالة والمحبة؛ أما الحرب، أيّا كانت الحرب، فهي تحمل معها الموت والدمار والعنف والكراهية والمعاناة. باب السلام مفتوح دائمًا، إذا أردنا تحقيقه؛ بإمكاننا أن نغلب كفّة العقل، والعدالة، والتفاهم، والقدرة على مسامحة بعضنا لبعض“.
وقال: “يسعدني أن أكون في دير القمر اليوم وأشكركم على دعوتكم لي للاحتفال بالذبيحة الإلهية بمناسبة عيد شفيعة البلدة. أعرف مدى الحب والإخلاص الذي تكنّونه ل” سيدة التلّة “، هي التي لطالما كانت لكم مدعاة فرح، هي الملجأ، ومصدر الأمل لكم جميعا. هي تقيم معكم، لا بل هي من أهل البيت، وهي تحيا في مجتمعكم. في احتفالنا اليوم، دعونا نعبّر لها عن امتناننا لكلّ الخير الذي تلقّيناه منها حتى الآن، دعونا نوكل إليها احتياجاتنا، ونطلب منها أن ترافقنا في طريق الحياة وأن تحملنا إلى الرب يسوع، مصدر كل خير وكل نعمة. نحن أبناؤها وبناتها، فلنطلب منها أن تجعلنا نقترب منها كلّ يوم أكثر، هي أم الجميع، وهي مرتع الجمال والحب والنقاء الذي لا ينتهي. في الإنجيل سمعنا كلمات التعظيم، هذا الشعر العظيم الذي تلفّظت به مريم، أو بالأحرى تلفّظ به قلبها، بوحي من الروح القدس“.
وتابع: “كتب البابا بنديكتوس السادس عشر قائلًا إن هذه الأنشودة الرائعة تعكس روح مريم وشخصيّتها بأكملها. يمكننا القول أن هذه الترنيمة هي صورة، أيقونة حقيقية لمريم، حيث يمكننا رؤيتها كما هي، حتى نسعى دومًا لأن نكون مثلها. تبدأ هذه الأغنية بالتعظيم: تعظّم نفسي الرب. وهذا “يعلن عظمة” الرب. تدرك مريم عظمة الله وتتمنى أن يكون الله عظيما في العالم، عظيما في حياتها، حاضرا بيننا جميعا. لا تخشى مريم أن يصبح الله “منافسا” في حياتنا، وأن يأخذ شيئا من حريتنا، من مساحة معيشتنا بعظمته. إنها تعلم أنه إذا كان الله عظيما، فنحن أيضا عظماء. لا تكون حياتنا مقموعة، بل مرتفعة ومنفتحة ثم تصبح عظيمة في روعة الله. يختلف تفكير مريم عن تفكير أسلافنا الذين، وكما نقرأ في العهد القديم، خوفا من عظمة الله وخشية من أن يأخذ شيئا من حياتهم، أكلوا ثمرة شجرة معرفة الخير والشر، واهمين أنهم قد يكونون أكثر سعادة بدونه. في بعض الأحيان قد تقودنا التجربة، وهي أساس الخطيئة الأصلية، إلى الاعتقاد بأننا إذا ما ابتعدنا عن الله قد نكون أكثر حريّة، بدون التزامات، قادرين على اتخاذ القرارات بمفردنا، كما فعل الابن الضال في الانجيل. لكن التجربة تجعلنا نرى أننا بعيدًا عن الله، نخاطر بفقدان أنفسنا، والابتعاد عن الآخرين وأن نصبح عبيدًا حقًا، لأنفسنا، لأنانيّتنا، للرذائل والخطيئة”.
اضاف: “تعلمنا مريم أننا بحاجة إلى الله. تدرك مريم عظمة الله وتمجّدها، لأنها تعرف كيف ترى كل مزاياه. إنها تعرف مقدار الحب والرحمة التي يتمتع بها الله للبشرية وخاصة لها. تعترف بالنعم التي تلقتها منه وتشكره من أعماق قلبها. مريم متواضعة، لأنها لا تعتبر أنها نصدر كل شيء. إنها تدرك صغر حجمها، ولهذا، تمجّد الرب الذي نزل إليها في حبه الكبير و”انحنى على أمته المتواضعة“. هذا يعلمنا أن نكون ممتنين جدا للرب على كل ما لدينا وعلى وجه الخصوص، من أجل الحياة، وهبة الإيمان، والصحة، والخبز اليومي، والأسرة، والعواطف… ففي نهاية المطاف، هذه هي الأمور المهمة التي نحتاج إليها. تدرك مريم عظمة الرب ومحبته وتضع حياتها كلها بين يديه حتى يتمكن من إنجاز أشياء عظيمة من خلالها. قالت: “صنع بي العظائم، قدوس اسمه“.
