أحيا المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى اليوم السادس من محرم في مقره، برعاية نائبه العلامة الشيخ علي الخطيب، في حضور حشد من علماء الدين وشخصيات وفاعليات سياسية ونيابية وقضائية وإجتماعية وإعلامية ومواطنين.
وبعد تلاوة اي من الذكر الحكيم للمقرىء احمد المقداد، قدم الإحتفال الدكتور غازي قانصو، فقال : “الوحدة الوطنية ليست خيارا لدى شعوب الأوطان، بل هي فعلُ إيمان، هي قناعة راسخة تنبع من المبادئ الأساسية التي تؤسس عليها الدول وتبنى. هي السور الحصين الذي يحمي الوطن من الأطماع الخارجية ومن اعتداءات الأعداء الذين يسعون لزرع الفتن وتمزيق النسيج الاجتماعي واستغلال ثروات الشعوب. أما السلم الأهلي، فهو الهواء النقي الذي نتنفسه جميعاً، فلا يمكن للوطن، من دونِهِ، أن ينهض أو أن يحقق أي إنجازات تذكر. من خلال الوحدة الوطنية والسلم الأهلي، يتمكن أبناء الوطن من التعاون ووضع الخطط المفيدة والفعالة على كافة الأصعدة. ويساهما في تعزيز بيئة عمل متجانسة ومنظمة، ترتكز على الكفاءة والنزاهة في إدارة شؤون البلاد،
فلنحرص دائماً على تعزيز هذه القيم المشتركة، الوطنية والانسانية، والدينية ، في نفوسنا وفي قلوب أبنائنا، لنضمن لوطننا مستقبلًا مشرقًا ومستقرًا، يزهو بعزته وكرامته بين الأمم”.
بو ضاهر
والقى محافظ الجنوب السابق نقولا بو ضاهر، كلمة الرابطة المارونية، قال فيها: “بداية، اسمحوا لي ان اقدم اسمى آيات الشكر والتقدير الى منظمي يوم العزاء هذا، وعلى دعوتكم الرابطة المارونية التي انا عضو فيها، في لجنتها الدستورية والقانونية، وأمين سرّ لجنه الثقافة وحوار الاديان والتراث. ولي شرف تمثيلها بناء على رغبة رئيسها سعادة السفير الدكتور خليل كرم الذي شرفني وكلفني ان انقل اليكم جميعا حبه وتقديره وعاطفته السامية في هذه المناسبة الاليمة الفاجعة التي نستذكرها معا متضامنين وحالمين.
إن مقتل الامام الحسين بن علي واصحابه وأهل بيته لفاجعة كبيرة أدمت القلوب وهزت الضمائر ولن تمحى من الذاكره لكنها لن تهبط عزائمنا وارادتنا في الانتصار للحق واقامه العدل ونبذ العنف والارهاب والتحلي بقيم الانسانية والرحمة والحرية واحترام الاخر.
ان فاجعة كربلاء حصلت لان الشر تغلغل في النفوس الحاقدة المتسلطة الراغبة في الغاء الآخر وبناء مجدها الزائل على اجساد الابرياء وحقوقهم المقدسة. هي ليست المرة الاولى التي نرى فيها هذه المجزرة، فقايين في بداية الخليقة قتل اخاه هابيل حسداً و ظلماً، أطفال بيت لحم دون السنتين قتلوا لان هناك طفلا “صغيراً” ولد قيل عنه انه سيكون ملكا يحل مكان الملك هيرودوس فقتلهم ذلك الطاغيه الذي حسب نفسه ملكا “دائما” لا منافس له وكان قصده ان يقتل يسوع المسيح، الطفل المولود حديثاً. النبي يوحنا المعمدان ابن خالة المسيح قطع رأسَه الملكُ هيرودوس بناء لطلب راقصة فاحشة ولرغبة امها هيروديّة لانه شهد للحق و أنَّبَ ضمير الملك بقوله له : ” لا يحل لك ان تتزوج امرأة أخيك وهو بعد على قيد الحياة” . السيد المسيح مات معلقاً على الصليب وبذل نفسه في سبيل احبّائه والعالم أجمع في الوقت الذي اختاره هو مناسبا للفداء. ولم يُرِد أن يستحضر ملائكةً وقواتٍ سماوية كي ينقذوه من الموت لانه رضي طوعا به بقوله : ” ما من احد ينتزع نفسي مني فانا ابذلها بملء رضاي” . طبق نبوءة النبي أشعيا : هوذا فتاي الذي اخترت، حبيبي الذي سُرَّت نفسي به ، أضع روحي عليه فيخبر الأمم بالحق، لا يُخاصم و لا يصيح و لا يسمع أحد صوته، قصبة مرضوضة لا يطفئ حتى يَخرج الحق الى النصرة و على إسمي يكون رجاء الأمم . تعالوا معا نحزن ونبك ونذرف الدموع على مقتل الحسين وصحبه واهل بيته ونستخلص العبر والامثولات ونتعلم في مدرسته رضي الله عنه. فالمسيح بكى حين رأى لعازر موضوعاً في القبر مؤاسياً اختيه مرتا و مريم لكنه اضطرب بالروح واقام لعازر من الموت معيدا البهجة والسرور الى قلبَي اختَيه الحزينتين والى محبيه والجموع”.
