كتبت صحيفة “الجمهورية”: تتبّعت الأوساط السياسية على اختلافها أمس الاتصالات الديبلوماسية الجارية لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي لوقف اطلاق النار في قطاع غزة، معوّلة انسحابه على الجبهة اللبنانية الجنوبية، بما يعيد الاهتمام إلى الاستحقاق الرئاسي وسواه من القضايا الداخلية المطروحة، في وقت بدا من المواقف السياسية، أنّ المبادرات الجارية حول هذا الاستحقاق كأنّها تهدف إلى تمهيد الأجواء للشر وع في إنجازه فور حصول الهدوء على الجبهة الجنوبية ونضوج ما يُطبخ من تسوية إقليمية. ولكن هذه المبادرات أخرجت مواقف ايجابية من غالبية الذين شملتهم، لكنها تحتاج الى ترجمة عملية. في وقت تكوّن لدى المراقبين استنتاج مفاده أن لا حوار في شأن الاستحقاق الرئاسي الّا بمشاركة الجميع، او لا حوار إلّا مع «كلن يعني كلن».
فيما تنشط المساعي السياسية والديبلوماسية وتعمل محركات المفاوضات بأقصى قوتها للوصول إلى تسوية او هدنة في غزة تؤدي إلى وقف إطلاق نار دائم، انشغلت الساحة المحلية بعجقة اللقاءات والاتصالات والمبادرات التي هبّت مرّة واحدة بدفع قطري ومباركة «خماسية»، لكن حتى الساعة يبدو أنّها لا تزال «طبخة بحص» ولو انّها أعطت الانطباع بأنّها تفكّك الالغام الأخيرة من طريق التشاور او الحوار…
واكّد مصدر سياسي رفيع لـ«الجمهورية»، انّ حركة بعض الكتل السياسية انطلقت اما من «حطة أيد» مع مسعى المجموعة الخماسية العربية ـ الدولية، وأما من شعور بالخمول السياسي في البيت الداخلي، فكان القرار بإعادة تشغيل الماكينات وإجراء نوع من «الروداج» موجّه الى الأنصار أولًا قبل القوى السياسية الأخرى، حتى انّ بعض التصريحات تُطلق بشعبوية وبإدراك مسبق انّه لم يحن الوقت بعد للانتخاب الرئاسي، وانّ اللعب في الوقت الضائع لا يزال المتاح حالياً….
واكّد المصدر نفسه، انّ الدينامية التي اطلقها حراك رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل نتيجتها «صفر» طالما انّ هناك طرفاً يرفض الحوار، وانّ رئيس مجلس النواب نبيه بري لن يذهب إلى حوار او آلية تشاور إلّا بمشاركة الجميع، اي حوار مع «كلن يعني كلن»، او لا حوار. اما موضوع «الخيار الثالث» الذي يتحدث عنه البعض فهو يُناقش في الإعلام فقط ولم يُطرح في المحادثات الجدّية. ونفى المصدر ان يكون «الثنائي الشيعي» قد لمح إلى القبول بهذا النقاش، لأنّ مرشحه لا يزال اولاً واخيراً رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، وبالتالي كلٌ يغني على «رؤياه» في البحث عن التسوية.
حراك مكثف
وكان الحراك الرئاسي تكثف امس عبر استمرار جولات كتلتي «لبنان القوي» و«اللقاء الديموقراطي» على بقية الكتل النيابية، وسط جامع واحد يكمن في ضروة التشاور للتوافق على انتخاب رئيس للجمهورية.
وقال عضو كتلة «التوافق الوطني» النائب فيصل كرامي لـ«الجمهورية» بعد اجتماع التكتل مع وفدين من تكتلي «لبنان القوي» و»اللقاء الديموقراطي»: «في المبدأ، إنّ التواصل مشكور ومحمود اياً كان شكله ونوعه، خصوصاً في هذه الظروف. فـ«التيار الوطني الحر» و«اللقاء الديموقراطي» يسعيان إلى تقريب وجهات النظر وإيجاد قواسم مشتركة بين مختلف الاطراف للوصول الى انتخاب رئيس للجمهورية». واضاف كرامي: «في اللقاء مع وفد «تكتل لبنان القوي» ظهر انّ النائب باسيل فتح الأيدي للحل والحوار، لأنّ ظروف البلد، في رأيه، لم تعد تتحمّل مزيداً من الازمات، خصوصاً قي ظلّ الحرب الدائرة على الجنوب، ولذلك يجب الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية. وقد وافقه اعضاء كتلتنا هذا الرأي». وقال: «اكّد لنا النائب باسيل انّ التكتل سيحضر اي جلسة حوار او تشاور يدعو اليها الرئيس نبيه بري، والمهم هو تأمين نصاب الـ 86 نائباً (أكثرية الثلثين) لندخل التشاور او الحوار سواءً مع «القوات اللبنانية «وبعض الاطراف الاخرى او من دونها، طالما انّ الميثاقية ستكون مؤمّنة، وذلك لضمان حصول جلسات الانتخاب، لكن باسيل اكّد انّ حضور جميع الاطراف يكون افضل. وأثنى على مبادرة الرئيس بري».
