كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول:
كلّ ما جرى ويجري من حراكات ومبادرات مرتبطة بالملف الرئاسي، لا يعدو أكثر من لعب عبثي على هامش الإستحقاق الرئاسي، لم يتبدّ منه سوى دفع هذا الملف أكثر فأكثر إلى الوراء، مع إبقاء فتيل السجالات وتقاذف الإتهامات مشتعلاً بين اللاعبين المحليّين حول استحقاق تتقاطع قراءات المعنيين به وتقديراتهم، على انّ القرار بتفكيك أو كسر عوامل التعطيل الداخلية والخارجية لم يُتخذ بعد.
هذه الصورة المقفلة، وكما يوصّفها معنيّون بالملف الرئاسي، تؤشّر إلى مراوحة لا سقف زمنيّاً لها في مربّع الصفر، المحصّن باستحالة التوافق الداخلي على رئيس للجمهورية. واما مفتاح الحسم، فمتروك لقرار الحسم الخارجي، الذي يبدو انّه نُحّي جانباً، في موازاة الهمّ الأكبر، لا بل الأوحد الذي يشغل دوائر القرار، ويتجلّى في الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة، والمحاولات المتتالية، ولاسيما من قِبل الولايات المتحدة الاميركية، لصياغة هدنة تمهّد لوقف هذه الحرب واحتواء تداعياتها. وضمن هذه الغاية قرّرت إيفاد وزير خارجيتها انتوني بلينكن الى المنطقة في زيارة ثامنة للدفع نحو هذه الهدنة.
مناشدات دولية
يُضاف إلى ذلك، الوضع المتصاعد على الجبهة الجنوبية، وتوسّع نطاق العمليات العسكرية، وهو الامر الذي حرّك ما بدا انّه استنفار دولي لاحتوائه. حيث برز في هذا الاطار تأكيد رؤساء دول وحكومات الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا وبريطانيا على «انّ الحفاظ على
الاستقرار في لبنان أمر بالغ الأهمية»، كما اكّدوا في بيان وزّعه قصر الايليزيه امس، «تصميمهم على توحيد الجهود لدعم وقف التصعيد على طول الخط الأزرق، وفقًا للقرار 1701»، داعين جميع الأطراف إلى «ممارسة أقصى درجات ضبط النفس لتجنّب أي تصعيد إقليمي إضافي».
وفي السياق ذاته، دعا الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش إلى «وقف الهجمات المتبادلة بين إسرائيل و»حزب الله» على طول الحدود بين لبنان واسرائيل، معرباً عن قلقه من خطر نشوب «صراع أوسع نطاقاً تكون له عواقب مدمّرة على المنطقة». وأعرب عن أسفه «لأنّنا فقدنا بالفعل مئات الأرواح، ونزح عشرات الآلاف، ودُمّرت منازل وسبل عيش على جانبي الخط الأزرق».
احتمالات الحرب منخفضة
وفي موازاة هذه الاندفاعة الخارجية، توالت التحذيرات من تفاقم الامور على الجبهة الجنوبية، وبحسب معلومات «الجمهورية» فإنّ الفرنسيين ارسلوا إشارات واضحة يعبّرون فيها عن خشية وقلق من تدحرج جبهة الجنوب نحو الحرب، ربطاً بتصاعد العمليات العسكرية في الآونة الأخيرة، وتزامنت مع إشارات اميركية مماثلة تؤكّد على خفض التصعيد وتجنّب الانزلاق الى حرب واسعة، وهي تبذل جهوداً مع كل الأطراف لاحتواء الموقف. وتجدر الإشارة هنا إلى انّ واشنطن، وعلى لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية، وجّهت دعوة مباشرة إلى اسرائيل لعدم تصعيد الموقف اكثر والدخول في حرب مع «حزب الله».
ونُقل عن احد الديبلوماسيين الغربيين قوله في هذا السياق: «أنّه على الرغم من تصاعد وتيرة التهديدات، والحديث عن استعدادات للحرب، الّا انّ احتمالات هذه الحرب ما زالت منفخضة حتى الآن».
تكيّف مع الانتظار!
