كتبت صحيفة “النهار”: صعّدت إسرائيل وتيرة التسريبات التي توحي بتقدم قواتها كثيراً نحو استكمال الاستعدادات لحرب على لبنان، ولو أن وتيرة المواجهات الميدانية ظلت بين مد وجزر، ولم تسجل مستوى استثنائياً من العنف باستثناء معاودة المسيّرات الإسرائيلية عمليات اغتيال مقاتلين وكوادر في “حزب الله” استهدف آخرهم أمس في سحمر في البقاع الغربي. غير أن العامل المثير للقلق تبدّى في تزامن صدور مجموعة من التحذيرات الجديدة لدول مؤثرة ومنخرطة في الجهود الديبلوماسية لمنع تمدد الحرب إلى لبنان إلى رعاياها بعدم السفر الى لبنان ومغادرته فوراً، الأمر الذي زاد مناخ القلق حيال الواقع الميداني والحربي على الجبهة اللبنانية- الإسرائيلية في الأسابيع القليلة المقبلة.
فقد بات معلوماً أن الفترة الطالعة تثير مخاوف تصاعدية لدى جهات لبنانية وأجنبية لجهة انصراف دول أساسية من المنظومة الدولية التي تواكب الأوضاع بدقة في لبنان وتشكل جهودها، أقله حتى الآن، شبكة حماية تحول دون انزلاق لبنان نهائياً الى متاهة حرب ثانية مدمرة بعد حرب غزة.
وأبرز هذه الدول الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وكذلك بريطانيا إذ تنهمك كلها، تباعاً باستحقاقات انتخابية ستشكل بطبيعة الحال أولوية لديها بما تخشى معه تلك الجهات اللبنانية والأجنبية، من أن تستغل إسرائيل هذا التقاطع الزمني وتشرع في ترجمة تهديداتها للبنان. ولذا من غير المستبعد في رأي أوساط معنية أن تكون إعادة عواصم غربية وغيرها اصدار تحذيرات إلى رعاياها على سبيل الضغط المعنوي والديبلوماسي على فريقي المواجهات على الحدود اللبنانية- الإسرائيلية كما للضغط على الجهات اللبنانية لإفهامها بضرورة أخذ تهديدات إسرائيل على محمل الجدية الكافية وعدم التسليم بمقولة استبعاد ترجمة تهديداتها للبنان.
تدريبات ومناورات
وفي هذا السياق، بثت أمس القناة 12 الإسرائيلية معلومات مفادها أن “قيادة المنطقة الشمالية بدأت تدريب الجنود من جبهة الجنوب استعداداً لعملية محتملة بالشمال”. وأضافت أن “الجيش ينقل قوات إلى الحدود مع لبنان”. وأعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي أن “قيادة المنطقة الشمالية تواصل الاستعداد والتدريب على السيناريوهات في الجبهة الشمالية: مناورات لمقاتلي غولاني ومقاتلي الاحتياط من لواء المظليين”.
وأضاف: “تواصل القيادة الشمالية تعزيز الاستعدادات وجهوزية القوات على الجبهة الشمالية حيث أجرت قوات الكتيبة 12 التابعة للواء غولاني والتي تعمل في منطقة جبل روس وجبل الشيخ (حرمون) تحت قيادة اللواء 188 مدرعات، تدريباً في مناطق وعرة والتعامل مع تهديدات مختلفة بالتعاون مع قوات المشاة، والمدرعات والمدفعية”. وأوضح أنه “في تمرين آخر للواء 55 تدربت القوات على سيناريوهات قتالية في مناطق مختلفة مع التركيز على قدرات الحركة في التضاريس الوعرة التي تُحاكي القتال في منطقة مشابهة لتلك في الجبهة الشمالية، والتقدم في مسار جبلي، وتشغيل النيران بشكل تدريجي”. كما أفادت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية بأن المستشفيات في شمال إسرائيل تستعد للحرب ضد “حزب الله” بما في ذلك سيناريوهات انقطاع الكهرباء وقطع الطرق. وقال قائد سلاح الجو الإسرائيلي، “مستعدون لمواجهة “حزب الله” في الشمال ولدينا الوسائل والقدرات”.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت هدد في ختام زيارته لواشنطن من أن “الجيش الإسرائيلي قادر على إعادة لبنان إلى العصر الحجري في أي حرب مع مقاتلي جماعة حزب الله”، لكنه قال “إن الحكومة تفضل حلاً ديبلوماسياً للوضع على الحدود بين إسرائيل ولبنان”. وقال: “لا نريد الحرب لكنّنا نستعدّ لكلّ السيناريوهات، و”حزب الله” يدرك جيّداً أنّنا قادرون على إلحاق أضرار جسيمة في لبنان إذا اندلعت حرب”.
وبدورها، جددت السفارة الأميركية في بيروت اصدار تحذيرها لمواطنيها من السّفر الى لبنان بسبب الوضع الأمنيّ الخطير. واوصت السفارة الروسية في بيروت “رعاياها بالامتناع عن السفر إلى لبنان حتى تهدأ الأوضاع في جنوب البلاد”. لكن السفير الروسيّ لدى لبنان الكسندر روداكوف أكد عدم إصدار بيان جديد يدعو فيه الرعايا إلى مغادرة لبنان. وشدّد على أنّها نسخة قديمة موجودة من السنة الماضية وما زالت مستمرة حتى اليوم. وقال: “نقول لمواطنينا أن لا يأتوا إلى لبنان قبل هدوء الساحة الجنوبية، وإلى الرعايا الموجودين تركنا لهم الخيار بالبقاء أو المغادرة”.
