كتبت صحيفة “النهار”: بين الانتقام الأعنف والأوسع لاغتيال أحد أبرز قادته الميدانيين في هجومين ضخمين شنهما “حزب الله” أمس في يوم واحد مستهدفاً مراكز ومقار عسكرية إسرائيلية وتوعد إسرائيل بردّ قوي، وضع هذا التطور الأخطر في المواجهات الدائرة منذ الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي بين إسرائيل و”حزب الله” لبنان برمته أمام احتمال الانزلاق الى مواجهة شاملة. وبدا واضحاً أن “حزب الله” غداة اغتيال إسرائيل للقيادي الميداني الأبرز في صفوفه طالب سامي عبد الله الملقب “أبو طالب”، وبعد سلسلة اغتيالات مماثلة أدت إلى فقدانه عشرات النخب الميدانية، شاء من ضربته الانتقامية أمس التي شملت هجوماً مكثفاً غير مسبوق بالصواريخ والمسيّرات الانقضاضية على اكثر من تسعة مراكز عسكرية، أتبعه بعد الظهر بهجوم مماثل آخر، ردع إسرائيل عن المضي في نهج الاغتيالات ومحاولة رسم خط أحمر أمامها، الامر الذي ترجم ميدانياً بتصعيد كبير أثار مخاوف متعاظمة من بلوغ الاحتدام حدود اشتعال مواجهة واسعة بدت إسرائيل كأنها تتحسب لها في وقت وشيك. حتى أن التعبير عن المخاوف طاول الولايات المتحدة الأميركية نفسها في ما قد يفسر تحذيراً متقدماً من بلوغ الاحتقان الميداني درجة الخروج عن السيطرة والاقتراب من الانفجار الذي دأبت واشنطن على التشديد على ضرورة تجنبه تحت وطأة إشعال حريق إقليمي واسع.
وقابلت إسرائيل الرد الانتقامي لـ”حزب الله” باعلانها أن “حزب الله” وإيران والحكومة اللبنانية تتحمل “المسؤولية الكاملة” عن تزايد العنف عبر الحدود الإسرائيلية – اللبنانية، ولمّحت إلى أن تصعيداً قد يجري التخطيط له. وقال المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية ديفيد مينسر إن “لبنان و”حزب الله”، بتوجيه من إيران، يتحملان المسؤولية الكاملة عن تدهور الوضع الأمني في الشمال”.
وأضاف، “سواء من خلال الجهود الديبلوماسية أو غير ذلك، فإن إسرائيل ستستعيد الأمن على حدودنا الشمالية”. وقال خلال مؤتمر صحافي، “سترد إسرائيل بقوة على كل الاعتداءات التي يقوم بها حزب الله”. وأفادت هيئة البث الإسرائيلية أن مجلس الحرب بتشكيلته الجديدة انعقد ليلاً لبحث التصعيد على الحدود الشمالية. وذهب الوزير الإسرائيلي المستقيل حديثاً من الحكومة بني غانتس الى القول في تصريح، “على ما يبدو أننا سنجبر على الدخول في حرب مع لبنان”، بعدما كان أكد أن “الحل السياسي هو الأفضل للأزمة في الشمال”.
قلق أميركي
على وَقع التصعيد المتواصل، قال مسؤول أميركي كبير لـ”رويترز” إنّ “الولايات المتحدة تشعر بقلق بالغ من أن الأعمال القتالية على الحدود الإسرائيلية- اللبنانية قد تتصاعد إلى حرب شاملة”، مضيفاً أنّ “هناك حاجة إلى ترتيبات أمنية محددة للمنطقة، وأنّ وقف إطلاق النار في غزة ليس كافياً”. وأضاف: “أجرينا محادثات باستمرار وبشكل عاجل في أوقات مختلفة مع إسرائيل ولبنان على مدى الأشهر الثمانية منذ بداية الأزمة… لمنعها من التطور إلى حرب شاملة قد يكون لها تداعيات على أماكن أخرى في المنطقة”.
