بعد مرور 6 أشهر على انفجار مرفأ بيروت، يؤكّد الداعمون الدوليون الأساسيون، أنّهم أرسلوا غالبية المبالغ التي وعدوا بها لدعم الشعب اللبناني. إلّا أنّ منظمات غير حكومية تشكو من أنّه لم يصلها سوى القليل. فما هو حال المساعدات الموعودة في بلد يشهد إنهياراً اقتصادياً، وتفرض فيه المصارف قيوداً مشدّدة على السحوبات المالية وخصوصاً بالعملات الأجنبية؟
في تحقيق لها من بيروت، قالت وكالة «فرانس برس»، انّه في التاسع من آب 2020، أي بعد 5 أيام على الانفجار المروع، تعهّد المجتمع الدولي خلال مؤتمر بمبادرة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تقديم 298 مليون دولار، كدعم إنساني للبنان، على أن تُقدّم برعاية الأمم المتحدة وبشكل مباشر للشعب اللبناني. وقد زار ماكرون لبنان مرتين إثر الانفجار الذي تسبب بمقتل أكثر من 200 شخص وإصابة أكثر من 6500 آخرين بجروح، وتدمير أجزاء واسعة من العاصمة.
وإثر مؤتمر آخر في الثاني من كانون الأول، وبدعم من ماكرون أيضاً، أطلق الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي والأمم المتحدة، خطة عمل للإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار لمدة 18 شهراً. وقدّرت قيمة الاحتياجات للتعافي في السنة الأولى بـ426 مليون دولار للسنة الأولى.
ما هي المبالغ المُرسلة؟
وفي بداية كانون الأول، أشاد ماكرون بوفاء الجهات الدولية بالتعهّدات التي قطعتها في المؤتمر الأول، وقال إنّها تخطّت 280 مليون يورو (أكثر من 330 مليون دولار).
وتوضح المنسقة المقيمة للأمم المتحدة في لبنان ومنسقة الشؤون الإنسانية نجاة رشدي لـ»فرانس برس»، أنّه من أصل 298 مليوناً تمّ إرسال 161 مليون دولار عبر الأمم المتحدة إلى لبنان، فيما جرى إرسال مساعدات عينية بقيمة 124 مليوناً إلى منظمات غير حكومية، أي ما مجموعه 285 مليون دولار. وتشير إلى مساعدات أخرى أُرسلت إلى الحكومة اللبنانية لكن «من الصعب» أن تقدّرها الأمم المتحدة.
وتؤكّد رشدي: «جرى الوفاء بشكل كامل بالمساعدات التي تمّ التعهّد بها في التاسع من آب»، لافتة في الوقت ذاته إلى «تحدّيات التنسيق» على الأرض. ورغم ذلك، لا تزال هناك مبالغ لم تصل إلى لبنان، بينها 6 ملايين دولار من أصل 18 مليوناً تعهّدت بها الوكالة الفرنسية للتنمية، وفق ما يقول مسؤولها المحلي آرثر غيرمون.
ما هو مصير خطة التعافي والإصلاح؟
أما في ما يتعلق بخطة التعافي والإصلاح وإعادة الإعمار الثلاثية التي نتجت من المؤتمر الثاني، والتي تجمع بين المساعدات الإنسانية العاجلة وأخرى على المدى المتوسط، فلا تزال تراوح مكانها.
ويوضح آرثر غيرمون، أنّ في نهاية كانون الأول، وضمن الخطة الثلاثية، جرى إطلاق صندوق ائتماني مخصّص للمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الصغيرة، للحصول على 250 مليون يورو (295 مليون دولار)، إلّا أنّ المساهمات حتى الآن بلغت 60 مليون دولار فقط.
ولا يسري على هذا الصندوق الشرط الذي وضعه المجتمع الدولي، وينص على قيام الدولة اللبنانية بإصلاحات ضرورية في مقابل الحصول على مساعدات، تُخرج البلاد من أزمتها الاقتصادية. إلّا أنّ هذا الشرط يسري على جوانب أخرى من الخطة.
