وتابع: “النقطة الثالثة: في العام الماضي كان الإحياء العاشورائي كبيرًا جدًا وعظيمًا جدًا سواءً على مستوى المجالس وعدد المجالس في كل البلدات والقرى والمدن والأحياء التي أقامها الجميع، أو على مستوى عدد الحضور في هذه المجالس والذي فاق كل الأعوام التي سبقت، وأنا قلت في ختام العام الماضي أن ذاك العام يعني العام الماضي لعله الأكثر قوة وحضورًا وفعّالية في تاريخ لبنان وفي تاريخ محبّي أهل البيت في لبنان وشيعة لبنان في مسألة إحياء هذه الذكرى بسبب تطوّر الأمور، والحضور، والإمكانات، والتعاطف، والأجواء المساعدة، لكن هذا الحضور الكبير في العام الماضي أنا ذكرت من بعد ذلك في أكثر من جلسة مع بعض الإخوة أن الإنسان يشعر بأن الله الذي وفّق لهذا المستوى من الإحياء وهدى القلوب إلى هذه المجالس، في نهاية المطاف الله هو الذي يهدي هؤلاء الرجال، والنساء، والكبار، والصغار، والشباب للحضور في هذه المجالس في كل الأماكن مع غض النظر عن أوضاع الطقس والأوضاع الأمنية والظروف الحياتية الصعبة وهموم الحياة المختلفة، الله هو الذي يهدي هذه القلوب. الله هدى هذه القلوب ووفق لهذه الإحياءات العظيمة والكبيرة وكأنّه الله يُعد هذه البيئة لأمرٍ كبيرٍ آتٍ، كان يوجد هذا الحبس طبعًا ليس هناك دليل، وما هي إلا مسافة زمنية قصيرة جاء طوفان الأقصى في غزة وفتحت معه الجبهات وجبهتنا في لبنان في اليوم التالي، وبالتالي دخلنا إلى قلب المعركة التي أشرت لها قبل قليل، لكن دخلنا مفعمين بالروح الكبيرة وبالمفاهيم وبالمشاعر وبالإيرادات وبالعزائم التي شهدناها في إحياء العام الماضي، وكأنه كُنّا نُعد ونُؤهل لهذا المستوى من الموقف بالدرجة الأولى الذي سأتحدث عنه بالجزء الأخير من كلمتي. هذا الموقف، هذا القرار الذي اتخذناه في لبنان وهو فتح الجبهة اللبنانية مع العدو إسنادًا لغزة ولشعبها المظلوم ولمقاومتها الباسلة وللشعب الفلسطيني، وأيضًا هذه الروح وهذه العزائم وهذه الإيرادات هي التي مكّنت حتى اليوم من أن يبقى هذا القرار صلبًا وهذا الحضور قويًا، وما نسمعه من عوائل الشهداء، وأمهات الشهداء، وآباء الشهداء، وزوجات، وأبناء، وبنات الشهداء، ما نسمعه من الجرحى، ما نسمعه من الصامدين، من النازحين، من الذين هُدّمت بيوتهم، ما نسمعه من كل من ينتمي إلى هذه البيئة في موقف المقاومة بمعزل عن انتمائه الديني أو الطائفي أو المذهبي أو الحزبي كلّه يؤكد أننا في المكان الصحيح ومزوّدون بالذخيرة الروحيّة والمعنويّة والنفسيّة والعاطفيّة اللازمة لهذه المعركة المختلفة عن كل المعارك التي خضناها منذ 1982 حتّى عن حرب تمّوز”.