وتابع: “بكى حين رأى امرأة نائين تبكي ابنها الشاب الوحيد، وهي الأرملة، لكنه أعاد إليها الفرح باقامته من الموت. بكى ايضا اورشليم لانها رفضت الوحدة والسلام والخلاص قائلا لها :”يا اورشليم يا اورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها بالحجارة، كم مرة أردت أن أجمع بنيك كما تجمع الدجاجة فراخها لكنكم لم تريدوا. انكم لن تروني ما لم تقولوا مبارك الاتي باسم الرب.”
احبائي تعالوا نقتدِ بالإمام الحسين (رضي الله عنه) نقتدِ به قولاً وعملاً هو من قدم حياته من أجل الآخرين ذبيحة، كما جاء في قول شقيقته زينب حين حملته ميتا على ذراعيها وهي تصلي : ” اللهمّ تقبل منا هذا القربان”. ونحن المسيحيين نستخدم الصلاة نفسها في قداسنا. نتشبه به هو الذي عمل على اصلاح المجتمع وفق المبادئ الاسلامية القويمة، و هو متمسك بالاسلام الحق وجوهر الدين ومثله العليا. لنقتدِ به لانه خرج على السلطة ولم يخرج على الإسلام بل كان الدافعُ عنده ان يرتقي باسلام الواقع الى مستوى الاسلام المثالي الذي له القدرة وحده على جمع المسلمين وتوحيدهم. ونحن بدورنا حريصون على الوحدة الاسلامية والمسيحية على السواء وبالتالي الوحدة الوطنية الشاملة التي نتحِدُ القلوب ونحصِّن الوطن من الأخطار المحدقة به، خصوصاً في هذه الأيام الصعبة جداً.
سماحة الشيخ -المرحوم- محمد مهدي شمس الدين يقول في كتابه “ثوره الحسين” : “ثوره الحسين قدمت للمسلم اخلاقا جديدة، نقول له :” لا تستسلم لا تساوم على انسانيتك، ناضل قوى الشرّ ما وسعك. ضحِّ بكل شيء في سبيل مبدئك” .
قال الزعيم الهندي غاندي : ” لقد طالعت بدقة حياة الإمام الحسين، شهيد الإسلام الكبير، ودققت النظر في صفحات كربلاء واتضح لي ان الهند اذا ارادت احراز النَّصر فلا بدَّ لها من اقتفاء سيرة الحسين.
وقال ايضا : ” تعلمت من الحسين كيف اكون مظلوما فانتصر” .
الشاعر بولس سلامه ابن بلدة بتدين اللقش جزين، صاحب ملحمة اسلامية بعنوان : “عيد الغدير” محورها اهل البيت النبوي الشريف في اهم الحوادث التي ارتبطت بهم الى ختام واقعه كربلاء يقول في معرض تصديه لتساؤلات بعض المسيحيين : “… بقي لك ان تحسبني شيعيا، فاذا كان التشيع تنقصا لأشخاص او بغضاً لفئات او تهوراً في المزالق الخطرة فلست كذلك، اما اذا كان التشيع حبا لعلي واهل البيت الطيبين الاكرمين وثورة على الظلم وتوجعاً، كما حلّ بالحسين وما نزل باولاده من النكبات في مطاوي التاريخ … فاني شيعي”.