وأكد المسؤول الأميركي أنّ “العودة إلى الوضع الذي كان قائماً في لبنان يوم السادس من تشرين الأول (أكتوبر) ليس خياراً مقبولاً أو ممكناً”.
وتابع قائلاً: “هذا يتطلب ممارسة ضغوط شديدة على النظام. سيؤدي ذلك إلى استبعاد تبرير “حزب الله” لشنّ هذه الهجمات، وأعتقد أن ذلك سيفسح المجال لحل الأمر ديبلوماسيّاً”. كما أكد أنّه “لا يكفي مجرد التوصل إلى وقف لإطلاق النار… يجب أن يكون هناك ترتيب يسمح للإسرائيليين بالعودة إلى منازلهم في الشمال”.
وكان حزب الله اعلن أنه “في إطار الرد على الاغتيال الذي نفذه العدو الصهيوني في بلدة جويا، شنت المقاومة الإسلامية هجوما مشتركا بالصواريخ والمسيرات حيث استهدفت بصواريخ الكاتيوشا والفلق 6 ثكنات ومواقع عسكرية هي: مرابض الزاعورة، ثكنة كيلع، ثكنة يوأف، قاعدة كاتسافيا، قاعدة نفح وكتيبة السهل في بيت هلل. وبالتزامن شن مجاهدو القوة الجوية بعدة أسراب من المسيّرات الانقضاضية هجوماً جوياً على قاعدة داوود (مقر قيادة المنطقة الشمالية)، وقاعدة ميشار (مقر الاستخبارات الرئيسيّة للمنطقة الشمالية المسؤولة عن الاغتيالات) وثكنة كاتسافيا (مقر قيادة اللواء المدرع النظامي السابع التابع لفرقة الجولان 210)، وأصابت أهدافها بدقة”. وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن اطلاق “حزب الله” نحو 150 صاروخاً ومسيّرة تجاه إسرائيل خلال أقل من 40 دقيقة. ونقلت “رويترز” عن مصادر أمنية قولها “إن “حزب الله” شنّ أكبر هجوم على إسرائيل منذ بدء الحرب”.
وأفاد مصدر في “حزب الله” قناة “الجزيرة”، أنّ “الهجوم المركّب هدفه ردع إسرائيل والردّ على اغتيال القائد العسكري طالب عبد الله”. وكشف المواقع الإسرائيلية التي هاجمها، معلناً عن “مهاجمة مقرّ قيادة المنطقة الشمالية في الجولان المعروفة بـ(قاعدة داود)، ومقرّ الاستخبارات الإسرائيلية في المنطقة الشمالية المسؤولة عن الاغتيالات في لبنان، ومقرّ قيادة اللواء المدرّع النظامي السابع في الجولان المحتل”. ومساء أعلن “حزب الله” مجدداً عن شن هجوم جوي للمرة الثانية بسرب من المسيرات الانقضاضية على قاعدة ميشار مستهدفاً مراكز الاستخبارات المتبقية داخلها. كما شن للمرة الثانية هجوماً جوياً بسرب آخر من المسيّرات على ثكنة كاتسافيا.