رئاسياً، ووفق مواكبين لحركة المبادرات حيال الملف الرئاسي، فإنّه بعد فشل مهمّة جان ايف لودريان، وجمود او تجميد مهمّة اللجنة الخماسية، لا يوجد في الأفق الرئاسي اقلّه في المدى المنظور، ايّ بوادر لحراك جديد، ما خلا اشارات سطحية تتوالى من باريس وبعض أطراف اللجنة الخماسية، وتكرّر التأكيد على مسؤوليّة اللبنانيين بالتوافق على رئيس. وعلى ما يقول مسؤول كبير لـ«الجمهورية»: «لم يعد لدى الموفدين شيء، واعتقد انّ علينا أن نكيّف انفسنا مع فترة طويلة من الانتظار. فعامل التعطيل، وبمعزل عن مصدره سواءً أكان من الداخل او الخارج، او بالشراكة بين الداخل والخارج، نجح في ترحيل الملف الرئاسي إلى ما بعد الحرب؛ اي انّه بات معلّقاً بمسار الهدنة التي يُعمل عليها، الّا انّ هذا المسار يبدو صعباً، وفيه عثرات كبرى تعيقه».
لا استعجال خارجياً
وبحسب معلومات موثوقة لـ«الجمهورية»، فإنّ ما يقوله المسؤول الكبير، مبني على ما ألمح اليه أحد سفراء اللجنة الخماسية، حيث أسرّ لسياسيين التقوه في الساعات الاخيرة، بمكنون مفاجئ بصراحته، محدّداً بكلامه مصادر متعددة لفشل او تفشيل المبادرات، مشيراً الى أنّ فشل المبادرات، وآخرها مسعى الوزير لودريان، هو مسؤوليّة اللبنانيّين بالدرجة الأولى وإصرارهم على إحباط كل الفرص التي اتاحتها مبادرات الدول الصديقة للتوافق في ما بينهم، وكذلك هو مسؤولية بعض دول الخماسية.
وتضيف المعلومات الموثوقة، انّ السفير الغربي بدا في كلامه مشخّصاً للمشهد الداخلي، ومواقف الاطراف وتناقضاتهم السياسية وغير السياسية العميقة المانعة للتوافق، الّا انّه لم يقدّم توضيحات اضافية في ما خصّ مصدر التعطيل الخارجي واسبابه، مكتفياً بقول ما حرفيته: «نعلم، كما تعلمون انتم أنّ بعض الدول ليست مستعجلة على حسم الملف الرئاسي. وتبعاً لذلك لا أرى ما يشجّع على الإعتقاد بأنّ في الإمكان اعادة تحريك هذا الملف قبل انتهاء حرب غزة».
رهان على متغيّرات
على ان أصل المشكلة، كما تشخّصها قراءة شخصية سياسية وسطية للمشهد الرئاسي المعطّل، هو داخلي قبل ان يكون خارجياً، وقالت لـ«الجمهورية»: «في الداخل تتجلّى المشكلة في الرهان على حرب غزة، حيث انّ بعض الاطراف، وخصوصاً رافضي الحوار والتوافق، يعتقدون انّها ستفرز في نهاية الامر تحولات تمتد إلى لبنان وتفرض تعديلاً في ميزان السياسة والانتخابات يأتي برئيس للجمهورية وفق توجّهاتهم. وفي مقابل هؤلاء، وهذا ما سمعناه صراحة من الوسطاء، فإنّ ملف الرئاسة لا يشكّل نقطة ساخنة لدى «حزب الله» بسبب الحرب في غزة. واما بالنسبة الى الخارج فعلى رغم التأكيدات التي نسمعها، فأنا لا استطيع ان انكر حقيقة يعلمها الجميع بأنّ الخارج غير مستعجل على الحسم، فضلاً عن أنّ لكل دولة في الخماسية وخارج الخماسية، توجهها ومرشحها الملتزمة به. ففي هذا الوضع كيف يمكن ان ننتخب رئيساً»؟
رفع تهمة الرهان
على انّ مصادر في المعارضة تنفي تهمة الرهان، وأبلغت الى «الجمهورية» قولها: «هذا اتهام كاذب جملة وتفصيلاً. فالموقف من رئاسة الجمهورية هو سابق للحرب بنحو سنة، ولم نحد عنه، ونؤكّد ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية عبر دعوة يوجّهها رئيس المجلس الى جلسة مفتوحة، يتخلّل دوراتها المتتالية حوار ومشاورات بين الكتل النيابية، وهكذا حتى نتمكن من انتخاب رئيس الجمهورية. في اي حال ليس خافياً على احد أنّ الكذب هو ملح الممانعة، حيث انّها تتهمنا بما هي منغمسة فيه. وردّنا على هذا الاتهام هو انّ موقفنا واضح وصلب، ونتحدّاهم في الدعوة الى جلسة مفتوحة لانتخاب رئيس الجمهورية اليوم قبل الغد».