ولفرط حبه للحسين وابيه واهل بيته وصحبه، كان يقيم مجلس عاشوراء في منزله ولا عجب في ذلك فالدكتور بولس الحلو : “يقول الحالة الحسينية ليست مقتصرة على الشيعة فحسب انما هي عامة وشاملة ولهذا فاننا نجد ان ارتباط الثورة الحسينية بمبدأ مقارعة الظلم جعلها قريبة جدا من الانسان ايا كانت ديانته وعقيدته”.
ايها الحضور الكريم كما ترون نحن قريبون بعضنا من بعض ومتشابهون اكثر مما نتصور، ولو عدنا الى تعليم الكنيسة لوجدنا قداسة البابا يوحنا بولس الثاني في رجاءٍ جديدٍ من اجل لبنان الصادر من بيروت في ايار 1997 : فيقول لنا استناداً الى المجمع الفاتيكاني الثاني : ” تنظر الكنيسة الى المسلمين الذين يعبدون الله الواحد الحي القيوم الرحمن القدير الذي خلق السماء والارض. انهم يسعون بكل نفوسهم الى التسليم باحكام الله وان خفت مقاصده كما سلم لله ابراهيم الذي يفتخر الدين الاسلامي بالانتساب اليه. وانهم على كونهم لا يعترفون بيسوع الهاً، يكرمونه نبياً، ويكرمون امه العذراء مريم مبتهلين اليها.
احيانا بإيمان. ثم انهم ينتظرون يوم الدين الذي يجازي الله فيه جميع الناس بعدما يبعثهم احياء، من اجل هذا يُقَدِرون الحياة الأبدية ويعبدون الله بالصلاة والصوم والصدقة خصوصاً ” .
واضاف : “يعتبر المسيحيون والمسلمون بعضهم بعضا شركاء في بناء البلد فتتألق اكثر فاكثر في النفوس الرغبة في تعزيز التفاهم والتعاون فيما بينهم. وننشأ في الواقع هيئات التقاء في سبيل مزيد من التعاون المتبادل العميق رغبة في خدمة البلد معاً، خلاصة القول إن القيم التي نشترك فيها عديدة و متنوعة نذكر منها : الحب، الشهادة، الدم، الحرية، الحق، العدالة، الحوار المتبادل، الشورى، الاحترام المتبادل، الحوار المسيحي-الإسلامي، الوطن، الارض المشتركه، القيم الدينية و الانسانية، والادبية، والاجتماعية، عبادة الله الواحد، الايمان بالله، باليوم الاخير، بالتواب والعقاب، الصلاة، الصوم الصدقة، المصير المشترك، تكريم السيد العذراء والمسيح معا.
اليست كلها قيما دينية ومبادئ انسانية واخلاقية ووطنية كافية لنعيش معا تحت سماء وارض جامعة سيدة حرة مستقلة فيكون مستقبلنا زاهرا نجمل الارض بحبنا وعملنا وتفانينا ونحضر انفسنا للتلاقي في جنة الخلد لدى الاله الواحد الضابط الكل القدير الرحمن والرحيم فيجمعنا تحت عدالته ورحمته الابويه اللا متناهية مع القديسين والانبياء وجميع ذوي الارادات الصالحة وفاعلي الخير و الشهداء الذين سقطو و لما يسقطون في سبيل الله والوطن والقيم الدينية والاخلاقية؟
بالطبع نعم والف نعم ! نحن شركاء على الارض في المواطنية والانسانية وفي الحقوق والواجبات وشركاء باذن الله في السماوات ممتلئين فرحا وغبطة الى ما لا نهاية مع رب السماوات والارض”.
وختم: “أتوجه اليكم بمواساتكم بسيد الشهداء الامام الحسين رضي الله عنه وبصحبه واهل بيته و لكم اسال الله جل جلاله الاجر والتواب”.
وفي الختام، تلا السيد حسين حجازي مجلس عزاء حسينيا.