إذا كان الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله لم يعطِ أي إشارة واضحة لتوقيت ردّ الحزب على اغتيال إسرائيل للرجل العسكري الأول فيه فؤاد شكر واعتدائها على الضاحية الجنوبية لبيروت، ربما على سبيل إبقاء ورقة المفاجأة وإبقاء إسرائيل على ذروة التوتر والاستنفار في يده، فإنه كان في المقابل شديد الوضوح في توعّده إسرائيل بـ”الرد الآتي حتما”.
وهو موقف كان منتظراً ومتوقعاً ومن شأنه أن يزيد توهّج اللحظة السياسية والحربية، ليس بين الحزب وإسرائيل بما يضع لبنان في عين العاصفة فقط، وإنما أيضاً على مستوى المنطقة كلاً بعدما حصل “التلازم” وزادت إسرائيل بنفسها “ربط الساحات” على “محور الممانعة” عندما شنّت هجمات الاغتيال المتزامنة دفعة واحدة على الضاحية الجنوبية وطهران باغتيالها فؤاد شكر وإسماعيل هنية بفاصل ساعات قليلة.
ولا تحتاج صورة الموقف في المنطقة وسط تشييع كل من القائد العسكري للحزب في الضاحية وزعيم حركة “حماس” في طهران إلى مزيد من الترقب لمعرفة أن الردّ المنسق بين ساحات المحور الممانع قد يكون أُنجز أو في طريقه للاستكمال والمسألة مسألة وقت قد لا يطول لتبيُّن طبيعة الردّ الذي وصفه نصرالله بأنه “حتمي وحقيقي وليس شكلياً”، فيما يبقى حجمه وطبيعة الأهداف التي سيستهدفها النقطة المحورية لاستقراء ما إذا كان سيستتبع تداعيات تقود إلى إشعال حرب واسعة.
وتبدّت صورة العدّ العكسي لهذا الواقع مع الأنباء عن نشر الولايات المتحدة الأميركية ما لا يقل عن 12 سفينة حربية في الشرق الأوسط، بما في ذلك حاملة الطائرات “يو إس إس تيودور روزفلت”، وفرق هجوم برمائية وأكثر من 4000 من مشاة البحرية والبحارة، في أعقاب عمليتي الاغتيال. كما أن وكالة الصحافة الفرنسية أوردت أن الخيار الأكثر ترجيحاً هو الهجوم على إسرائيل من العراق واليمن وسوريا، وأن “حزب الله” قد يشن هجوماً منفرداً بعد هجوم الفصائل.
“ردّنا آتٍ”
واعتبر نصر الله في الكلمة التي ألقاها في تشييع شكر إن “العدو استهدف مبنىً مليئاً بالمدنيين في حارة حريك خلال اغتياله الشهيد فؤاد شكر وما حصل في الضاحية هو عدوان وليس فقط عملية اغتيال”. وقال: “إننا ندفع ثمن إسنادنا غزة ودعمنا القضية الفلسطينية وهذا ليس جديداً ونحن نتقبل هذا الثمن وندفعه ودخلنا هذه المعركة إيماناً بأخلاقيتها وأحقيتها وأهميتها ولم نُفاجأ ولن نُفاجأ بأي ثمن يمكن أن ندفعه في هذه المعركة ونحن أمام معركة كبرى تجاوزت فيها الأمور مسألة جبهات إسناد”.
وأكد “أننا في معركة مفتوحة في كل الجبهات وقد دخلت في مرحلة جديدة”، وسأل: “هل يتصورون أن يقتلوا القائد إسماعيل هنية في طهران وتسكت إيران”؟
وتوجّه للإسرائيليين قائلًا لهم: “ستبكون كثيراً لأنكم لا تعلمون أي خطوط حمراء تجاوزتم”. وشدّد على أن “الضغط على الجبهات كي تستسلم المقاومة في غزة لن يجدي نفعاً وهي لن تستسلم”. وأعلن أنه “منذ صباح الغد (اليوم) سنعود إلى العمل بشكل طبيعي ضمن جبهة إسناد غزة وهذا لا علاقة له بالرد على اغتيال السيد فؤاد”. وقال: “القرار الآن في يد الميدان وظروفه وفرصه ونبحث عن ردّ حقيقي ومدروس جداً وليس عن ردّ شكلي”. وختم نصرالله خطابه قائلًا: “على العدو ومن يقف خلفه أن ينتظرا ردنا الآتي حتماً إن شاء الله وبيننا وبينكم الأيام والليالي والميدان”.
وكشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية أن إسرائيل نقلت رسالة إلى “حزب الله” عبر ديبلوماسيين غربيين تفيد أن استهداف المدنيين الإسرائيليين بشكل واسع سيؤدي إلى حرب شاملة. وقالت الصحيفة إن الرسالة الموجّهة إلى “حزب الله” أشارت إلى أن إسرائيل تستهدف القادة والمقاتلين في الحزب بدلاً من البنية التحتية، والتوقّع كان أن “حزب الله” يجب أن يستهدف فقط العسكريين الإسرائيليين. وذكرت الصحيفة أن “حزب الله والحرس الثوري قد يؤخران الرد من أجل الاستعداد بشكل شامل”. وأشارت إلى أن “إسرائيل تستعد لرد محتمل مشترك بين “حزب الله” والحرس الثوري الإيراني”.
يُشار في السياق الميداني إلى أنه بعد هدوء نسبي دام ليومين بعد استهداف القيادي في “حزب الله” فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية، أغار سلاح الجو الإسرائيلي على بلدتي كفركلا وشمع. وأفيد عن وقوع أربعة قتلى من التابعية السورية وخمسة جرحى من اللبنانيين في شمع.
التحرك الديبلوماسي
في غضون ذلك، تصاعدت وتيرة المساعي الخارجية لتفادي التصعيد. وفي هذا السياق زار بيروت وزير الخارجية البريطانية ديفيد لامي ووزير الدفاع جون هيلي وجالا على المسؤولين اللبنانيين مبديين قلقهما من احتمال تدهور الأوضاع في المنطقة، وشدّدا على ضرورة وقف اطلاق النار في غزة. ونقلا إهتمام بلدهما بوجوب الوصول الى التهدئة ووقف لإطلاق النار في غزة ولبنان”، لافتين إلى “أن أي سوء تقدير لهذا التصعيد قد يؤدي الى توسيع رقعة الحرب في المنطقة”.
كما أن السفير المصري علاء موسى زار رئيسي المجلس النيابي والحكومة ناقلاً “موقف مصر الثابت والرافض لأي اعتداء على لبنان، والوقوف إلى جانبه دوماً، فالتصعيد الاسرائيلي هو الذي يقود إلى العنف ونؤكد مرة أخرى أن سياسة الاغتيالات لن يكون لها إلا نتائج سيّئة على الجميع وعلى المنطقة”. ولفت إلى أن “مصر حذّرت اكثر من مرة بأن استمرار الحرب في غزة سوف يؤدي إلى تصعيد على مختلف الجبهات وهو ما يحدث حالياً، وبالتالي نؤكد مرة أخرى أن الحل هو بوقف اطلاق النار في غزة. الجبهة في لبنان مهمة للغاية لكنها عارض لمرض رئيسي ألا وهو الوضع في غزة”. أضاف: “مرة اخرى نؤكد دعمنا للبنان ووقوفنا إلى جانبه ونسعى خلال الفترة المقبلة إلى التهدئة وتجنّب فتح جبهة أكبر وأوسع وامتداد الصراع إلى نقاط أخرى وستكون في هذه الحالة وبالاً وخسائر ليس فقط على لبنان بل على كل المنطقة”.
أما في التحركات الداخلية، فبرز لقاء وفد من “نواب المعارضة” ضم النواب ميشال معوض، جورج عقيص، مارك ضو، ميشال الدويهي، أديب عبد المسيح، والوزير السابق آلان حكيم مع الرئيس ميقاتي في اطار تشديد المعارضة على ضرورة تنفيذ القرار 1701.
وأعلن ضو باسم الوفد “لا نرضى أن يكون لبنان ساحة لتصفية الحسابات لأحد وعرضة للمخاطر من أجل خدمة أي اهداف إقليمية أو رد أي اعتبار لاي قوى إقليمية، ما يهمنا هو الشعب اللبناني والمؤسسات، وبالتالي كل الشعب اللبناني من دون استثناء هو بحاجة اليوم لأن يتوحّد خلف دولته وحكومته ومجلس نوابه ومؤسساته الشرعية خاصة الجيش وكل المؤسسات المنتخبة والشرعية والتي باستطاعتها أن تتحدث بكل ما لديها من قوة وقدرة مع المجتمعين الدولي واللبناني، لأن أقوى دفاع وردع لدينا في لبنان هي وحدة الشعب خلف قرار مشترك”.
وقال: “كان لدينا عدداً من الملاحظات على تصريحات بعض الوزراء التي لا تعكس لا وحدة مجلس الوزراء ووجهة نظره، ولا وحدة الدولة اللبنانية، خاصة في ما يتعلق بالقرار الأساسي الرقم 1701، لأن لا مخرج لأحد من الأحداث والقتال الذي نشهده اليوم، إلا عبر تطبيق هذا القرار”.