كتبت صحيفة “النهار”: لم يفاجئ أحداً الردّ السلبي السريع لـ”حزب الله” على زيارة الموفد الأميركي الى بيروت بعد إسرائيل آموس هوكشتاين عبر عرضه شريط فيديو يكشف توغل مسيّرات الحزب الى مرفأ حيفا، كما لم يكن مفاجئاً لأحد “تثقيل” إسرائيل لمهمة هوكشتاين بالتهديدات للبنان. وبرز تطور مفاجئ مساءً تمثل في عودة الموفد الأميركي إلى تل أبيب حيث اجتمع برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بما عكس وجود معطيات سمحت لهوكشتاين باستكمال مهمته بين بيروت وتل أبيب.
ولكن لا مبررات “الحزب” ولا مبررات إسرائيل خففت أو قللت من خطورة المهمة والكلام الحاسم التحذيري الذي أطلقه الموفد الأميركي إلى حدود اجماع الانطباعات والمعطيات والمعلومات على أنه نقل ما يعتبر التحذير الأخطر وربما الأخير من تداعيات الوضع المتفجر على الخط الأزرق الحدودي بين لبنان وإسرائيل. ففي حين كان هوكشتاين حذّر إسرائيل تكراراً من أن أي مغامرة حربية محدودة أو كبيرة في لبنان ستعني إقحام إيران في المواجهة والتسبّب بحرب إقليمية واسعة، لم يتوان في بيروت عن اطلاق تحذيره الحازم من أن عدم الاحتكام الى حلّ ديبلوماسي يخفض وينهي الصراع من شأنه أن يتسبّب بحرب كبيرة مفتوحة.
لم ينقل هوكشتاين تهديدات بل عرض صورة قاتمة لتدحرج الأمور ما لم يبدأ خفض التوتر والبدء بالتفاوض على إجراءات تبريد الجبهة بإجراءات تتولى الولايات المتحدة التوسط للاتفاق عليها. بدت المعادلة الواضحة التي طرحها تتلخص بالآتي: إما الذهاب الى حل ديبلوماسي، وإما خطر الانزلاق إلى حرب مفتوحة، الأمر الذي فهم منه المسؤولون اللبنانيون أن هوكشتاين سمع في تل أبيب “إجماعا” لدى حكومة نتنياهو ومعارضيه على المواجهة مع “حزب الله”.
والحال أن هوكشتاين “غادر” تحفظه المعتاد هذه المرة وقال بوضوح حازم “أننا نريد تجنب مزيد من التصعيد بين إسرائيل ولبنان بدلاً من حرب مفتوحة”، مشيراً إلى أن “الوضع على الحدود بين لبنان وإسرائيل في غاية الخطورة، ونسعى لوقف التصعيد تفادياً لحرب كبيرة”، لافتاً إلى أن “النزاع المستمرّ حول جانبي الخطّ الأزرق استمرّ طويلاً، ومن مصلحة الجميع أن ينتهي”، مشدداً على أن “الوضع دقيق جدا في لبنان”.
ولكن قبل أن يغادر لبنان بعد زيارته الخاطفة تعمّد “حزب الله” عبر إعلامه الحربي عرض مقطع فيديو تبلغ مدته 9 دقائق ونصف دقيقة، التقطه “سلاحه الجوي” من شمال إسرائيل تحت عنوان: “هذا ما رجع به الهدهد” ويظهر صوراً عالية الدقة لميناء حيفا بالكامل ومستوطنة الكريوت وما تحتويه من منشآت عسكرية حساسة وضخمة، في مؤشر إلى مدى قدرته العسكرية على رصد العمق الإسرائيلي. وجرى الترويج للفيديو بأنه “رد على رسالة التحذير الأميركية”. كما أن معلومات أشارت إلى أن هوكشتاين تبلّغ في لبنان أن “حزب الله” يعلم بقرار إسرائيل شنّ الحرب وأن الكرة في ملعب إسرائيل لتجنب الحرب”.
في المقابل، حمّل المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية “حزب الله”، “بتوجيهات إيرانية والحكومة اللبنانية مسؤولية ما يجري على الحدود”، قائلاً، “سيعود مواطنو شمال إسرائيل الى منازلهم سواء بالطرق العسكرية أو الديبلوماسية”. وتبعه وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس بتهديد مماثل إذ قال: “إننا نقترب من لحظة اتخاذ قرار تغيير قواعد اللعبة ضد “حزب الله” ولبنان”، معتبراً أنه “في حرب شاملة سيتم تدمير “حزب الله” وسيتعرض لبنان لضربة قاصمة”.
“في وقت صعب”
جولة هوكشتاين في بيروت ترافقه السفيرة الأميركية في لبنان ليزا جونسون شملت تباعاً، قائد الجيش العماد جوزف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بو حبيب. وفي عين التينة تلا هوكشتاين بياناً مكتوباً لفت فيه إلى “أن هذه العطلة تأتي في وقت صعب. إنها لحظة حرجة في الوقت المناسب. ولهذا السبب طلب مني الرئيس جو بايدن الحضور إلى لبنان اليوم.
لقد أجريت أنا والرئيس بري نقاشاً جيداً جداً. لقد ناقشنا الوضع الأمني والسياسي الحالي في لبنان، بالإضافة إلى الصفقة المطروحة على الطاولة الآن في ما يتعلق بغزة، والتي توفر أيضًا فرصة لإنهاء الصراع عبر الخط الأزرق”. وأضاف: “الاتفاق الذي حدده الرئيس بايدن في 31 ايار (مايو) الماضي سينص على إطلاق سراح الرهائن، ووقف فوري لإطلاق النار، وفي نهاية المطاف، نهاية الصراع في غزة. وقد قبلت إسرائيل هذا الاقتراح، وأيدته قطر ومصر والوسطاء ومجموعة السبع ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. الاتفاق يوقف الحرب في غزة. ويحدّد الجدول الزمني لانسحاب القوات. إذا كان هذا ما تريده “حماس”، فعليها فقط أن تقول نعم وتقبل ذلك”.