وأضاف: “النقطة التي تلي النقطة الرابعة: أود أن أُذكّر أو أُلفت إلى بعض الملاحظات الآن ليس المقصود فقط الحضور الكريم في المجمّع وإنما كل الذي يُتابعوننا على التلفاز في مختلف البلدات والمناطق والأماكن، فيما يتعلّق بإحياء المناسبة، في السنة الماضية والتي قبلها أنا لم أذكّر بهذه النقاط لكن قبل سنوات ذكّرت ببعض هذه النقاط وأعيد التذكير، أولًا: المناسبة في الحقيقة عندما يدخل أوّل محرّم أو يهل هلال محرم هي مناسبة للحزن الحزن الحقيقي يعني أولًا وقبل إظهار الحزن وقبل الأعلام وقبل لبس السواد وقبل إحياء المجالس، هناك شيء جوهري وأساسي وهو أن كل واحد منّا يجب أن يشعر بالحزن، بالأسى، بالألم عندما يهل هلال محرّم، كل واحدٍ منّا يجب أن يستحضر في مثل هذا اليوم ما جرى سنة 61 للهجرة على حفيد رسول الله صلى الله عليه وآله وخامس أصحاب الكساء، وعظيم من عظماء أهل بيت النبوة صلوات الله وسلامه عليهم، عليه وعلى ما جرى عليه وعلى أهل بيته ونسائه وأطفاله وأصحابه وأنصاره من الأحداث التي نستمع سيرتها في تلاوة الليالي العشر والخطباء من خطباء المنبر الحسيني حفظهم الله ووفقهم الله تعالى. عندما نستحضر تلك الأحداث القلب يحزن، النفس تتألم، هذه كانت سيرة أهل البيت عليهم السلام بعد العاشر من محرّم دائمًا، بعد شهادة الحسين عليه السلام كان أهل البيت وبالخصوص أئمة أهل البيت عليهم السلام يذهبون على هذا التقليد وعلى هذا الإحياء، ويدخلون في حالة أسى وحزن وألم، نحن هنا نشعر هنا أيضًا بالمواساة، تصوّروا أننا أمام الحدث الذي أحزن قلب نبينا صلّى الله عليه وآله وسلّم وأبكى عينيه حتى قبل حدوثه، وهذا موجود في الروايات الشيعيّة والسنيّة ومنقول أيضًا من طريق أهل البيت ومن طريق صحابة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وفي أكثر من مناسبة وفي أكثر من حادثة، هذا الأمر الذي أبكى نبيّنا وأبكى أميرنا وأبكى سيّدة النساء قبل حدوثه وأبكى أهل بيت النبوّة بعد حدوثه وإلى اليوم في مثل هذا اليوم يبكي إمامنا وصاحبنا سلام الله عليه بدل الدموع دمًا، ونحن يصعب علينا أن نبكي بدل الدموع دمًا لأن حجم معرفتنا وحقيقة المشهد المهول والعظيم الذي حصل يوم العاشر من محرّم ليس واضحًا أمامنا كوضوحه في عينيه وفي عقل وقلب إمام زماننا سلام الله عليه….اليوم كربلاء هو عنوان صراع الحق مع الباطل، معركة الحق مع الباطل، ثورة الحق على الباطل، القتال الدامي بين جبهة الحق وبين جبهة الباطل، وكان على الناس أن يأخذوا موقفًا، في مثل هذه المعركة ما كان يكفي معرفة الحق، وما كان يكفي القبول بالحق في القلب، ما كان يكفي أن تقر بهذا الحق باللسان، وإنما كانت المعركة تقتضي أن تدخل فيها لتدافع وتقاتل وتناصر وتضحي بالمال والعزيز والأنفس والأرواح والدماء، هذا هو عنوان كربلاء. إذا نأخذ تطبيق على واقعنا الحالي، اليوم نعم هناك قضايا محلية وإقليمية ودولية قد يكون الوصول فيها إلى الحق يحتاج إلى بحث وإلى جهد وإلى مناظرات وإلى تدقيق، ولكن إخواني وأخواتي فيما نحن فيه، نحن أمام قضية هي قضية فلسطين والشعب الفلسطيني، وقضية المشروع الصهيوني والاحتلال الإسرائيلي