واكد ان “مشروع الله هو دائما مشروع الخير والمحبة للجميع. مريم تحمل يسوع في أحشائها، هو، المخلص، الذي من خلال تقديم حياته على الصليب، أنقذنا من خطايانا، وهو يرشدنا نحو الخير وينشر السلام في قلوبنا. مريم كريمة، تقدم نفسها، لا تستسلم للمخاوف. إنها لا تنظر إلى اهتماماتها الخاصة، فهي شجاعة وحاضرة. إنها تعلّمنا أن نكون أداة منفعة للجميع: لأنفسنا ولعائلاتنا ومجتمعنا. هي أشبه بقلم في يد الله، يكتب به صفحات التاريخ البشري. كيف عسانا نكون أدوات لخدمة الخير في يد الله؟ من خلال التعلم من يسوع واتباعه كما فعلت مريم. كانت مريم أول تلميذ ليسوع، لأنها كانت أول من تبعه وتعلم منه. وتقودنا مريم إليه دائما بقولها لنا، كما في عرس قانا: “افعلوا ما يطلبه منكم”، بينما نتساءل نحن، ما الذي يطلبه يسوع منا؟ قال لتلاميذه “أحبوا بعضكم بعضًا كما أنا أحببتكم“.
وختم السفير البابوي عظته : “الحب هو ما يريده الرب منا. والحب هو الذي يمكن أن يحقق أشياء عظيمة فينا، تماما كما حصل مع مريم. يسوع يريد الحب الحقّ الحقّ، بلا رياء أو نفاق. حب يتمثل في الخدمة والمشاركة وواستقبال المحتاج، كما يذكرنا القديس بولس في الرسالة إلى أهل روما. حب هو عبارة عن غفران وبركة، حتى لمن يضطهدنا أو يلعننا، تماما كما فعل يسوع. فالحب يحوّل، الحب مبدع، الحب يسمح لنا بجعل كل شيء أكثر جمالا، مثل الخميرة التي تخمر العجين، والملح الذي يعطي النكهة أو الضوء الذي ينير فلنطلب من” سيدة التلة ” أن تحمينا وتحتضننا بحنان بين ذراعيها الوالدية وأن ترشدنا على طريق الخير والحياة. واليوم أيضًا، دعونا نتذكر أيضا ضحايا مرفأ بيروت وأسرهم في هذه الذكرى الرابعة للانفجار الرهيب. ليحيطهم الرب بمحبته ورحمته، وليعط العزاء والسلام للعائلات التي تبحث عن الحقيقة والعدالة“.
الاب ابي عون
وفي ختام القداس قدم الاب ابي عون للسفير البابوي أيقونة سيدة التلة الذي كُتب عليها: “عربون شكر وتقدير”، وتوجه اليه في كلمة الشكر: “إن زيارتكم اليوم لدير القمر ومشاركتكم في قداس عيد سيدة التلة، هي فرح كبير لنا وشرف أكبر في هذه المناسبة السعيدة . أود أن أؤكد أن زيارتكم، يا صاحب السيادة، ليست غريبة عن العلاقة التاريخية بين السفارة البابوية ودير القمر، وفي إطار عيد سيدة التلة بشكل خاص، إذ منذ الاحتفال الأول بعيد سيدة التلة وتنظيم تساعيتها وبرنامج احتفالاتها الذي كان في عام 1950 من القرن الماضي، خُصّص صباح يوم السبت للقداس حسب الطقس اللاتيني، أي كان مثل صباح البارحة، ويحتفل به السفير البابوي، بحكم وجود الإخوة المريميين آنذاك في دير القمر وإدارتهم للمدرسة. وبعد رحيلهم عن دير القمر وتخلّيهم عن إدارة المدرسة، توقف هذا التقليد”.