واوضح كرامي «انّ تكتل «التوافق الوطني» أيّد مواقف باسيل خصوصاً لجهة توفير قواسم مشتركة عبر التشاور، وتمّ التوافق معه على استمرار التواصل».
وعن اللقاء مع كتلة «اللقاء الديموقراطي»، فقد شدّد كرامي على ما قال خلاله من انّه «إذا كان هناك من يراهن على فوز العدو الاسرائيلي في الحرب لفرض شروطه فهو واهم». وقال: «استوقفنا كلام عضو الكتلة النائب فيصل الصايغ من أنّ المهم في الحراك الجاري هو ان تصفو النيات». واضاف: «لقد توافقنا مع تيمور بك والوفد المرافق على ضرورة الاسراع في إجراء الانتخابات، وهو يسعى كما نحن للوصول الى قواسم مشتركة بين الكتل النيابية».
عند الرئيس بري
وكان وفد من كتلة «التوافق الوطني» زار في ختام النهار الطويل رئيس المجلس نبيه بري، واستمع منه إلى حصيلة المشاورات واللقاءات التي جرت خلال الاسابيع الماضية. واوضح كرامي لـ«الجمهورية»، انّ بري «متمسك بمبادرته ولو بعد مرور سنة على طرحها، بحيث تُعقد جلسات تشاور لمدة اسبوع، أو اقل اذا أمكن، للتوافق على اسماء المرشحين، ثم تُعقد بعده ثلاث او اربع جلسات انتخابية ومن يفز خلالها من المرشحين فليفز». وأضاف: «كان التفاهم تاماً مع الرئيس بري على انّ لبنان لا يُحكم بالأكثرية بل بالتوافق والتفاهم وليس بالضرورة بالإجماع لكن بالأكثرية».
سخونة الجنوب والبقاع
على الجبهة الجنوبية، استمر التراشق المدفعي والصاروخي امس بين المقاومة واسرائيل، وتوسّع الى البقاع الشمالي مجدداً امس، حيث اغار الطيران الحربي الاسرائيلي فجراً، على منطقة حوش السيد علي في قضاء الهرمل بين بلدة القصير السورية والجانب اللبناني، واستهدف شاحنات صهاريج تنقل المحروقات ما أدّى الى مقتل خمسة اشخاص بينهم عناصر من «حزب الله»، الذي نعى لاحقاً الشهداء عباس محمد ناصر «أبو حيدر» من بلدة طيرفلسيه، وبلال وجيه علاء الدين من بلدة مجدل سلم، وهادي فؤاد موسى من بلدة شبعا.
وقال مصدر عسكري لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إنّ «ثلاثة عناصر من «حزب الله» ارتقوا قبل منتصف ليل الاثنين/الثلاثاء، في ضربات إسرائيلية استهدفت رتلاً من صهاريج المحروقات بـ9 صواريخ، ومبنى في محلة حوش السيد علي» في قضاء الهرمل تدمّر كلياً، متحدثاً أيضاً عن سقوط ثلاثة جرحى.
وقد تصدّت المضادات السورية للطائرات المغيرة، وسقط أحد الصواريخ الاعتراضية، في منزل خالد الدالي في بلدة فنيدق، محلة النبع، وشاءت العناية الإلهية أن يكون المنزل قيد الإنشاء واقتصرت الأضرار على الماديات، وأصيبت طفلة من عائلة زكريا بجروح طفيفة.