الحزب: الانتخاب أولوية
ورداً على سؤال، استغربت مصادر «حزب الله» الانطباع الذي يتوهم انّ الملف الرئاسي لا يشكّل اولوية بالنسبة الى «حزب الله». وقالت لـ«الجمهورية»: «هذا الانطباع، حتى لا نسميه افتراء، ينمّ عن جهل. فلا احد من قبل الحزب او من حلفائه اشار من قريب او بعيد الى إغفال اولوية اجراء الانتخابات الرئاسية، كما لا احد منا ربط بين الاستحقاق الرئاسي وضرورة انجازه وبين وقف الحرب في غزة».
اضافت المصادر: «انّ موقفنا يتلخّص بأننا نريد اليوم إجراء انتخابات رئاسية، ولا نربط الرئاسة بأي شيء آخر. نعم قلنا بصراحة إننا نربط الحل السياسي لمنطقة الحدود الجنوبية بوقف العدوان الاسرائيلي على غزة. واما موضوع انتخابات رئاسة الجمهورية فموقفنا واضح بأننا مع التعجيل في اجرائها بمعزل عن أي امر آخر. وهذا الموقف بحرفيته تمّ ابلاغه الى الموفد الفرنسي جان ايف لودريان».
الحركة القطرية
إلى ذلك، أبلغت مصادر مطلعة على أجواء اللقاءات السياسية التي جرت في الدوحة الى «الجمهورية» قولها: «لا مبادرة قطرية، بل انّ القطريين يتواصلون مع الجميع، كعامل مساعد لحركة الجهود للدفع بصورة جدّية الى حسم سريع للملف الرئاسي».
ولم تشأ المصادر الدخول في تفاصيل ما يُطرح في هذه اللقاءات، واكتفت بالقول: «الحراك القطري ليس منطلقاً من مبادرات أحادية الجانب لحسم الملف الرئاسي، بل هو مكمّل لمهمّة اللجنة الخماسية، وتحت سقف التعجيل في انتخاب رئيس الجمهورية. وبصورة عامة فإنّ الجو مريح، واللقاءات صريحة وجيدة، ويبدو انّها ستتواصل».
ورداً على سؤال عمّا إذا كانت المحادثات قد دخلت الى جوجلة اسماء المرشحين، او رجحت بعض الاسماء، اكتفت المصادر بالقول: «المحادثات عامة، واما المكان الوحيد للبحث في الاسماء فهو على طاولة التوافق».
وفيما تردّد في بعض الاوساط السياسية عن زيارات مرتقبة لموفدين ربطاً بالملف الرئاسي، أبلغ مرجع سياسي الى «الجمهورية»: «في هذا الجو المسدود، وحسب معلوماتي لا اعتقد انّ ثمة زيارات مقرّرة لموفدين فرنسيين او قطريين الى بيروت».
الجبهة الجنوبية
جنوباً، يوم جديد من التوتر تشهده المنطقة الجنوبية على امتداد خط الحدود من الناقورة الى جبل الشيخ، حيث توزعت الغارات الاسرائيلية بالطيران الحربي والمسيّر على العديد من القرى والبلدات الجنوبية، وتزامن ذلك مع قصف مدفعي. وفي المقابل، أعلن «حزب الله» انّ المقاومة الاسلامية استهدفت عدداً من مواقع العدو.
