وجه النائب السابق أمل أبو زيد كتابا مفتوحا الى “مؤتمر النازحين السوريين” في بروكسيل، تناول فيه وضع لبنان ومعضلة النزوح السوري والمخاطر والحلول، وقال: “لبنان، بين كل دول الجوار السوري، هو البلد الأكثر تأثرا وتضررا من الحرب السورية التي صدرت اليه الإرهابيين والنازحين، وإذا كان نجح في درء خطر الإرهاب قبل نحو ثماني سنوات في حملة تعبئة شاملة بلغت ذروتها في عملية “فجر الجرود” التي قادها الجيش اللبناني في السلسلة الشرقية في عهد الرئيس العماد ميشال عون بتاريخ ١٩ آب ٢٠١٧، فإن لبنان لم ينجح في استيعاب واحتواء أزمة النزوح وتداعياتها بحيث بدت أكبر منه ومن طاقته وقدراته وازدادت تفاقما وتعقيدا مع الوقت”، ولفت الى ان”مشكلة النازحين في الدول المضيفة مثل الأردن وتركيا لم تفعل ما فعلته بلبنان الذي خسر استقراره الاقتصادي والاجتماعي بفعل هذه الأزمة ويكاد أن يخسر استقراره الامني أيضا”.
واكد أن “لبنان ليس مثل أي دولة من دول الجوار السوري ولا يشبه أي دولة في المنطقة إن لجهة تركيبته الطائفية السياسية القائمة على توازنات دقيقة أو لضيق مساحته وصغر حجمه وضآلة موارده وضعف إمكاناته. وهذا ما جعل منه بلدا غير مؤهل لتلقي مثل هذه المسألة وتداعياتها وغير قادر على تحمل تبعاتها وأعبائها الثقيلة”، ونبه من انه “بعد مرور نحو 12 عاما على تدفق السوريين الى لبنان بأعداد هائلة وبصورة عشوائية وغير شرعية بمعظمها، حصل تحول عميق في الواقع الديموغرافي والبنية السكانية، بحيث بات عدد السوريين يشكل نحو ثلث عدد السكان ومرشح لأن يصل الى النصف وان يصبح عدد اللبنانيين مساويا لعدد السوريين على الأرض اللبنانية. وما يفاقم المشكلة أن الأكثرية الساحقة من السوريين هم من فئة وطائفة واحدة، ما يؤدي الى ضرب التوازن الطائفي في لبنان وتحويل المسيحيين الى أقلية صغيرة والشيعة الى أقلية كبيرة، خصوصا ان تدفق السوريين الى لبنان قابله خروج اللبنانيين الى الخارج بأعداد كبيرة، خصوصا في السنوات الخمس الأخيرة التي شهدت انفجار الأزمة الاقتصادية والمالية. وهذه الهجرة تركزت في أوساط الشباب وخريجي الجامعات ما سيؤدي الى قيام مجتمع هرم والى نقص فادح في الكفايات والنخب”، وأكد أن “من شأن هذا الاختلال بالتوازن الوطني ان يؤدي الى إختلال بقواعد العيش المشترك وبرسالة لبنان ودوره المميز ووضعه الحاضر. فلبنان لديه خصوصية معينة فريدة من نوعها، تضرب وتنتهك وتتآكل بفعل ضغوط النزوح والتحولات الناجمة عنه”.
اضاف: “والأدهى، ان أزمة النزوح السوري تعمقت وكبرت في ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة وضائقة مالية لامست حدود انهيار المصارف وإفلاس الدولة، وما حصل ان لبنان لم يعد يتمتع بالحد الأدنى من القدرة على مواجهة أعباء النزوح وان وجود النازحين زاد في النزف الاقتصادي والمالي وفي تهالك المرافق والخدمات والبنى التحتية. ان لبنان لم يعد يستطيع أن يتحمل وزر وعبء النزوح، لا في بنيته المجتمعية ولا في قدراته الاقتصادية ولا يستطيع أن ينتظر أكثر وعامل الوقت يلعب ضد مصلحته. لا يستطيع لبنان أن ينتظر حل الأزمة السورية خصوصًا وان لا مؤشرات تلوح في الأفق بشأن حل لهذه الأزمة التي يمكن أن تطول لسنوات مقبلة”.
وتابع: “لذلك فإن حل أزمة النزوح في لبنان لا يمكن أن ينتظر عودة علاقات سوريا مع المجتمع الدولي، ولا رفع العقوبات على أنواعها ولا إعادة الإعمار… والأمر الأول الذي يجب المبادرة اليه هو فك الارتباط والفصل بين الأزمة السورية الشاملة وأزمة النازحين السوريين في لبنان. وبالنسبة لأزمة النازحين، لا يجب أن تكون مقيدة بخيارين: بقاؤهم في لبنان أو ذهابهم الى أوروبا. ولبنان الذي لا يحتمل بقاء النازحين على أرضه، لا يؤيد الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا ولا يشجع على ذلك. لذلك فإن العمل يجب أن يكون على “الخيار الثالث”، أي عودة السوريين الى بلادهم ، خصوصا أن هناك اعدادا كبير من النازحين السوريين، فقد “صفة النزوح” بسبب تمكنه من الذهاب الى سوريا والعودة منها وذلك إستنادا الى المبدأ الدولي الذي يقول أن “أي نازح قادر على الرجوع الى بلده يفقد صفة النزوح”، وبالتالي تُطبَق عليه القوانين المرعية الإجراء في بلد النزوح ويفقد بالتالي أي مساعدة مادية من قبل مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. وهذه العودة تكون إمًا الى المناطق الآمنة التي صارت متوفرة وعلى نطاق واسع، أو الى مخيمات تقام خصيصا للعائدين وفي مناطق سورية محاذية للحدود مع لبنان، مع تحويل المساعدات المالية والصحية والتربوية اليهم وبصورة مباشرة. ومثل هذه العودة ليست مرتبطة بالحل السياسي الشامل للأزمة السورية ولا تتوقف عليه. وعلى المجتمع الدولي أن يعمل في هذا الاتجاه انطلاقا من واقع سوريا وما انتهت اليه الحرب”.
وختم: “إن على المجتمع الدولي وأوروبا بشكل محدد أن يعترفوا بهذا الواقع الذي يفيد ان النظام السوري صمد وبقي وان بشار الأسد ما زال رئيسا معترفا به عربيا ودوليا وان حل أزمة النازحين لا يكون إلا بالتعاون مع الحكومة السورية ومساعدتها على تهيئة مناخات ومقومات العودة الآمنة والكريمة للنازحين للحفاظ على ما تبقى من أمل لدى اللبنانيين الذين ما فتئوا ومنذ عقود طويلة يكابدون صنوف الحروب والآلام للحفاظ على وطنهم وحقهم بالحياة الكريمة التي تليق بتضحياتهم”.