وفي الجنوب، أغارت طائرة مسّيرة بعد ظهر امس على بلدة الناقورة ما ادّى الى مقتل صالح مهدي الذي نعته مؤسسة مياه لبنان الجنوبي «الذي ارتقى إثر استهداف دراجته النارية بصاروخ اطلقته مسيّرة معادية اثناء قيامه بواجبه لضمان استمرارية التغذية بالمياه في البلدة». ودعت «المؤسسات الرسمية المعنية والجهات الدولية لاستنكار الجريمة والضغط على العدو لوقف اعتداءاته على موظفي وعمال القطاعات الحيوية والاغاثية فوراً».
واستهدفت مسيّرة أخرى مقهى «إكسبرس» في الناقورة فاصيب مالكه بجروح. فيما أطلقت مسيّرة ثالثة صاروخاً على احد المباني الخالية في بلدة كفركلا. وتعرّضت بلدتا كفركلا والخيام وديرعامص وراشيا الفخار لقصف مدفعي في وقت أغار الطيران الحربي مرتين على بلدة عيترون. كذلك اغار مساء على سيارة «رابيد» في بلدة كفرا فأصيب ثلاثة اشخاص بجروح.
وتسبّبت الإعتداءات الاسرائيلية التي طاولت اطراف بلدتي الريحان والقطراني أمس، بارتفاع منسوب الحرائق في المنطقة، وتمكنت فرق الاطفاء في الدفاع المدني في الهيئة الصحية الاسلامية من إخماد حرائق في بلدات: القطراني، الريحان، قليا، عين قانا، انصار، كوثرية الرز وعدلون.
ورداً على الاعتداءات الاسرائيلية، اعلنت «المقاومة الاسلامية» انّ وحدة الدفاع الجوي فيها تصدّت منتصف ليل امس الاول «لطائرة صهيونية معادية انتهكت الاجواء اللبنانية، وأطلقت في اتجاهها صاروخ أرض – جو، مما أجبرها على التراجع في اتجاه فلسطين المحتلة ومغادرة الاجواء اللبنانية على الفور».
كذلك اعلنت انّها استهدفت صباح أمس «تجمعاً لجنود العدو الاسرائيلي في محيط مستوطنة «نطوعا» بالأسلحة المناسبة وأصابوه إصابة مباشرة وأوقعوا أفراده بين قتيل وجريح».
ورداً على الاعتداءات على القرى الجنوبية وخصوصًا على بلدة عيترون أمس، اعلنت «المقاومة الإسلامية» انّها استهدفت «مبنى يستخدمه جنود العدو في مستعمرة المطلة بالأسلحة المناسبة وأصابته إصابة مباشرة».
ورداً على الاعتداء الذي طاول منطقة البقاع، قالت المقاومة انّها قصفت بعشرات صواريخ الكاتيوشا مقر فوج المدفعية ولواء المدرعات التابع لفرقة الجولان 210 في «ثكنة يردن»، كذلك قصفت»تجمعاً لجنود العدو الصهيوني في »حرج برعام» بالأسلحة الصاروخية». واستهدفت مساء موقع «الرمثا» في تلال كفرشوبا.
واعلنت المقاومة مساء امس انّها قصفت بعشرات صواريخ الكاتيوشا مستعمرتي «غشر هازيف» و»كفر بلوم» رداً على الغارات التي استهدفت بلدتي الناقورة وكفرا وسقط فيهما شهيد وجرحى من سكانهما.
وقالت وسائل إعلام إسرائيلية: «تعمل 8 فرق إطفاء في نقاط عدة على إخماد حرائق اشتعلت بسبب سقوط صواريخ جنوب الجولان والجليل الأعلى». وأبلغ الوزير الإسرائيلي المستقيل من حكومة الحرب بيني غانتس، إلى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أنّ «إسرائيل لن تتردّد في التحرّك في شكل حاسم لحماية سكان الشمال وتمكينهم من العودة الآمنة إلى ديارهم». وقال: «لن تتردّد إسرائيل في توسيع الحرب بالشمال إذا لم يتراجع حزب الله».
وإلى ذلك، قالت مجلة «إيبوك» الإسرائيلية، إنّه في حال اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل و«حزب الله» «فإنّ الحزب قادر خلال الأيام العشرة الأولى من الحرب على تنفيذ نحو 3 آلاف عملية قصف خلال اليوم الواحد بمختلف أنواع الأسلحة». وتوقّعت «أنّ الحزب سيكون قادراً على إطلاق 1000 صاروخ يومياً لمدة شهرين إذا ما طال أمد الحرب، مشيرةً إلى أنّ ذلك لا يشمل قصف الحزب قوات الاحتلال التي ستجتاح لبنان براً».
===