وتوضح رشدي، أنّ مساعدات إعادة الإعمار، وبينها تلك المتعلقة بالمرفأ، فمشروطة بالإصلاحات، بهدف ضمان الشفافية في طلب المناقصات.
أي سعر صرف؟
وتشكو المنظمات غير الحكومية من قلة المساعدات التي وصلتها. ويقول المسؤول في الصليب الاحمر اللبناني نبيه جبر، إنّ «شخصيات ومؤسسات موّلت أكثر من 80 في المئة من عمليات الاستجابة التي قام بها الصليب الأحمر اللبناني بعد انفجار بيروت».
وحصد الصليب الأحمر اللبناني 27 مليون دولار على شكل هبات خاصة في مقابل 5 ملايين فقط من شركاء دوليين. ولا يتوقف الأمر عند الصليب الأحمر، إذ أنّ الوضع ذاته تكرّر مع منظمة «بيت البركة»، التي انكبت على القيام بأعمال إغاثة في الأحياء المتضررة.
وتقول مديرة المنظمة مايا ابراهيم شاه، إنّ أمام نقص التمويل، لجأت منظمتها إلى البحث عن مصادر أخرى، وقد أرسل المغتربون لها 3,2 ملايين دولار.
إضافة إلى صعوبات التمويل، تواجه المنظمات غير الحكومية أزمة أخرى وهي ببساطة امكانية سحب أموالها من المصارف اللبنانية.
ومنذ خريف العام 2019، فرضت المصارف تدريجاً قيوداً مشدّدة على الحسابات خصوصاً بالدولار. وبات المودعون غير قادرين على سحب أموالهم بالدولار، لكن يمكنهم الحصول عليها بالليرة وفق سعر جديد حدّدته المصارف بـ3900 ليرة، في حين أنّ سعر الصرف في السوق السوداء يكاد يلامس عتبة 9 آلاف ليرة. أما سعر الصرف الرسمي فلا يزال محدّداً بـ1507.
وتسمح المصارف للمودعين بسحب مبالغ بالدولار خلال فترة زمنية معينة وضمن سقف محدد، بشرط أن تكون حُولت حديثاً من خارج البلاد إلى حساباتهم.
وبالنتيجة، فإنّ بعض المنظمات غير الحكومية اضطرت إلى أن تسحب جزءاً من المبالغ بالليرة اللبنانية بحسب سعر المصارف ما أفقدها 55 في المئة من قيمتها الفعلية.
وتقول فيرجيني لوفيفر من مؤسسة «عامل الدولية»، إنّه «أُجبرنا على تحويل بعض المبالغ إلى الليرة اللبنانية وفق سعر صرف المصارف»، مشيرة إلى أنّه «جرت مفاوضات للاتفاق على سعر صرف «إنساني»، إلّا أنّها لم تُحسم».
التراث وضع جانباً؟
يواجه قطاع الثقافة والتراث شحاً في التمويل. وتلقّى تحالف «مبادرة بيروت للتراث»، وفق أحد المسؤولين فيه، 250 ألف دولار عبر جهات مؤسساتية، فيما تُقدّر حاجات القطاع بـ300 مليون دولار.
ولم تنظّم منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة حتى الآن مؤتمراً للداعمين، كان يُفترض إطلاقه في تشرين الأول.
ويقول فضلو داغر، أحد مؤسسي «مبادرة بيروت للتراث»، إنّ من دون الدعم المالي «من الاستحالة القيام بأي أعمال إعادة إعمار للتراث اللبناني».
وتسبّب الانفجار في مرفأ بيروت، وفق تقديرات للبنك الدولي تعود إلى آب، بأضرار وخسائر اقتصادية راوحت بين 6,7 و8,1 مليارات دولار.