أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مسجد الامام الصادق – شاتيلا، بعد أن ألقى خطبة الجمعة التي جاء فيها:
“الائمة كل واحد منهم قام بالمهمة التي يحتاجها للحفاظ على الامة، الامام الجواد (ع) قام بمهمة تحدّي علماء السلطة وإبراز عجز فقهاء البلاط وبيان وبطريقة غير مباشرة إن من تعتمد عليهم لا يُشكّلون مصدراً تستمد منه السلطة شرعيتها، وإن جاء هذا التحدي في سياق استمرار الخليفة العباسي بسياسة استمالة العلويين لتثبيت سلطانه في الصراع على السلطة داخل البيت العباسي والتحديات التي تشكلها المعارضة من خارجه.
لقد شكّل الخطر على وحدة الامة المهددة نتيجة الصراعات الداخلية بين الطامعين في السيطرة عليها وما ينتج عن هذه الصراعات من ضياع الاهداف الرسالية التي شكّلت الغاية من وجودها والخوف من لجوء السلطة الى استخدام الدين وتوظيفه من أجل إحكام سيطرتها مما يعرّضه الى التشويه والتحريف، أضف الى ذلك الاخطار الخارجية من القوى المعادية لها والمتربّصة بها من خارجها، كلّ ذلك شَكّل همّاً لأئمة أهل البيت (ع) دفعهم الى التصدي والمواجهة كَلَّفهم من دفع أثمان باهظة حتى نُسِبَ إلى الامام الحسن (عليه السلام) قوله: “لقد حدثني حبيبي جدي رسول الله (ص) أن الأمر يملكه إثنا عشر إماماً من أهل بيته وصفوته، ما منا إلا مقتول أو مسموم”.
وعن الإمام الرضا (ع): “مَا مَنّا إلا مقتول”.
وعن الإمام الصادق (ع): “والله مَا مِنّا إلا مقتول شهيد”.
السبب الذي دفع أهل البيت (ع) لهذه المغامرة هو نفس السبب الذي دعا رسول الله (ص) والمسلمين الأوائل إلى بذل الأرواح والانفس والتخلّي عن الامن والراحة والدعة التي هي الرسالة ونشرها.
لقد تعلق أهل البيت بأمتهم لانها تنتسب إلى جدّهم (ص)، فهي بالنسبة لهم تحْمِلُ إرثاً لهم، وهي قبل ذلك الرسالة الإلهية لإخراج الناس من الظلمات الى النور وإقامة العدل وتحرير الانسان من ظلمات الجهل، فهي رسالة الله الى البشرية، لكل الاجيال القادمة، وللدفاع عن القيم الالهية والانسانية وترسيخها، رسالة الترقي بالوعي والمعرفة والعلم في إطار القيم الاخلاقية وإقامة العلاقات على أساس منها، ولذلك فهي تُشكّل هذا الكنز الذي يستحق أـن يُدَافَع عنه وأن تُستَرخص الأرواح دونه، وهل الأرض والمال والعرض بأغلى من هذا فتستحق الشهادة دونها؟ كل ذلك بغض النظر عن أنهم المؤتمنون عليها من قبل الله تعالى والاوصياء عليها والمسؤولون عنها، وهل للأمين أن يتخلى عما أؤتمن عليه فيخونه؟؟ والامانة شرف ومسؤولية والخيانة عار وشنار.”
واكد الخطيب “ان وحدة الأمة كما الرسالة أمانة الله في أعناقنا، والمسلمون جميعاً مسؤولون أفراداً وجماعةً عن وحدتها كما هم مسؤولون عن رسالتها، بل لا يمكن الفصل بينهما أي بين الأمة والرسالة، فحين تتخلّى الأمة عن وحدتها تكون قد تخلّت عن رسالتها والعكس صحيح، لأنه كما ذكرنا أن أمتنا لم تُبنَ على أساس المصلحة أو على أساس الدم أو الجغرافيا أو كل ذلك، بل بُنيت على أساس عقائدي أخلاقي وحينما تفقد الرابط الديني والعقائدي تفقد مبرر وجودها وتخون الأمانة التي اؤتمنت عليها أي انها ترتكب خيانة شرعية وأخلاقية، ولهذا كان التركيز من أعدائها على تفكيكها بغاية إنهائها كمشروع إلهي حضاري أي إنهاء دورها ووجودها وجعلها أمة تابعة وخادمة للمشروع المعادي لها، وهي حين جُزّئت لم تُجزأ لصالح مشاريع وطنية لغاية نظيفة ولأسباب موضوعية ولو كانت كذلك محكومة برابط الوحدة العقائدية والاخلاقية والقيم الإلهية والاخلاقية لما كان من مشكلة، ولكن ما حصل لم يكن كذلك، بل كانت التجزئة وما أُعطيَ لها من صيغ وطنية لقطع الروابط العقائدية والدينية وانهائها كأمة تحمل مشروعاً إلهيا”ً.