الى ذلك، ذكرت صحيفة «اسرائيل اليوم» انّه لم يتمّ البحث في اي خطة عسكرية للهجوم على لبنان في مجلس الحرب او في المجلس السياسي العسكري المصغّر في اسرائيل، فيما نقلت صحيفة «يديعوت احرونوت» عن عضو مجلس الحرب الاسرائيلي بيني غانتس قوله: «لن نتوانى عن استخدام القوة إذا لم ينجح الحل السياسي في ازالة التهديد لبلدات الشمال».
وقال زعيم حزب «اسرائيل بيتنا» افيغدور ليبرمان: «بعد 8 اشهر من الحرب حصلنا على العار الكامل بدل النصر الكامل، وحكومة اسرائيل أضاعت منطقة الشمال وهي مستمرة في الخنوع لـ«حزب الله» الذي يفعل كل ما يريده».
بدوره قال مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق مائير بن شبات: «بلغ حجم الهجمات التي نفّذها «حزب الله» ضدّ إسرائيل رقماً قياسيًا جديدًا، فإلى جانب الخسائر الكبيرة والأضرار التي لحقت بالمستوطنات والأصول الأمنية، كان لهذه الهجمات تأثيرها الكبير أيضاً على المعنويات».
وسلّط الإعلام الإسرائيلي على «مخاطر توسّع الحرب مع لبنان»، مؤكّدًا أنّها «ستدفع إسرائيل إلى حافة الهاوية، خصوصاً مع غياب الشرعية الدولية، ومع جيش منهك». وقالت صحيفة «هآرتس»: «إنّ الحرب مع «حزب الله» ستجلب تحدّياً كبيراً للجبهة الداخلية، إذ إنّ الشمال والوسط سيواجهان تهديداً بحجم وشدّة لم يواجهاهما من قبل». أضافت الصحيفة: «إن إسرائيل، من الناحية الاستراتيجية، عالقة في كل الساحات، أكبرها وأهمها، ساحة المواجهة مع «حزب الله» في لبنان، حيث إنّها تقف أمام خطر اندلاع حريق شامل، وهو حريق من شأنه، إذا تحقق، أن يجعل كل ما حدث من قبل صغيراً».
وكانت القناة 13 الاسرائيلية قد نقلت عن رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود اولمرت قوله: «ان «حزب الله» قادر على إلحاق الأذى بإسرائيل بصورة أكبر مما تعرّضت له حتى الآن». لافتاً الى انّ الطريق إلى إنهاء الحرب هو عبر المفاوضات مع حكومة لبنان بوساطة أميركية فرنسية، ومشيراً إلى أنّ المتشدّدين في الحكومة الإسرائيلية يريدون «حرب يأجوج ومأجوج».
وأكّد العقيد في احتياط «جيش» الاحتلال الإسرائيلي، كوبي مروم، أنّ «حزب الله»، «يُفعّل النيران على الجبهة الشمالية بصورة ذكية جداً، بواسطة وسائل يصعب على الجيش كشفها واعتراضها».
وفي حديث إلى «القناة الـ 12» الإسرائيلية، أضاف مروم أنّ «هذه المشكلة الاستراتيجية من دون حل، فتفعيل النيران من جانب الجيش لا يردع حزب الله».
وتابع أنّ «إسرائيل في وضع تصعيد خطر في الأيام الماضية»، وأنّ «ما يغضب أكثر هو الصورة القاسية في كريات شمونة وهي تحترق، فيما المطلة وكريات شمونة بدتا كمدينتي أشباح، في إخفاق اداري وقيادي هو الأخطر».
من جانبه، ألقى وزير الزراعة الإسرائيلي آفي ديختر بالمسؤولية على الجيش الاسرائيلي بتركيزه على غزة بدلًا من الشمال، وقال: «نخوض حرباً في الجنوب، وحرب استنزاف صعبة في الشمال».
اضاف، للقناة 14 الإسرائيلية: «لا توجد مشكلة بالنسبة للجيش للقتال بضراوة في غزة، وبضراوة في لبنان»، لكنه استدرك قائلاً: «الجيش قرّر أنّه سيركّز جهوده في غزة، وإنهاء العمليات فيها، قبل التفرّغ لـ»حزب الله».