كتبت صحيفة “النهار”: تعاظمت المخاوف من مؤشرات اقتراب لبنان من حافة انفجار حربي كبير بين إسرائيل و”حزب الله”، في ظل تطورات تنبئ بتجاوز العمليات الميدانية المتبادلة الحدود القابلة للضبط لوقت طويل بعد أن عكست الأيام الأخيرة عاملاً مقلقاً للغاية تمثل في تقدم خطر انفجار الجبهة اللبنانية – الإسرائيلية الى صدارة الإعلام العالمي واحتلاله الأولوية حتى على حرب غزة، وذلك للمرة الأولى منذ عملية “طوفان الأقصى”.
ولم يفت بروز هذا التطور الأوساط الديبلوماسية المتابعة تطورات الموقفين الميداني والديبلوماسي على هذه الجبهة، اذ أكدت ما أوردته “النهار” قبل يومين، من أن سباقاً لاهثاً يجري بين الجهود الديبلوماسية الأميركية والفرنسية مع التصعيد الكبير والخطير الذي تشهده ضفّتا الجبهة القتالية في الجنوب اللبناني وشمال إسرائيل. ولعل الأمر اللافت في ما أوردته هذه الأوساط أنها اعتبرت التصعيد الواسع الذي حصل من جانب “حزب الله” في الساعات الأخيرة رسالة متعمدة من الحزب وإيران الى القمة الفرنسية- الأميركية بين الرئيسين إيمانويل ماكرون وجو بايدن، علماً أن إسرائيل تصعّد من جانبها لحسابات مختلفة معظمها داخلي وميداني بعدما طوّر “الحزب” هجماته بزج أسلحة جديدة في الميدان أحرجت الجيش كما القيادة السياسية في اسرائيل. ولم يكن أدل على هذا المناخ الضاغط بخطورة عالية مما أورده موقع “أكسيوس” الإخباري الأميركي نقلاً عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين أفادوا أن إدارة بايدن حذرت إسرائيل في الأسابيع الأخيرة من فكرة حرب محدودة في لبنان وأن حرباً كهذه يمكن أن تدفع إيران الى التدخل.
واكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في هذا السياق أن “ضغوطاً دولية صعبة تمارس علينا ولكن يمكنني أن أضمن شيئاً واحداً وهو أننا سنغير الواقع الحالي مهما حدث ونحارب في الشمال والجنوب”.
كما أن التطور الميداني الأبرز الذي سجل أمس تمثل في اعلان “حزب الله” عصر أمس أن مقاتليه اطلقوا صواريخ دفاع جوي على الطائرات الحربية الإسرائيلية “التي كانت تعتدي على سمائنا وخرقت جدار الصوت في محاولة لإرعاب الأطفال ما أجبرها على التراجع الى خلف الحدود”. وهي المرة الأولى منذ اندلاع حرب غزة والمواجهات في الجنوب اللبناني يعلن فيها الحزب اطلاق صواريخ في اتجاه طائرات حربية إسرائيلية بما يعتبر ادخالاً لما يسمى بـ”السلاح الكاسر”.
وكان الجنوبيون عاشوا ليلاً نارياً شهد سلسلة غارات إسرائيلية على بلدات العديسة، بيت ياحون، صديقين وادي جيلو قضاء صور، حيث اندلع حريق هائل في مبنىً كبير على الخط العام للبلدة، إضافة إلى دمار في الممتلكات. ونشر الإعلام الإسرائيلي مشاهد للغارات التي شنّها الجيش ليلاً على لبنان.
وواصل الطيران الإسرائيلي غاراته أمس واستهدف بلدة عيترون على دفعتَين واستهدفت مسيّرة دراجة نارية أسفرت عن سقوط عنصر لـ”حزب الله” هو حسين نعمة الحوراني إضافة إلى إصابة آخر. وشنّ الطيران الحربي غارة أخرى على مبنى مؤلّفٍ من ثلاث طبقات في عيترون بصاروخَي أرض- جوّ، فدمّره بالكامل. كما أفيد عن سقوط إصابتَين من المدنيّين. وتسبّبت الغارة وسط البلدة بدمار هائل في المنازل والمحال التجارية، فيما تُجري فرق الإسعاف مسحاً في المنطقة. وفي ساعات بعد الظهر، حاولت مسيّرة إسرائيلية استهداف آلية “رابيد” على طريق عام عيترون- بنت جبيل، إلّا أنّها لم تُصب هدفها، وأسفرت الغارة عن إصابة مدني بجروح طفيفة.
وعلى وَقع التصعيد الميداني، لم تتوان القيادة السياسية الإسرائيلية عن رفع مستوى تهديداتها للبنان، إذ نقلت صحيفة “معاريف” عن الوزير المتشدد إيتمار بن غفير “وجوب شنّ حرب شاملة على منظمة “حزب الله” الإرهابية والدخول إلى لبنان والقتال هناك”. كما نقلت عن وزير الثقافة الإسرائيلي قوله إنّ “تأجيل المعركة مع “حماس” أدّى إلى 7 تشرين الأول (أكتوبر)، وتأجيلها مع “حزب الله” سيؤدي إلى كارثة أكبر”. وأضاف: “الحرب في الشمال ستُفرَض علينا عاجلاً أم آجلاً”. ومن جهته، توجه الوزير في كابينيت الحرب الإسرائيليّ، بيني غانتس الى رؤساء بلديات شمال إسرائيل، قائلًا: “استعدوا لقتال ولأيام أكثر صعوبة يمكن أن تصل بنا إلى الحرب”. بدوره، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت: “الحكومة اللبنانية لا تريد اندلاع حرب واسعة وعليها الضغط على حزب الله”.