وقال: “من هنا لم يكن رفض الصيغة الوطنية حين ابتداعه لنا ناشئاً من فراغ وليس موقفاً مبدئياً من الصيغة الوطنية، ولو كانت المشاريع الوطنية تحت مشروع وحدة الامة والحفاظ على وظيفتها ربما لم تجد لها معارضة جدية، ولكن الامر لم يحدث على هذا الوجه خصوصاً أنه فُرِضَ بالقوة ولم يكن باختيار منها، وإنما كان مشروعاً استعمارياً معادياً فرضه الغرب على هذه المنطقة وبشكل معادٍ لها بوضوح، لأنه أتى تحت عنوان حماية الاقليات، أي أتى على أساس تقسيم الأمة إلى أقلية وأكثرية يعني على خلفية التعدد لا على أساس الوحدة. وهذا ما يُفسّر الانقسام التاريخي في الموقف اللبناني من التضامن مع قضايا عربية وإسلامية كثيرة وعلى رأسها الموقف من التضامن مع القضية الفلسطينية، وبالتالي الموقف من المقاومة، لأن الرافض لهذا التضامن لا يعتبر وجود رابط معها كما هو الحال مع سائر بلدان العالم العربي فضلاً عن العالم الإسلامي، وليس لديه فرق بين سوريا على سبيل المثال وبين إسرائيل، وهم يُصرّحون بذلك علناً ويدَّعون اكثر من ذلك إلى الحياد”.
اضاف: “نعم نحن مع الحياد في الخلافات العربية الداخلية الا على النحو الإيجابي، أما الحياد تجاه القضية الفلسطينية أو أي قضية عربية أو إسلامية من شأنها المسّ بالامة ووجودها فهذا تخلٍ عن واجب شرعي بل خيانة لله ولرسوله وخصوصاً عندما يمسّ الامر الى جانب ذلك بالمصالح الوطنية كما هو حاصل اليوم في الصراع مع الكيان الصهيوني، فليست القضية مختصة بالموضوع الفلسطيني فقط وإنما يمسّ لبنان في الصميم، فالكيان الغاصب تهديد وجودي للكيان اللبناني فضلاً عن فلسطين وشعبها”.
وتابع: “إنّ الذين يدَّعون اليوم الى الحياد يتجاهلون أمراً واضحاً للعيان حينما يتغاضون عن الخطر والتهديد الوجودي للكيان اللبناني خصوصاً عندما يتحفوننا بالدعوة الى الانفصال عن الكيان اللبناني. نحن حينما ندعو الى وحدة الأمة لا نعتبر المكونات الدينية الأخرى الا جزءاً عزيزاً منها وان كرامتهم من كرامة سائر مكوناتها، على أن هؤلاء الداعين دائماً الى التجزئة والتمزيق يحملون روح التعصب والاستعلاء على أبناء هذه الأمة يسمّونها بالتخلف وأنهم جزء من العالم المتقدم مع أنهم لا يُشكّلون له أدنى اهتمام، وقد جرى أن أُقترِح عليهم التهجير الى احدى البلدان الاوروبية خدمة للمشروع الصهيوني وليس حباً بهم أو اعتبارهم جزءاً من عالمهم”.
ورأى الخطيب “انّ هؤلاء ينفذون أخطر مشروع بحق المسيحية في الشرق ويجرون أبناءنا وإخواننا المسيحيين الى كارثة فيما لو قُدّر لهذا المشروع لا سمح الله أن يتحقق، لأن الخسارة لن تكون لهم فقط وإنما للأمة جمعاء، لأن المخطط هو أن يكون المشروع التالي هو فئة أخرى منها ولا مانع لدى الغرب من تنفيذ مشروع كهذا، فمن يأتي إليهم سيذوب في مجتمعاتهم وتتحقق للغرب مآربه في القضاء على هذه الأمة، وبهذا يُكمِلون المشروع الذي بدأوه بالمشاريع الوطنية لتحقيق المشروع الصهيوني “دولتك يا إسرائيل من الفرات الى النيل”.