لبقية الأراضي في لبنان وفي سوريا، يعني عندنا في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والنقاط التي نقول هي ليست نقاط مُتنازع عليها، هي أرض لبنانية محتلة على الحدود المُرسّمة، والجولان المحتل. اليوم أمام هذه القصة التي اسمها إسرائيل وتداعيات وجود إسرائيل بالمنطقة وعدوان إسرائيل ومظلومية الشعب الفلسطيني ومظلومية شعوب المنطقة ومنها الشعب اللبناني، هذه مسألة الحق فيها بيّن واضح مُشرق كعين الشمس في رابعة النهار، لا يحتاج إلى نقاش، أعمى القلب من يُناقش في هذا، أعمى العيون من يُناقش في هذا، هذا واضح بكل المعايير، ماذا تريدون؟ قانون دولي، بمعايير القوانين الدولية، بمعايير القانون، بمعايير الحقوق، بمعايير الإنسانية، بمعايير الأخلاق، بمعايير الأديان، الشرائع، كل الأديان سماوية وغير سماوية، بمعايير العقل، بمعايير الفطرة السليمة، بكل المعايير نحن أمام حق واضح وجلي وبيّن 100%، وأمام باطل واضح وجلي وبيّن 100%، حقّ اسمه فلسطين وشعب فلسطين والمقدسات في فلسطين وشعوب منطقتنا وحقّها في العيش الكريم والأمن والسلام والاستفادة من خيراتها ومياهها ونفطها وغازها وبحرها، وهناك باطل اسمه إسرائيل التي تعني الاحتلال والاغتصاب والعدوان والتهديد والقتل والمجازر المروعة التي كُنّا نسمع فيها عام 48 قبل أن نُخلق ولكننا نراها اليوم في كل ساعة في غزة وفي غير غزة، فنحن أمام حق واضح”.
وقال: “حسنًا، هذا الحق، وأنا أعرف اليوم في قلوب الناس في العالم هم يقبلون هذا الحق، وكثير منهم يعترفون بهذا الحق، عندما تحدّثنا عن شباب الجامعات في أمريكا، في أوروبا، في الكثير من أنحاء العالم والذين ينتمون إلى اتجاهات فكرية ودينية مختلفة ومتنوعة واتجاهات سياسية متنوعة وكانوا تحت سيطرة الإعلام الأجنبي، لكن هول المجازر في قطاع غزة والتي لم يحدث لها شبيه خلال عقود من الزمن في هذه المساحة الضيقة، أيقظ الفطرة الإنسانية فيهم، أيقظ عقولهم، أيقظ أرواحهم، عواطفهم، قلوبهم، أخذوا هذا الموقف. اليوم إخواني وأخواتي من يتجاهل ما يجري في غزة هو ميت، ميت القلب، ميت العقل، ميت الروح. من يتجاهل المجازر التي تجري في غزة وفي فلسطين، من يتجاهل المظالم التي تلحق الشعب الفلسطيني في فلسطين وجبهات الإسناد، من يتجاهل ما يتعرّض له الأسرى في السجون، المعتقلون من الإعدامات الميدانية ومن التعذيب المهول والتجويع، هذا إنسان بلا قلب، بلا روح، بلا عاطفة، بلا مشاعر إنسانية، دعوا موضوع السياسة جانبًا وموضوع القتال جانبًا، أتحدث بالموقف الشخصي، بالموقف العاطفي، بالموقف الإنساني كإنسان. طبعًا هذه المعرفة يجب أن تؤدي إلى تحمّل المسؤولية، إلى نصرة الحق، إلى الوقوف إلى جانب أصحاب الحق المظلومين، المعذبين، المضطهدين، طبعًا ضمن القدرة، الله لم يطلب من الناس أكثر من قدرتهم، التي يحكموها ضمن ضوابط وأولويات وظروف ومعطيات، لكن أن لا يقدر أن يفعل شيء أبدًا!؟ كيف لا يقدر على فعل شيء؟ كثير من الناس يقدرون على فعل الكثير من الأشياء، انظر ماذا تقدر أن تفعل؟ يجب أن تفعل. كل البشرية الموجودة حاليًا أيها الإخوة والأخوات، هؤلاء الناس الذين عاشوا هذه السنة، يعني السنة الميلادية الحالية والميلادية السابقة والهجرية السابقة والهجرية الحالية، يوم القيامة سيُسألون، كل المكلفين، رجالًا ونساءً، سيُسألون عن فلسطين وعن جبهات المنطقة وعن تداعيات هذه المعركة وعن موقفهم، عن عملهم، عن سلوكهم، ماذا قالوا؟ ماذا فعلوا؟ ماذا قدّموا؟ ويجب عليهم أن يُحضّروا الجواب للآخرة. في الدنيا يمكن لا أحد يسأل أحد، في الدنيا كثر يتهرّبون من المسؤولية ويجدون الأعذار الكاذبة والواهية ويغرقون في أوهامهم، ولكن يوم القيامة لا مجال من هذا النوع، يوم تُبلى السرائر، وضوح بين يدي الله. من أهم وأخطر الابتلاءات والامتحانات التي يُواجهها الناس كناس، لا أقول هنا فقط أمتنا العربية والإسلامية أو شعوب منطقتنا أو مسيرتنا أو مقاومتنا، لا، الناس كناس، كل فرد، كل رجل، كل امرأة، بلغ سن التكليف سيقف يوم القيامة ليُسأل وعليه أن يُعدّ جوابًا يُقدّمه بين يدي الله. وبالتالي نحن مسؤوليتنا أن ننصر الحق، عندما نذهب لنصرة الحق طبعًا سنُواجه مشاكل وأخطار وتحديات كبيرة، منها الضوضاء من حولنا، الاتهامات، الضجيج، الكلام المُثبّط للعزائم، التشكيك، التبخيس، هذا الذي يحصل من تسعة أشهر إلى اليوم، لكل هذا الضجيج والضوضاء والتيئيس والتبخيث نقول له ألسنا على الحق؟ إذًا لا نبالي، إذا كُنّا لا نًبالي بالموت لا نُبالي بما هو دون الموت، لا نُبالي بكل هذا الضجيج وبكل هذا الصراخ وبكل هذه الفوضى وبكل هذه الكلمات التي تُعبّر عن الضعف والوهن إن لم تكن تُعبّر في بعض الأماكن عن العمالة والخيانة”.
وختم نصرالله: “عندما نذهب لنصرة الحق سنتحمّل الكثير من التبعات السياسية، ونقول للتبعات السياسية ألسنا على الحق؟ إذًا لا نُبالي. عندما نذهب إلى نصرة الحق في ميدان القتال سيسقط لنا شهداء وشهداء أعزاء وشهداء قادة، سيُقتل من شبابنا ومن كبارنا ومن قادتنا، من رجالنا ومن نسائنا ومن أطفالنا، ستُهدم بيوتنا، سنواجه الخطر، سيأتي جدار الصوت على مُدننا وقرانا وخاصة في الجنوب، وأمام هذه التضحيات من الشهادة ومن الجراح ومن الخوف ومن الرعب الذي يُريد أن ينشره العدو ومن هدم المنازل ومن ومن ومن… لا يتردّد موقفنا لحظة واحدة على الإطلاق، لا نتراجع لحظة واحدة على الإطلاق، لماذا؟ لأنّنا نقول للحق ولإمام الحق الحسين عليه السلام ألسنا على الحق؟ قال بلى والذي إليه مرجع العباد، إذًا نحن نُردّد رجالنا، نساءنا، كبارنا، صغارنا، جميعنا، نحن نُردّد كلمة ابنه علي الأكبر في ذلك الموقف، إذًا لا نُبالي بالموت. ونحن اليوم في معركتنا في طوفان الأقصى أثبتنا من جديد وفي معركة مُختلفة – لماذا مختلفة سنتحدث عنها لاحقًا – وفي معركة مُختلفة عن كل معاركنا السابقة، مهما تقدّم بنا الزمان وأضيفت إلينا أجيال وازداد الشيب في وجوه وشعر رجالنا ونسائنا الذين تقدّم بهم السن، شبابنا وشيبنا وكبارنا وصغارنا ورجالنا ونساؤنا رسالتهم في الليالي العشر ويوم العاشر لكل العالم، للصديق الذي ينتظر، للعدو الذي يتربّص، ألسنا على الحق؟ إذًا لا نُبالي بالموت، إن كُنّا في جبهةٍ ستصنع فيها الشهادة الانتصارات العظيمة كما صنعت في كل المعارك السابقة”.