ونقلت هيئة البث الكندية أمس عن قائد عسكري أن الجيش الكندي يستعد لإجلاء 20 الف كندي في لبنان.
من جهتها، عبّرت وزارة الخارجية الفرنسية عن “قلقها البالغ بسبب خطورة الوضع في لبنان”، داعية كل الأطراف “إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس واحترام قرار مجلس الأمن رقم 1701”. واعلنت “أن فرنسا ستبقى ملتزمة التزاماً كاملاً بالسعي لمنع التصعيد على الخط الأزرق وتعزيز الحل الديبلوماسي”.
وفي لقاء له مع لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين النيابية، عرض سفير فرنسا في لبنان هيرفيه ماغرو لتطورات الدور الذي تؤديه فرنسا في “دعم الافرقاء في لبنان للتوصل إلى انتخاب رئيس الجمهورية”، مشدداً على استراتيجية بلاده “لبلورة حل سياسي في لبنان على أن تحظى بتعاط جدي من الافرقاء والتفاعل معها وأن يجري العمل على انتخاب رئيس من دون ربط الاستحقاق بالاحداث الدائرة في غزة”.
وكانت السفيرة الأميركية ليزا جونسون أكدت في كلمتها لمناسبة احتفال أقامته في السفارة لمناسبة ذكرى استقلال بلادها أن “هذه اللحظة هي حاسمة في المنطقة أيضاً. لقد استمر هذا الصراع بما فيه الكفاية، ونحن، بدءاً من الرئيس جو بايدن إلى كل موظف في هذه السفارة، نركّز على منع المزيد من التصعيد وإيجاد حل ديبلوماسي ينهي المعاناة على جانبي الحدود. نحن بحاجة إلى حل هذه الصراعات – سواء في غزة أو على الخط الأزرق – بسرعة وديبلوماسية. وكما قال آموس هوكشتاين في بيروت الأسبوع الماضي، فإن هذا أمر ملحّ وقابل للتحقيق على حد سواء”. وشددت على”إن الولايات المتحدة فخورة بدعمها للجيش اللبناني. ونحن ندرك الدور الرئيسي الذي يؤديه الجيش في استقرار لبنان وأمنه. نحن نؤمن بشدة بهذه الشراكة ونشعر بالامتنان لكل ما يفعله الجيش من أجل لبنان”.
من لقاءات بارولين
وفي سياق ديبلوماسي آخر التقى أمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين قبيل مغادرته بيروت عدداً من الشخصيات السياسية في السفارة البابوية عرف من بينها، جبران باسيل، سليمان فرنجية، ميشال معوض، سامي الجميل، فؤاد السنيورة وفارس سعيد. وأعلن الجميل أنه عرض مع الموفد البابوي لعدد من الملفات لا سيما موضوع الشغور الرئاسي والحرب في الجنوب وانعكاسها على لبنان.
وشرح الجميّل وجهة نظر الحزب من الوضع الراهن مؤكداً حرص الكتائب على انتخاب رئيس يكون قادراً على التواصل مع جميع المكوّنات، كما عرض حقيقة التعطيل الحاصل على صعيد كل المؤسسات الدستورية نتيجة تعنّت “حزب الله” وفريقه والهيمنة على القرارات الكبرى في لبنان.
والتقى بارولين أيضاً الرئيس فؤاد السنيورة على راس وفد من لجنة متابعة تنفيذ إعلانات الأزهر ووثيقة الأخوة الإنسانية. وأفاد مكتب السنيورة بأنه “قدم خلال اللقاء للموفد البابوي مذكرة تبيّن رؤية الوفد لجوهر المشكلة الراهنة في لبنان وسبل معالجتها، وقد أكد الموفد البابوي للوفد تمسك الفاتيكان والحبر الأعظم بدور لبنان الرسالة وبكونه بلد التسامح والعيش المشترك، وأهمية المثابرة على دعم لبنان لكي يستمر في تأديته لرسالته لأبنائه وكذلك في محيطه والعالم”.
اغتيال وغارات
أما على الصعيد الميداني في الجنوب، فقام الجيش الاسرائيلي أمس بعملية تمشيط بالأسلحة الرشاشة باتجاه بلدة كفركلا. وشن الطيران الحربي غارة عنيفة مستهدفاً منزلاً في بلدة عيترون ودمره بالكامل، كما أغار على حولا. واستهدف لاحقاً دراجة نارية في بلدة سحمر في البقاع الغربي ما تسبّب بسقوط عنصر من “حزب الله” هو علي احمد علاء الدين الذي نعاه الحزب. وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه “قضى على عنصر من الوحدة الجوية لـ”حزب الله” قام بإطلاق مسيّرة نحو إسرائيل”. ثم شنّ الطيران الحربي الإسرائيلي غارة على بلدة حداثا وسط قصف مدفعي عليها أيضاً، وأفادت المعلومات عن سقوط قتيل وجريح في المكان الذي استهدفته الغارة . ومساء اطلق “حزب الله” دفعة كثيفة بعشرات الصواريخ في اتجاه الجليل الأعلى.
وعشية الانتخابات الإيرانية لانتخاب رئيس جديد، وزع إعلام “حزب الله” مساءً كلمة للامين العام للحزب السيد حسن نصرالله خلال مراسم أربعينية الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي ورفاقه قال فيها: “نسأل الله أن يوفق الشعب الإيراني، وهو السند الحقيقي لكل مظلومي العالم، للانتخاب الصحيح وأن يوصل الرئيس المناسب القادر على تحقيق الآمال، لأن مصير شعوب المنطقة وحكوماتها ومستقبل المنطقة مرهون بالمجريات والوقائع في الجمهورية الاسلامية الايرانية”.