اضاف: “ولما كانت المجتمعات البشرية في حركة دائبة مستمرة تسير في بحر متلاطم الامواج لا يعرف الهدوء كانت بحاجة إلى الربان الماهر الذي يقود السفينة كي يجنبها الاصطدام بالامواج العاتية أو إلى الناظم امر ركابها لكي لا تحدث الفوضى فيختل التوازن ويحدث الاضطراب مما يؤدي إلى غرقها بمن فيها.
ان ربان هذه السفينة هم الأنبياء الذين عُهد إليهم القيام بمهمة قيادة هذه السفينة إلى شاطئ الأمان واخراج من فيها من ظلمات الجهل إلى نور المعرفة عبر تعاليم الوحي الالهي التي عبّرت عنها الآية المباركة بالكتاب، فالكتاب وحده لا يكفي و إلا لقال كتاب انزلناه ليخرج الناس من الظلمات الى النور، وإنما قال كتاب انزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات الى النور، فاخراج الناس من الظلمات الى النور بالكتاب وما فيه من تعاليم ومعارف، ولكن تحقيق ذلك لا يتم عبر الابلاغ فقط وإنما عبر عملية يقودها النبي ص”.
وتابع: “الاخراج من الظلمات الى النور الشامل معرفيا وسلوكيا ، وليس معرفيا فقط. فإن المعرفة وحدها لا تفي بالحاجة، بل المطلوب من المعرفة هو التطبيق وإلا فلا معنى لها. فالمعرفة ليست للمعرفة، والعلم للعلم من دون أن يكون له تأثير على حياة الإنسان يصبح ترفا وتسلية، ولو كان كذلك لما وقف المعاندون في وجه الأنبياء ورسالاتهم ولما وجد هؤلاء في الأنبياء ورسالاتهم من خطر يتهدد مصالحهم على ان إخراج الناس من الظلمات الى النور لا يتحقق من دون أن ينعكس على حياتهم فيرفع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم، كما حدثنا تعالى عن مهمة رسوله في حياته واستمرت بعد ارتحاله باوصيائه، حيث دلت التجربة العملية على ضرورة وجود الوصي لتحقيق الغاية منها”.
ورأى “ان تعقيدات الأوضاع التي تنشأ في المراحل التي تلي رحيل صاحب الرسالة تصبح اشد واخطر على الرسالة من مرحلة نزول الوحي خصوصا بعد تحقق كيان الامة والدولة وجاذبية السلطة وفرصة الفراغ الذي يحدثه رحيل صاحب الرسالة الذي يغري المتربصون بها من المتضررين منها او الحاقدين عليها الذين واجههوها بالقوة وما انتجته الحروب من قتلى وخسائر معنوية ومادية، كل ذلك وغيره من الأخطار يفترض التنبه لها لسد الثغرات التي يمكن أن ينفذ منها اعداؤها للقضاء عليها بشكل مباشر ان امكنتهم الفرصة، أو بشكل غير مباشر بالعمل على تشويهها وتحريفها بما يحقق اهدافهم، كل ذلك يستدعي أن يكون الوصي عليها يمتلك معرفة عميق أسرارها والاخلاص لها ما يمكنّه من القيام بهذه المهمة استمراراً وكأن صاحب الرسالة مازال قائما بالأمر دون تفاوت في ادائها وهو ما نفهمه من قول رسول الله ص لعلي:
[ يا علي انت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي ]
[ يا علي إنك ترى ما أرى وتسمع ما اسمع ولكنك لست بنبي ]، وغيرها من النصوص الكثيرة التي تصرح بهذا المعنى وتؤكده، كما أن ذلك يفسر حصر الائمة في اثني عشر إماما، آخرهم الامام المهدي الذي تسالم عليه الغالبية من المسلمين وأن [ من مات ولم يعرف أمام زمانه مات ميتة جاهلية ] وقد قام أئمة أهل البيت بهذه الوظيفة على أكمل وجه ، وإن تم اقصاؤهم عن تسلم زمام الحكم ، ولكن ذلك لم يحل بينهم وبين اداء بعض من هذه المهام بشتى الوسائل والطرق وتحملوا في سبيلها ما لا يحتمل من الاذى والسجن والشهادة، وكان كل ذلك اصلاحاً للامة وحماية للرسالة وما لم يتمكنوا من تحقيقه انما كان بسبب الظالمين وتقصير المتخلفين عن تنفيذ الوصية وعن الاستجابة لطلب رسول الله ص [آتوني بدواة وقرطاس اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعدي ابدا ]،وهو ما سمي برزية الخميس لقد اثبتت التجربة كما ذكرت في بداية الكلمة ان تطبيق الرسالة وإخراج الأمة من الظلمات الى النور لا يتحقق من دونهم”.