باسيل وجعجع والكتائب
وسط هذه الأجواء تواصلت في الداخل التحركات المتصلة بالأزمة الرئاسية من دون أي أفق واضح لبلوغها أي نتيجة عملية ملموسة متوافق عليها. وفي هذا السياق، ختم رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل تحركه الأخير بزيارة رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد ثم عقد عصراً مؤتمراً صحافياً عرض فيه نتائج تحركه في الموضوع الرئاسي، وقال: “وجدنا فرصة فرضها التوافق على العنوان الرئيسي أي مبدأ التشاور للتوافق، وإلا الانتخاب” وأضاف عن لقائه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري “أننا نبني معه علاقة إيجابية لصالح البلد، وليس على حسابه، وانطلقنا معه من أن لا أحد يمكنه كسر أحد، واتفقنا على أن الأولوية للتوافق، قبل الانتخاب لتأمين فرصة نجاح للعهد”. وأشار الى أن “الضمانة تكون بأن من يحضر الحوار يلتزم عدم مقاطعة جلسات الانتخاب، وأن تكون فترة التشاور محدودة والجلسات متتالية بدورات متتالية للوصول الى نتيجة. وبالنسبة إلى تحويل الحوار عرفاً قبل انتخاب أي رئيس، فهناك استعداد لدى الرئيس بري والجميع للإعلان أنه ليس كذلك، وأن هناك ظرفاً استثنائياً يقتضي انتخاب رئيس”. وقال: “نحن أمام خيارين: إما التوافق وإما عدم التكيف مع الفراغ وعدم التسليم به”.
من جانبه، أصدر رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، بياناً مع مرور عام كامل على آخر جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية أعاد فيه ما طرحه على موفد الرئاسة الفرنسية جان إيف لودريان في زيارته الأخيرة في “ثلاث مقاربات تشاورية توفِّر متطلبات الحوار الجدي والفعلي من دون المساس بالدستور والثوابت”. وتنص المقاربة الأولى على “وضع مبادرة كتلة الاعتدال الوطني موضع التنفيذ، بمعنى أن تدعو الكتلة زميلاتها الكتل أخرى إلى التداعي وإرسال ممثلين عنها للاجتماع في مجلس النواب والتشاور ليوم كامل إذا اقتضى الأمر، ويدعو بعدها الرئيس بري إلى جلسة انتخابية بدورات متعددة حتى انتخاب رئيس للجمهورية. المقاربة الثانية، أن يأتي لودريان إلى لبنان ويطلب من رئيس المجلس النيابي الاجتماع بممثلين عن الكتل النيابية، ويقوم لودريان بطرح ملخّص عن نتائج جولاته المكثفة على المسؤولين والأحزاب والكتل النيابية كافة، وبعدها ينسحب ويكمل ممثلو الكتل مشاوراتهم ليوم كامل إذا اقتضى الأمر، ويدعو بعدها الرئيس بري إلى جلسة مفتوحة بدورات متعددة حتى انتخاب رئيس للجمهورية. المقاربة الثالثة، أن يدعو الرئيس بري إلى جلسة انتخابية كما ينص الدستور، وبعد أن تُجرى الدورة الأولى، وفي حال لم تسفر عن انتخاب رئيس يعلِّق الرئيس بري جلسة الانتخاب لمدة ساعة او ساعتين ويطلب من الكتل التشاور بين بعضها قبل أن يعود ليدعو إلى دورة ثانية، وهلمّ جرّا حتى الوصول الى انتخاب رئيس للجمهورية”.
وبدت لافتة الزيارة التي قام بها وفد كتائبي للرئيس بري وضم النائبين سليم الصايغ ونديم الجميل، وبررها الصايغ “بأننا أردنا أن نسمع مباشرة منه ولاول مرة أفكاره التي يطرحها بشكل مبادرة لانتاج رئيس للجمهورية” وأكد أن “ليس هناك حتى اليوم من كفالة أو ضمانات أن العملية الانتخابية ستنتج رئيساً توافقياً، لذا لا بد من تعميق التشاور مع كل القوى السياسية بدءاً بالمعارضة والقوى التي تقاطعنا معها على اسم جهاد ازعور والقوى الاخرى للخروج من المأزق”. وأضاف: “فهمنا اليوم أنه لا يمكن ان يأتي رئيس فريق في لبنان ولا يمكن لفريق أن يقول: أنا أتيت بهذا الرئيس وفريقي الذي انتصر، وشعرنا أن هذا المنطق غير سالك عند الرئيس بري، ما يعني ارادة للذهاب إلى رئيس توافقي ويبقى التفتيش عن المخارج”.