وقال: “من الممكن أن يؤدي وقف إطلاق النار في غزة إلى التوصل إلى حل ديبلوماسي بديل لإنهاء الصراع عبر الخط الأزرق. تهيئة الظروف للمدنيين اللبنانيين النازحين للعودة إلى ديارهم في الجنوب، وللمدنيين الإسرائيليين للعودة إلى ديارهم في الشمال. ولكن دعوني أكون واضحاً. لقد استمر الصراع على طول الخط الأزرق بين إسرائيل و”حزب الله” لفترة طويلة بما فيه الكفاية. الأبرياء يموتون. الملكية تالفة. العائلات مشتتة، والاقتصاد اللبناني مستمر في التدهور. البلاد تعاني بلا سبب وجيه. ومن مصلحة الجميع حل هذه المشكلة سريعًا وديبلوماسيًا. وهذا أمر يمكن تحقيقه. وهو أمر عاجل”.
ولدى سؤاله: هل نحن على شفا حرب تندلع؟ وهل هناك أي رسالة إسرائيلية حملتموها للمسؤولين اللبنانيين؟ أجاب: “المحادثات التي أجريتها هنا اليوم في بيروت وتلك التي أجريتها بالأمس في إسرائيل، تجري على حد سواء لأن الوضع خطير. لقد شهدنا تصعيداً خلال الأسابيع القليلة الماضية، وما يريد الرئيس بايدن فعله هو تجنب المزيد من التصعيد إلى حرب أكبر. هذا هو الجهد هنا. وسوف يتطلب الأمر مصلحة الجميع في إنهاء هذا الصراع الآن. ونعتقد أن هناك طريقاً ديبلوماسياً للقيام بذلك. إذا وافق الطرفان على ذلك. ولكن هذا الوضع خطير للغاية الذي نحن فيه”.
وأفاد مكتب الرئيس ميقاتي انه اكد للموفد الأميركي “أن لبنان لا يسعى الى التصعيد، والمطلوب وقف العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان والعودة الى الهدوء والاستقرار عند الحدود الجنوبية”. وقال: “إننا نواصل، السعي لوقف التصعيد واستتباب الامن والاستقرار ووقف الخروق المستمرة للسيادة اللبنانية وأعمال القتل والتدمير الممنهج التي ترتكبها اسرائيل”. وشدد “على أن التهديدات الإسرائيلية المستمرة للبنان، لن تثنينا عن مواصلة البحث لارساء التهدئة، وهو الامر الذي يشكل اولوية لدينا ولدى كل اصدقاء لبنان”.
وأوضح هوكشتاين “كالعادة أجريت مناقشات جيدة مع رئيس الوزراء. نمر بأوقات خطيرة ولحظات حرجة ونحن نعمل سوياً لنحاول أن نجد الطرق للوصول الى مكان نمنع فيه المزيد من التصعيد”.
ونُقل عن أوساط حكومية بعد الاجتماع أن الوضع قابل للتهدئة على الرغم من التصعيد الأخير بين “حزب الله” وإسرائيل.
وكان الإعلام الإسرائيلي افاد أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قال خلال لقائه المبعوث الأميركي: “ستنقلون رسالة واحدة إلى رئيس وزراء لبنان، إما عودة “حزب الله” إلى ما وراء الليطاني الآن أو الحرب”. وذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن هوكشتاين أبلغ المسؤولين الإسرائيليين أنه من دون خطة لليوم التالي للحرب في غزة من الصعب التوصل الى اتفاق بشأن الجبهة مع لبنان.
كما أن عضو مجلس الحرب الإسرائيلي السابق بيني غانتس حذر خلال لقائه هوكشتاين من أنّ “وقت التوصّل إلى اتّفاق بشأن الحدود الشمالية مع لبنان بدأ ينفد”. وقال غانتس إنه سيدعم “أي تحرّك فعّال بشأن الجبهة الشمالية من خارج الحكومة الحالية”، مؤكداً “إلتزامه بإزالة تهديدات “حزب الله” عن السكان الإسرائيليين على الحدود الشمالية بغض النظر عن تطورات الحرب في غزة”.
عودة التصعيد
وعادت السخونة تطبع الوضع الميداني إذ استهدفت مسيّرة إسرائيلية سيارة على طريق بلدة البرغلية- صور ما أدى الى سقوط قتيل وإصابة ٨ مدنيين بجروح طفيفة، كما سجل قصف إسرائيلي على أطراف الخيام، العديسة، وأطراف بلدة الطيبة. وشنّت المسيرات الإسرائيليّة أيضاً أكثر من غارة على منطقة البرغلية. فبعد تجمهر الاهالي لتفقد السيارة الأولى التي أغارت عليها إحدى المسيرات، باغت الجيش الإسرائيلي الأهالي واستهدف سيارة أخرى.
وبعد يومين من هدنة غير معلنة لم ينفذ فيها أي عمليات تذكر، أعلن “حزب الله” أنه استهدف دبابة ميركافا داخل موقع حدب يارين بمسيّرة انقضاضية، كما أعلن انه “شن هجومًا جويًا بسرب من المسيّرات الإنقضاضيّة على مربض مدفعيّة تابع للكتيبة 411 (تابعة للواء النار 288) في نافه زيف، مستهدفاً نقاط تجمّع ضبّاط العدو وجنوده”، كما استهدف موقع الرمثا في تلال كفرشوبا .