وقال الخطيب: “اليوم ومن الواقع الذي نعيشه في لبنان من المواجهات التي يسطرها أبناء الجنوب في مواجهة اعداء الانسانية، اعداء القيم، من الوحوش البشرية التي يشكل العدو الصهيوني الواجهة الامامية له هي نتاج من الثقافة والجهد الذي زرعه أهل البيت، ومثل الامام الحسين رمزا بارزا من وجوهه، في الوقت الذي كان اليأس يملأ القلوب وفي الوقت الذي بلغت فيه القلوب الحناجر الذي يذكرنا بالواقعة التي تحدثت عنها الآية الكريمة وهي قوله تعالى : [ إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا ]، القلة القليلة التي ثبتت مع الرسول ولم يتزعزع ايمانها بربها وبصدق نبيها وبدينها لم تترك ساحة القتال وتفر لتنجو بنفسها اساساً هي لم تكن تفتش عن النجاة . هذه القلة على قلتها نجت وسجل لها هذا الموقف بنص قرآني مقدس للتاريخ بينما الذين هربوا من المعركة وتركوا نبيهم سجل لهم هذا الموقف المخزي حيث سقطوا في تجربة امتحان صدق ايمانهم بنفس النص القرآني المقدس ، الله يمتحن الناس (ليميز الخبيث من الطيب)، المنافقون كانوا يهربون من المشاركة اذا دعاهم الرسول لمواجهة الكفار والمشركين وبعضهم يتذرع بأن بيوتهم عورة وما هي بعورة كما يقول الله عنهم، وان هذا مجرد ذريعة ولكن حينما ينتصر المؤمنون كانوا يتحسرون ويتمنون لو انهم شاركوا المؤمنين القتال ليشاركوهم تقسيم غنائم الحرب، هؤلاء لم يكن يعنيهم الدفاع عن الحق كانت تعنيهم الغنيمة، ما يسميه الله عرض الحياة الدنيا وباللغة المعاصرة لغة العيش [ بدنا نعيش ]. هؤلاء موجودون في كل عصر، هذه الثقافة لا تنتج سوى الهزائم سوى الخسران، وهي اللغة التي ادت الى الهروب من المواجهة والذهاب إلى الاستسلام ولكن من الذي عكس الاتجاه وقلب الموازين، هم هؤلاء الذين أثرت فيهم وصقلتهم ثقافة [ اني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما]”.
وأكد ان “هذه ثقافة كربلاء الحاضرة اليوم في غزة والضفة جنوب لبنان واليمن والعراق وستبقى المعين للامة تلجأ إليها لتعيد لها العزة والكرامة، كلما ظن الأعداء انها انتهت ولكن سرعان ما يتبين لها ان هذا مجرد خيال ووهم، وان هذه الأمة لن تموت لان الحسين واهل البيت زرعوا فيها عوامل البقاء، وان دماء الحسين تجري في شرايينها، وهي باقية الى ان يرث الله الأرض ومن عليها ، على الرغم من كل ما فعله الخط الانهزامي من موبقات في الأمة من نزاعات عرقية ومذهبية وتقسيم للبلدان العربية وفتن بعد ان وعدوا الأمة بالتنمية الاقتصادية والرفاهية والنعيم، ولكن كانت النتائج كارثية بكل معنى الكلمة وعلى كل الاصعدة، وفي المقابل ازداد العدو عتوا واستكبارا وعدوانية ولم يف لهم بشيء مما وعدهم به وازدادت دولها وشعوبهم فقرا وتخلفا. “
وقال :”ان المطلوب من العالم العربي اليوم ان يتصالح مع نفسه بعد فشل تجربة ما يسمى بالسلام مع العدو وعدم صحة مقالة ان العدو لا يمكن هزيمته والاستفادة من تجربة المقاومة التي مرغت أنف العدو بالتراب وكشفت حقيقته حتى لا يفوتهم شرف المشاركة في نتائج حرب طوفان الاقصى، والضغط على الولايات المتحدة بايقاف هذه المجزرة التي يرتكبها الهمجي الإرهابي نتنياهو، ولم يعد خافيا على احد ان الولايات المتحدة شريكة فيها حيث يستقبل الكونغرس الأميركي هذا المجرم ليطلق اكاذيبه على العالم ليبرىء نفسه ويتهم الشعب الفلسطيني الذي يرتكب بحق اطفاله ونسائه وشيوخه وعمرانه كل أصناف الاجرام، يتهمه بأنه من يرتكب المجازر والابادة والتجويع ليس إلا نتيجة لانكشاف هذا السقوط المروع للقيم الأميركية وما يسمى بالحضارة الغربية أمام العالم، وان هذا الفجور ما هو إلا محاولة يائسة وبائسة من هؤلاء لتضليل الرأي العام العالمي لمحو هذه الصورة المخزية للولايات المتحدة والغرب من الاذهان”.
اضاف: “بات على اللبنانيين بالاخص ان يدركوا ان ما يسمى بالحضارة الغربية في طريقها الى النهاية المحتومة، ولذلك فلا بد من العودة إلى قيمنا الأصيلة وان ننزع من رؤوسنا ما زرعه الغرب من الخوف والشك في ما بيننا التي لم تعد على بلادنا سوى بالخراب. ان الفرصة اليوم مؤاتية لنتصالح مع أنفسنا ونخرج من حالة الانقسام والشك الذي لا حقيقة له والاتهام لنستعيد بلدنا ونحقق لشعبنا الامن والامان”.