اعتداء عوكر
اما على الصعيد الأمني في الداخل، فترددت أصداء الاعتداء على السفارة الأميركية في عوكر لجهة رصد التحقيقات الجارية في الحادث. وأفيد أن منفذ عملية اطلاق النار على السفارة السوري قيس فراج عمل منفرداً وليس ضمن خلية واشترى السلاح والذخيرة من ماله الخاص واستطلع السفارة الأميركية عبر مشغل “غوغل”.
وأفادت مصادر مطّلعة على التحقيق عن توقيف سائق الفان الذي نقل مطلق النار من البقاع، وتبيّن أنّه لم ينقل فراج خصيصاً، إنّما كان من عداد ركاب الباص. وتجري مراجعة حركة الاتصالات على هاتف السائق، إضافة إلى استمرار توقيف رجل دين قيد التحقيق، وكذلك شقيق مطلق النار ووالده أسوة بجميع الذين يشملهم التحقيق من المحيطين بمنفّذ العملية، في إطار جمع المعلومات عن الحادث.
وقد دانت دولة الإمارات بشدة، الاعتداء الذي استهدف سفارة الولايات المتحدة في بيروت، مشددة على “أهمية حماية المباني الديبلوماسية وفق الأعراف والمواثيق التي تحكم وتنظم العمل الديبلوماسي”. وأكدت وزارة الخارجية، في بيان لها، أن “دولة الإمارات، تعرب عن استنكارها الشديد لهذه الأعمال الإجرامية، ورفضها الدائم لجميع أشكال العنف والإرهاب التي تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، وتتنافى مع القانون الدولي”.
الرئاسة والوساطة القطرية
على الصعيد السياسي، تتجه الأنظار إلى زيارات الوفود اللبنانية الى الدوحة التي شملت حتى الآن وفوداً وشخصيات من “حركة أمل” والحزب التقدمي الاشتراكي و”القوات اللبنانية”. وفي المعلومات أن المسؤولين القطريين المولجين بمتابعة الملف اللبناني يجمعون الآراء تمهيداً لوساطة جديدة بين الافرقاء لتقريب وجهات النظر بين الأضداد الذين لا يلتقون على رؤية واحدة حيال انتخابات الرئاسة المعقدة. وأفاد بعض زوار الدوحة أخيراً أن قطر تتعاطى بجدية عالية مع ملف انتخابات الرئاسة في لبنان وتسعى إلى مساعدة الكتل النيابية والنواب المستقلين ودفعهم الى اتمام الاستحقاق ومن دون أن تتعارض وساطة الدوحة مع مهمة “المجموعة الخماسية” بل تشكل عاملاً مساعداً لها. وأفاد هؤلاء الزوار أن الوفود تلقت جملة اسئلة من الجانب القطري الذي يبدو أنه من اكثر المتحمسين لاجراء الانتخابات في أسرع فرصة ممكنة. واكد النائب ملحم الرياشي الذي كان عضواً في الوفد القواتي إلى الدوحة أن القطريين يتجهون إلى اعلان مبادرة جديدة في اتجاه لبنان في الأسابيع المقبلة، ونفى أن يكون التقى في الدوحة النائب علي حسن خليل ولكنه اكد أن التواصل قائم معه ومع النائب طوني فرنجية “ونأمل الوصول الى مخرج لبناني- لبناني”.
وتواصل التحرك الاشتراكي المتصل بالملف الرئاسي، فالتقى رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب تيمور جنبلاط أمس النائب طوني فرنجية في حضور النواب: وائل أبو فاعور، بلال عبدالله وراجي السعد. وأوضح النائب بلال عبدالله: “وضعنا “التكتل الوطني المستقل” في أجواء لقاءاتنا وإلى أين وصلنا وما هي نقاط الخلاف وأين يمكن تقريب وجهات النظر؟”. وشدّد على أنّ “الهدف الأساسي من تحرّكنا هو أن ننجز التسوية الداخلية اللبنانية حفاظاً على البلد ونحن يجب أن نُساعد أنفسنا كلبنانيين”.
بدوره، اشار النائب طوني فرنجيّة الى أنّه “لا يمكن أن نبقى مكتوفين أمام الشلل الذي يشهده لبنان”، مؤكّداً “أنّنا منفتحون على أيّ حوار بنّاء بعيداً من المصالح الضيّقة للبعض ولا مجال إلا بالحوار”. وقال: “علينا العمل على إيجاد حلول داخلية بعيداً عن الحلول الخارجية”. وأضاف: “إذا تعذّر وصول سليمان فرنجيّة أو انسحب من السباق الرئاسي وهذا غير مطروح حتى الآن، فإنّ الغالبية النيابية قادرة على إيصال رئيس ولكن ليس هذا ما نسعى إليه”.