وأكد ان “مشروع المقاومة ليس إلا لضرب هذا المخطط الصهيوني الغربي وليس كما يُرّوج البعض من أجل مشاريع اقليمية أو مذهبية التي يخدمها هؤلاء وأمثالهم من المتمذهبين بهذه الترّهات”، وقال: “إنّ ارتباط المقاومة بالأرض والوطن ارتباط غير قابل للانفكاك الى حد الشهادة يروونه بدمائهم، فهو لا يُقدَّر بثمن سوى بقاء الوطن الذي لا تقبل حبة تراب منه المساومة ولو بكل أثمان الدنيا. لذلك فإن المقاومة دفاعاً عن الأرض والوطن ليست ملهاة نتسلى بها، ولا الشهداء الذين يبذلون دماءهم رخيصة حتى تهون علينا حتى يستسهل البعض التعرّض لقداستها ليكون أقلّ عدوانية وظلماً ممن يسفكها ظلماً أو يمدّ يده إليها.
قَالَ أميرُ المؤمنين الإمام علي (ع): ” رُدُّوا الْحَجَرَ مِنْ حَيْثُ جَاءَ، فَإِنَّ الشَّرَّ لَا يَدْفَعُهُ إِلَّا الشَّرُّ”.
فإن لم يدفعهم الواجب إلى المشاركة في فضيلة الدفاع عن الوطن فليصمتوا على الاقل ولا ينبسوا بالسوء فضلاً عن أن يجهروا، أما الدولة العاجزة عن الدفاع عن سيادتها فعلى الاقل أن تقوم بما يتوجب عليها من واجب الإغاثة للنازحين والمتضررين بعدما كفوها الواجب في مهمة المواجهة مع العدو”.
واعلن الخطيب “اننا نتطلع اليوم الى الانتخابات الرئاسية في الجمهورية الاسلامية الايرانية التي تأتي بعد الفراغ في الموقع إثر استشهاد الرئيس رئيسي (رحمه الله) تطبيقاً للدستور الايراني الذي لم يتخلّف منذ قيام الثورة الاسلامية الايرانية الذي أكسبها الاحترام من العدو قبل الصديق، ونحن بدورنا نتوجّه بالتهنئة والتبريك لقيادة الجمهورية الاسلامية ولسماحة السيد القائد الإمام آية الله السيد علي خامنائي (حفظه الله)”.
وقال: ” وفي نفس الوقت، ننظر بأسى إلى ما نحن عليه إذ مضى على الفراغ في رئاسة الجمهورية ما يقارب العامين دون أن تستطيع القوى المشاركة في البرلمان اللبناني أن تتوصّل إلى انتخاب رئيس للجمهورية بسبب التركيبة السياسية وامتناع بعض القوى عن الاستجابة لدعوة دولة رئيس مجلس النواب للجلوس على طاولة الحوار، فيُعطلون هذا الاستحقاق ويتركون مؤسسات البلد تنهار واحدة بعد الاخرى دون شعور بالمسؤولية للحؤول دون المخاطر الوجودية التي تتهدّد البلد وخصوصاً ما يتعرّض له من عدوان صهيوني ومن تهديدات بتدميره ومن حصار مالي وأزمات غير متناهية، اجتماعية واقتصادية والنزوح السوري التي يقف خلفها الغرب لإخضاع لبنان ومقاومته لإرادة العدو الصهيوني المهزوم والمأزوم والقَلِق وكأن البعض ينتظر نتيجة الصراع في غزة لعلّه يستفيد منها في الحصول على ما يبتغيه، فهناك للأسف تناغم بين الداخل والخارج من البعض”.
وتابع: “أنا اقول لهم ان نتيجة الصراع مع العدو كانت لصالح المقاومة منذ السابع من تشرين، وما يجري الآن ليس إلا محاولة من العدو ليحصّل بالسياسة ما فشل في الحصول عليه في الميدان، فليخرجوا من الرهانات الخاسرة وليفكّروا بعقل وطني لا طائفي وليذهبوا إلى الحوار لحل القضايا التي تُشكّل مادة خلافية، وللمتصيّدين في الماء العكر ممن يجيدون اقتناص الفرص ويتعاملون بعقلية التاجر في القضايا الوطنية ليربحوا على الوطن ما هكذا تورد يا سعد الابل، فلن نسمح لأحد أن يُسيء للعلاقات الطيبة والتاريخية مع الفاتيكان التي نأمل أن تتعمّق أكثر وأكثر، ونحن شاكرون لدوره المهم في المساعدة على حلّ الأزمة اللبنانية.
(وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ). “